لماذا لم يقُم الإمامُ عليّ (ع) بتدوينِ الحديثِ النبويّ في فترةِ حُكمِه، وهوَ قادرٌ على ذلكَ، بعدَ أن كانَ تدوينُ الحديثِ ممنوعاً في زمنِ عُمرَ بنِ الخطّاب؟

: السيد رعد المرسومي

السّلامُ عليكُم ورحمة اللهِ وبركاته، 

يبدو مِن سؤالِكَ أنّكَ مسلّمٌ أنّ الإمامَ عليّاً عليه السّلام لم يدوِّن الحديثَ النبويّ في فترةِ حُكمِه، وبذلكَ فهوَ سَيُعَـدُّ كغيرِه منَ الصّحابةِ ممّن تأثّرَ بعُمرَ بنِ الخطّابِ الذي كانَ قد منعَ تدوينَ الحديثِ النبويّ، معَ أنّ الأمرَ بخلافِ ما سُقتَه في منطوقِ سؤالِك كما يعرفُ ذلكَ أهلُ العلمِ، وأثبتَه كثيرٌ منَ المُصنّفينَ والباحثينَ في كتبِهم، وذلكَ لأنّ الإمامَ عليّاً (عليه السّلام) كانَ عندَه كتابٌ يُعرفُ بكتابِ عليٍّ (عليهِ السّلام)، إذ يقولُ عنهُ الإمامُ الحسنُ المُجتبى (عليه السّلام) : إنّ العلمَ فينا ونحنُ أهلهُ وهوَ عندَنا مجموعٌ كلّه بحذافيرِه، وإنّهُ لا يحدثُ شيءٌ إلى يومِ القيامةِ حتّى أرشَ الخدشِ إلّا وهوَ عندَنا مكتوبٌ بإملاءِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وخطِّ عليٍّ بيدِه (ينظر: كتابُ الإرشادِ للشّيخِ المُفيد (ره)، ص274). وهذا الكتابُ كانَ قد دُوّنَ بيدِ الإمامِ عليّ (عليهِ السّلام) وقد وردَ التّعبيرُ عن كتبِ عليٍّ (عليه السّلام) بعناوينَ شتّى مثلِ (فيها علمٌ كثيرٌ) و (صحيفةٌ طولها سبعونَ ذراعاً) و ( كتاباً مدروجاً عظيماً). وقد جاءَ عنِ السّيوطيّ في الإتقانِ في بيانِ دورِ الصّحابةِ في تفسيرِ القرآنِ قوله : (أمّا الخلفاءُ فأكثرُ مَن روى عنهُ منهم عليٌّ بنُ أبي طالب (عليه السّلام) وفي شواهدِ التّنزيلِ للحاكمِ الحسكانيّ يقولُ الإمامِ عليٍّ : ..... ما نزلَت على رسولِ اللهِ آيةٌ منَ القرآنِ إلّا أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتُها بخطّي وعلّمني تأويلَها وتفسيرَها ....). فلاحِظ أنّ هذهِ الرّوايةَ تصرّحُ بتدوينِ الأحاديثِ والبياناتِ النبويّةِ في تفسيرِ وتأويلِ الآياتِ القرآنيّةِ يقولُ العلّامةُ السيّدُ شرفُ الدّينِ العاملي : وأوّلُ شيءٍ دوّنَه أميرُ المؤمنينَ كتابُ اللهِ عزَّ وجل ... فجمعَه مُرتّباً على حسبِ النّزولِ وأشارَ إلى عامِّه وخاصِّه ومُطلقِه ومُقيّدِه ومُحكمِه ومُتشابِهه وناسخِه ومنسوخِه وعزائمِه ورُخصِه وسُننِه وآدابِه ونبّهَ على أسبابِ النّزولِ في آياتِه البيّناتِ وأوضحَ ما عساهُ يُشكِلُ مِن بعضِ الجهاتِ وكانَ إبنُ سيرينَ يقولُ: لو أصبتُ ذلكَ الكتابَ كانَ فيهِ العلمُ. (ينظر: سيرُ أعلامِ النّبلاء للذهبيّ في ترجمةِ الإمام عليّ (ع)، (والمراجعاتِ ص411). 

أضِف إلى ذلكَ أنّ للإمامِ عليٍّ (عليه السّلام) كتاباً معروفاً بعنوانِ (كتابِ السّننِ والقضايا والأحكام). وهوَ كتابٌ يشتملُ على الأبوابِ المُختلفةِ ومِن عناوينِه يظهرُ أنّهُ قد ضمَّ الآدابَ الشرعيّةَ والسّننَ والعباداتَ كما في ترجمةِ أبي رافعٍ في رجالِ النّجاشيّ، ويقولُ السيّدُ الجلاليّ في كتابِه تدوينُ السنّةِ الشريفةِ عَن هذا الكتابِ: (والذي يظهرُ منَ المصادرِ أنَّ كلّاً مِن هؤلاءِ الرّواةِ قد ألّفَ ما يخصُّه، وجمعَ رواياتِ كتابِه عنِ الإمامِ عليهِ السّلام، إلّا أنّا نعتقدُ بأنَّ الكتابَ ليسَ إلّا مجموعةً كبيرةً واحدةً مِن تأليفِ الإمامِ وإملائِه عليه السّلام، وذلكَ لِما يلي : 

1 - إنتهاءُ الأسانيدِ في تلكَ الكتبِ إلى أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام بعنوانِ أنَّ كلّا منها نسخةٌ منهُ، أو إملاؤه . 

2 - لوجودِ نفسِ العناوينِ ضمنَ ما نُسبَ إلى غيرِ الرّواةِ المذكورينَ، الذينَ إعتُبروا كمؤلّفينَ للكُتبِ . 

فذلكَ يؤكّدُ أنَّ الكتابَ المذكورَ كانَ مجموعةً كبيرةً مِن تأليفِ الإمامِ نفسِه عليه السّلام، رواهُ بعضُ أصحابِه كاملاً، وروى بعضُهم أبواباً منه). 

هذا وقَد كتبَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام) دستورَ الحكومةِ الكبيرةِ لمالكٍ الأشترِ عندَما ولّاهُ على مصرَ الموجودَ في نهجِ البلاغةِ للسيّدِ الرّضيّ، والجامعةُ للإمامِ عليّ التي يقولُ عنها إبنُ شبرمة : .... فيها جميعُ الحلالِ والحرامِ حتّى أرشُ الخدشِ (أعيانُ الشّيعةِ 1/93) ويقولُ عنها الإمامُ الصّادقُ (عليه السّلام) : فيها جميعُ ما يحتاجُ إليهِ النّاسُ (بصائرُ الدّرجاتِ ص145).

وقد أكّدَ الإمامُ عليٌّ (عليه السّلام) على تدوينِ الحديثِ خاصّةً والتّراث الإسلاميّ بشكلٍ عامٍّ بقولِه : قيّدوا العلمَ قيّدوا العلمَ! كما في كتابِ أعلامِ الهداية (ج2/ ص189) . وقد دعَت تأكيداتُ ودعواتُ الإمامِ عليّ (عليهِ السّلام) أتباعَه المُخلصينَ وتلامذتَه المُجدّينَ للإقتداءِ بسيرةِ مولاهم والسّعي لتدوينِ العلمِ والحديثِ كأبي رافعٍ الذي يقولُ عنهُ السيّدُ الصّدرُ : أوّلُ مَن دوّنَ الحديثَ مِن شيعةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) بعدَه أبو رافعٍ ( مؤلّفو الشّيعةِ في صدرِ الإسلام ص6) وسلمانُ الفارسيّ الذي يقولُ عنهُ السيّدُ الصّدر : أوّلُ مَن صنّفَ في الآثارِ مولانا أبو عبدِ اللهِ سلمانُ الفارسي رضيَ اللهُ عنه، وهكذا أبو ذرٍّ وغيرُه مِن أجلّاءِ أصحابِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلام) قد دوّنوا الأحاديثَ والبياناتِ النورانيّةَ الصّادرةَ منَ النّبيّ وأهلِ بيتِه الطاهرينَ (عليهم السّلام). 

ويُغني في هذا المقامِ ما هوَ موجودٌ مِن خُطبِه ورسائلِه وقصارِ حِكمِه في نهجِ البلاغةِ وغُررِ الحكمِ وكتابِ سليمٍ بنِ قيسٍ الهلالي وغيرِها منَ الكُتب . ومَن أرادَ المزيدَ فعليهِ بكتابِ تدوينِ السنّةِ الشريفةِ للسيّدِ الجلاليّ وتدوينِ الحديثِ للشيخِ مهدوي وغيرِها منَ الكُتب . 

ودمتُم سالِمين.