كيف يمكن البناء على مبنى الوثوق بالصدور مع غياب أكثر القرائن ؟

(هل إختفَت القرائنُ التي توجبُ الوثوقَ بالخبرِ أو يمكنُ الوصولُ إليها والإفادةُ منها) 

: السيد رعد المرسومي

السّلامُ عليكُم ورحمة الله:  

درجَ علماؤنا الأعلامُ – حينَ يصحّحونَ بعضَ الأخبارِ - على إستعمالِ عبارةِ: هذا الخبرُ أو ذاكَ الحديثُ هوَ المُعتمدُ في البابِ، لأنّهُ إحتفَّ بقرائنَ أوجبَت صحّتَه، وهذا المسلكُ في التّصحيحِ هوَ ما يُسمّى بمسلكِ الوثوقِ بالصّدورِ إعتماداً على تلكُم القرائن، فما المرادُ بهذهِ القرائنِ، وهل هيَ مُختفيةٌ الآنَ، ولا يمكنُ الإفادةُ منها ، والوصولُ إليها، أو لا؟ فهاهُنا نقطتانِ لابُدَّ مِن بيانِهما: 

إحداهُما: إنّ المُرادَ بالقرائنِ هيَ عبارةٌ عَن علاماتٍ ودلائلَ يبحثُ عنها الفقيهُ أو المُحقّقُ ليستنتجَ منها صحّةَ الحديثِ مِن عدمِه، فإن وجدَ الخبرَ مُحتفّاً بتلكَ القرائنِ حكمَ عليهِ بالصّحّةِ والقبولِ، وإن وجدَه خالياً مِنها حكمَ عليهِ بالضّعفِ والرّدِّ، فمِن هذهِ القرائنِ ما يلي: 1- أن يكونَ الخبرُ موافِقاً لنصِّ الكتابِ العزيزِ. 2- أن يكونَ الخبرُ موافِقاً للسّنّةِ المقطوعِ بها. 3- أن يكونَ الخبرُ موافقاً لِـما أجمعَت عليهِ الفرقةُ المُحقّة. 4- أن يكونَ الخبرُ مأخوذاً مِن أصلٍ أو كتابٍ أو مصنّفٍ معروضٍ على الإمامِ المعصومِ عليه السّلام الذي أشادَ بذلكَ الكتابِ أو الأصل. وغيرِها منَ القرائن. 

والثانيةُ: إنّ هذهِ القرائنَ يمكنُ الوصولُ إليها والإفادةُ منها مِن خلالِ الممارسةِ الطّويلةِ والكثيرةِ والصّبرِ على المشقّةِ في البحثِ، إذ إنّ كثيراً مِن هذه القرائنِ لا يزالُ معروفاً ومتداولاً بينَ علمائِنا جيلاً مِن بعدِ جيلٍ، وإن إختفَت بعضُ القرائنِ كالأصولِ المُعتمدةِ، أو غيرِها منَ الكتبِ المُعتبرةِ ، لكن هناكَ قرائنُ لا تزالُ موجودةً يتمكّنُ مِن معرفتِها العالمُ النّحريرُ المُتضلّعُ مِن فنونِ الفقهِ والإستدلالِ، والذي مارسَ التّحقيقَ والتّدقيقَ والدّراسةَ مدّةً طويلةً، والشّاهدُ على ذلكَ ما يتداوله علماؤنا الأعلامُ في درسِ البحثِ الخارجِ في أبوابِ الفقهِ المُتفرّقةِ الذي تتميّزُ بهِ حوزاتُنا المباركةُ، خصوصاً إذا كانَ هناكَ تعارضٌ بينَ الأخبار. ودمتُم سالِمين.