لماذا يختلفُ تقييدُ المُحرّماتِ تارةً لخصوصِ المؤمنِ وتارةً لعمومِ المُسلمِ

لماذا يختلف تقييد المحرمات تارة لخصوص المؤمن وتارة لعموم المسلم، أ ليس من المفروض أن تُقيَّد كلّ المحرّمات على المسلم؛ لكون المسلم أعمّ فيشمل الاثنين، والسيد قيّد بعضها للمسلم والبعض للمؤمن؟

: السيد عبدالهادي العلوي

لم عيكم ورحمة الله وبركاته :  

إنّ تقييدَ التّكاليفِ بالمؤمنِ دونَ المُسلمِ في بعضِ المواردِ مِن بابِ أنّ المؤمنينَ هُم المُتهيّئونَ للإمتثالِ والمُنتفعونَ بالأعمالِ ونحو ذلكَ.. وإلّا فمُقتضى الأصلِ هوَ إشتراكُ التّكاليفِ بينَ المؤمنينَ وغيرِهم.  

بيانُ ذلكَ: دلّت الأدلّةُ على أنّ الأصلَ في الأحكامِ والتّكاليفِ الشرعيّةِ أنّها مُشتركةٌ بينَ المُسلمينَ، فتعمّ الرّجالَ والنّساءَ، العالمينَ والجاهلينَ، الحاضرينَ والغائبينَ، ولا تختصُّ بجماعةٍ دونَ جماعة. هذا هوَ مُقتضى الأصلِ والقاعدةُ الأوليّة، إلّا أن يدلَّ دليلٌ على إختصاصِ الحُكمِ بفئةٍ مُعيّنةٍ، كالرّجالِ أو النّساءِ أو الأنبياءِ أو نحو ذلك، بل ذهبَ مشهورُ الفقهاءِ إلى أنّ الكُفّارَ مُكلّفونَ بالفروعِ كما أنّهم مُكلّفونَ بالأصولِ. وحينئذٍ، يردُ عينُ التّساؤلِ: لماذا جاءَت بعضُ الآياتِ والرّواياتِ مُقيّدةً بفئةٍ خاصّةٍ ـ كالمؤمنينَ مثلاً ـ معَ أنّ التّكاليفَ عامّةٌ؟ ولماذا قُيّدَت الأحكامُ بالمُسلمينَ أو المؤمنينَ، أليسَ الكفّارُ مُكلّفينَ أيضاً؟  

وقد تعرّضَ لهذا التّساؤلِ غيرُ واحدٍ منَ العلماءِ ـ عندَ بيانِ الآياتِ المُصدّرةِ بـ{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فإنّ الخطابَ مُتوجّهٌ للمؤمنينَ معَ أنّ التّكليفَ المُتضمّنَ بها عامٌّ يشملُ المُسلمينَ بلِ الكُفّار ـ، وأجابوا عنهُ بوجوهٍ عديدةٍ:  

الأوّل: أنّ توجيهَ الخطابِ للمؤمنينَ مِن بابِ التّشريفِ والتّكريمِ؛ لامتيازِهم عَن غيرِهم بصفةِ الإيمانِ التي إختصّوا بها، فشرّفَهم اللهُ وكرّمَهم به، وذكرَ الإيمانَ في متعلّقِ الخطابِ مِن أجلِ الترغيبِ إليه وتحريضِ النّاسِ إلى الإتّصافِ بهِ، فيكونُ ذلكَ أشدّ في جلبِ القلوب.   

الثاني: أنّ تقييدَ التّكليفِ بالمؤمنِ باعتبارِ أنّ غيرَ المؤمنِ لا يمتثلُ له خارجاً وإن كانَ مكلّفاً بهِ واقعاً، فيكونُ خطابُ المؤمنِ بلحاظِ إقبالِه على العملِ والإمتثال.  

الثّالثُ: أنّ توجيهَ الخطابِ للمؤمنِ باعتبارِ أنّ أعمالَ غيرِ المؤمنِ لا تكونُ صحيحةً ولا مقبولةً؛ لكونِ الإيمانِ شرطاً في صحّةِ العباداتِ وقبولِها عندَ اللهِ تعالى، فيكونُ تخصيصُهم بالخطابِ بلحاظِ ذلك.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.