وردَت العديدُ منَ الرّواياتِ الصّحيحةِ في حصرِ فهمِ القرآنِ وتفسيرِه بأهلِ البيتِ، وعليهِ كيفَ نفهمُ التّفاسيرَ التي كتبَها علماؤنا، أليسَ هذا مخالفةً صريحةً لقولِ الأئمّة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

لا يوجدُ تعارضٌ بينَ الرّواياتِ التي تحصرُ فهمَ القرآنِ في أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) وبينَ ما كتبَه علماؤنا الأجلّاءُ مِن تفاسيرَ وذلكَ لعدّةِ وجوه. 

الوجهُ الأوّلُ: إمكانيّةُ فهمِ القرآنِ لجميعِ المُكلّفينَ والدّليلُ عليه: 

1- لا خلافَ ولا شبهةَ في كونِ القرآنِ خطاباً لجميعِ المُكلّفينَ، ولِذا أمرَ اللهُ الجميعَ بضرورةِ التّدبّرِ في آياتِه قالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا) وقالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا) فلو كانَ فهمُ القرآنِ مُستحيلاً لما أمرَ اللهُ بالتّدبّرِ في آياتِه. 

2- جعلَ اللهُ القرآنَ حجّةً على جميعِ عبادِه، ولبلوغِ هذهِ الحجّةِ يسّرَ آياتِه للجميعِ سواءٌ كانَ مُسلِماً أو غيرَ ذلكَ، قالَ تعالى: (وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُّدَّكِرٍ)، وقالَ تعالى: (وَلَقَد ضَرَبنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُم يَتَّقُونَ)، فضربُ الأمثالِ دليلٌ على أنَّ اللهَ أرادَ أن تصلَ آياتُه للجميعِ وإن كانَ خطاباً خاصّاً لما كانَ هناكَ حاجةٌ للأمثالِ، مُضافاً إلى كونِ القرآنِ جاءَ بلغةٍ عربيةٍ واضحةٍ لا عوجَ فيها دليلٌ على إمكانيّةِ فهمِه ومعرفةِ توجيهاتِه. 

3- لم نجِد في كتابِ اللهِ ما يشيرُ إلى إستحالةِ فهمِه وما جاءَ في قولِه تعالى: (وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ) ظاهرٌ في كونِ الآيةِ مُتعلّقةً بالتّأويلِ ولا علاقةَ لها بالتّفسيرِ ومعرفةِ ظواهرِ الكتاب. 

4- أمرَ اللهُ بضرورةِ الإستماعِ إلى آياتِه في حالةِ قراءةِ القُرآنِ، قالَ تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) فهلِ الإنصاتُ يكونُ لسماعِ ما لا يمكنُ فهمُه؟ 

5-  خاطبَ القرآنُ كفّارَ قريشٍ فإن كانوا لا يمكنُهم فهمُه فكيفَ خاطبَهم؟ 

 

الوجهُ الثّاني: الرّواياتُ التي خصّصَت فهمَ القرآنِ بأهلِ البيتِ ناظرةٌ إلى مسألةٍ أخرى غيرَ فهمِ ظواهرِ النّصوص. 

1- ما جاءَ في الرّواياتِ بحصرِ فهمِ القرآنِ في أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) لا يمكنُ حملها على فهمِ ظواهرِ النّصوصِ لأنّهُ أمرٌ مُيسّرٌ للجميعِ، وإنّما تُحملُ على فهمِ جميعِ مرادِه وما تحتويهِ بطونُه، فهُم العالمونَ بظاهرِه وباطنِه، ومحكمِه ومُتشابهِه، وعامِّه وخاصِّه، ومطلقِه ومقيّدِه، ومبيَّنِه ومجملِه على نحوِ الحقيقةِ والواقعِ. يقولُ السّيّدُ الخوئيّ في كتابِ البيانِ في تفسيرِ القرآنِ بعدَ ذكرِه لهذهِ الرّواياتِ: (إنَّ المرادَ مِن هذهِ الرّواياتِ وأمثالِها أنَّ فهمَ القرآنِ حقَّ فهمِه، ومعرفةَ ظاهرِه وباطنِه، وناسخه ومنسوخه مُختصٌّ بمَن خُوطبَ بهِ. والرّوايةُ الأولى صريحةٌ في ذلكَ، فقد كانَ السّؤالُ فيها عَن معرفةِ كتابِ اللهِ حقَّ معرفتِه، وتمييزِ النّاسخِ منَ المنسوخِ، وكانَ توبيخُ الإمامِ (عليه السّلام) لأبي حنيفةَ على دعوى معرفةِ ذلك. وأمّا الرّوايةُ الثّانيةُ فقد تضمّنَت لفظَ التّفسيرِ، وهوَ بمعنى كشفِ القناعِ، فلا يشملُ الأخذَ بظاهرِ اللّفظِ، لأنّهُ غيرُ مستورٍ ليُكشفَ عنهُ القناعُ، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما تقدّمَ منَ الرّواياتِ الصّريحةِ في أنَّ فهمَ الكتابِ لا يختصُّ بالمعصومينَ (عليهم السّلام). ويدلُّ على ذلكَ أيضاً قوله (عليهِ السّلام) في المُرسلةِ: "وما ورّثكَ اللهُ مِن كتابِه حرفاً" فإنَّ معنى ذلكَ أنَّ اللهَ قد خصَّ أوصياءَ نبيّه (صلّى اللهُ عليه وآله) بإرثِ الكتابِ، وهوَ معنى قولِه تعالى: (ثمَّ أورثنا الكتابَ الذينَ إصطفينا مِن عبادِنا) فهُم المخصوصونَ بعلمِ القرآنِ على واقعِه وحقيقتِه، وليسَ لغيرِهم في ذلكَ نصيبٌ. هذا هوَ معنى المُرسلةِ وإلّا فكيفَ يعقلُ أنَّ أبا حنيفةَ لا يعرفُ شيئاً مِن كتابِ اللهِ مثلَ قولِه تعالى: (قُل هوَ اللهُ أحد) وأمثال هذهِ الآيةِ ممّا يكونُ صريحاً في معناه) 

2- هناكَ رواياتٌ كثيرةٌ مِن أهلِ البيتِ وجّهَت بضرورةِ عرضِ الرّواياتِ على القرآنِ للتّأكّدِ مِن صحّتِها، فإذا كانَ فهمُ ظواهرِ القرآنِ غيرَ ممكنٍ فكيفَ يتمُّ عرضُ الرّواياتِ على القرآن؟

3- طلبُ الأئمّةِ مِن بعضِ أصحابِهم الرّجوعَ إلى القرآنِ مباشرةً لمعرفةِ بعضِ الأحكامِ الشّرعيّةِ، ففي حديثِ عبدِ الأعلى آلِ سام: (عثرتُ فانقطعَ ظفري فجعلتُ عليهِ مرارةً فكيفَ أتوضّأ؟ فقالَ عليه السّلام: إمسَح عليهِ، هذا وأمثاله يُعرَفُ مِن كتابِ اللهِ، ما جعلَ عليكُم في الدّينِ مِن حرجٍ) فكأنّما الإمامُ يقولُ له أنَّ الأمرَ واضحٌ في كتابِ اللهِ فلماذا تسأل؟ 

الوجهُ الثّالث: أنَّ تفاسيرَ علماءِ الشّيعةِ إعتمدَت بشكلٍ مباشرٍ على ما جاءَ من رواياتٍ في تفسيرِ القرآنِ، فأوّلُ ما يبحثُ عنهُ المُفسّرُ هوَ الرّواياتِ وإذا لم يجِدها إعتمدَ على القرائنِ العقلائيّةِ في فهمِ ظواهرِ الكتابِ، ومنَ المعلومِ أنَّ رواياتِ التّفسيرِ أقلُّ بكثيرٍ مِن آياتِ القرآنِ، فلو تمَّ الإختصارُ عليها لكانَ معظمُ القرآنِ بلا تفسيرٍ، وهذا مخالفٌ لكونِ القرآنِ كلِّه هدىً وبصائرَ يجبُ الرّجوعُ إليهِ والأخذُ منهُ، وفي المُحصّلةِ لم تخرُج تفاسيرُ الشّيعةِ عنِ المسارِ الذي خطّهُ أهلُ البيتِ (عليهم السّلام) لشيعتِهم.