هل اليهود يعودون إلى بني إسرائيل أو هم بنو إسرائيل؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنّ اليهودَ المعاصرينَ - كانوا ولا يزالونَ - يشيعونَ وينشرونَ بوسائلَ إعلاميّةٍ شتّى أنّهم نسلُ بني إسرائيلَ الأوائل الذينَ قطنوا فلسطينَ، وهُم في زعمِهم وارثوا أولئكَ الإسرائيليّينَ الأوائل الذينَ كانوا في فلسطين، ويجتهدُ اليهودُ في نشرِ دعوى نقاءِ العُنصرِ اليهودي منَ الاختلاطِ بالأممِ الأخرى، فهُم جنسٌ حافظٌ - في زعمِهم - على نقاءِ عنصرِه، ولليهودِ في ذلكَ هدفٌ خطيرٌ وحيويٌّ بالنّسبةِ لهم، وهوَ أنَّ هذهِ الدّعوة تجعلهم في نظرِ النّصارى أبناءً ليعقوبَ ومِن ذُريَّتِه، فيكونونَ بذلكَ مقصودينَ بالوعودِ الواردةِ في العهدِ القديم لبني إسرائيل، فيستدرّونَ بذلكَ عطفَ النّصارى وإحسانَهم ونُصرتَهم، خصوصاً إذا علمنا أنَّ النّصارى يقدّسونَ التوراةَ، ويعتقدونَ أنَّ ما فيها وحيٌ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، كما سيأتي بيانُه. لكنَّ الواقعَ يُكذّبُ اليهودَ في دعواهم نقاءَ جنسِهم، وذلكَ أنَّ نظرةً عامّةً في هيآتِهم وسحنتِهم تدلُّ على تباينِ أصولِهم، ففيهم ذو السّحنةِ الأوروبيّةِ، وذو السحنةِ العربيّةِ، وفيهم ذو السحنةِ الأفريقيّة. ومع هذا التباينِ لا يمكنُ ادّعاءُ أنَّ أصلهم واحدٌ؛ إذ لا بدَّ مِن أن يكونوا قد اختلطوا بأممٍ أخرى أورثَتهم هذا التباينَ في السّمات. ثمَّ إنَّ اليهودَ ذكروا في كتابِهم أنَّ كثيراً منهم تزوَّجوا بنساءٍ أجنبيّات، وأنَّ نساءَهم أخذهنَ رجالٌ أجانبُ حتّى أنّهم ينسبونَ إلى سُليمانَ عليهِ السّلام ذلك. كما أنّهُ ثبتَ تاريخيّاً أنَّ أمّةً كبيرةً- وهيَ شعبُ دولةِ الخزر- تهوَّدوا في القرنِ الثامنِ الميلادي، وكانَ ذلكَ الشعبُ مِن قبلُ وثنيّاً، وهو شعبٌ تركيٌّ آري كانَ يقطنُ منطقةَ آسيا الوسطى، ودولتُهم التي تُسمَّى باسِمهم دولةُ الخزرِ كانَت تقعُ في المنطقةِ بينَ البحرِ الأسودِ وبحرِ قزوين، وتشغلُ منطقةَ شمالِ أذربيجان وأرمينية وأوكرانية وجميعِ منطقةِ جنوبِ آسيا إلى حدودِ موسكو عاصمةِ روسيا، وكانَ بحرُ قزوين يُسمّى بحرَ الخزر.  

وقد جاءَ في (الموسوعةِ اليهوديّة) عن الخزرِ ما يلي  .. الخزرُ شعبٌ تركيُّ الأصلِ، تمتزجُ حياتُه وتاريخُه بالبدايةِ الأولى لتاريخِ يهودِ روسيا.. أكرهَتهُ القبائلُ البدويّةُ في السّهولِ مِن جهةٍ أخرى على توطيدِ أسسِ مملكةِ الخزرِ في معظمِ أجزاءِ روسيا الجنوبيّة، قبلَ قيامِ الفرانجيّينَ سنةَ (855) م بتأسيسِ الملكيّةِ الرّوسيّةِ، في هذا الوقتِ (855) م كانَت مملكةُ الخزرِ في أوجِ قوّتِها تخوضُ غمارَ حروبٍ دائمةٍ، وعندَ نهايةِ القرنِ الثامنِ تحوَّلَ ملكُ الخزرِ ونبلاؤه وعددٌ كبيرٌ مِن شعبِه الوثنيّينَ إلى الديانةِ اليهوديّة.. كانَ عددُ السكّانِ اليهودِ ضخماً في جميعِ أنحاءِ مُقاطعةِ الخزرِ خلالَ الفترةِ الواقعةِ بينَ القرنِ السّابعِ والقرنِ العاشر الميلادي.. بدا عندَ حوالي القرنِ التّاسعِ أنَّ جميعَ الخزرِ أصبحوا يهوداً وأنّهم إعتنقوا اليهوديّةَ قبلَ وقتٍ قصير فقط.  

ثمَّ إنَّ هذهِ الدّولةَ سقطَت بعدَ ذلكَ في يدِ الرّوسِ، الذينَ إحتلّوها وقضوا عليها تماماً، واستولوا على جميعِ أراضيها، وقد تلاشَت هذه الدّولةُ مِن خارطةِ أوروبا في القرنِ الثالثِ عشرَ الميلادي، وتوزّعَ شعبُها على دولِ أوروبا الشرقيّةِ والغربيّة، وكانَت أكبرُ تجمّعاتِهم في أوروبا الشرقيّة في هنغاريا وبولندا ورومانيا والمجر وروسيا.  فهذا يدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ اليهودَ الذينَ يسمّونَ الإشكنازيم- وهُم يهودُ أوروبا- لا يمتّونَ بصلةٍ إلى يعقوبَ عليهِ السّلام وذريّتِه. ونحنُ المُسلمونَ نعتقدُ أنَّ إنتسابَهم إلى يعقوبَ عليهِ السّلام أو غيرِه لا يغيّرُ مِن موقفِنا منهم ما داموا يهوداً ومحاربينَ لنا ومُعتدينَ على إخوانِنا؛ إذ إنَّ الأنسابَ لا وزنَ لها معَ الكُفرِ، ولا حاجةَ إليها معَ الإسلام.  

  

ثمّ هاهنا أمرٌ مهمٌّ لا بدّ من تسليطِ الضّوءِ عليه، وهوَ أنّهُ لا يزالُ فريقٌ مِن المُهتمّينَ يخلطُ بينَ العديدِ منَ المُصطلحاتِ والكلماتِ القرآنيّة، رغمَ أنَّ القرآنَ جاءَ واضحاً بتحديدِه التعابيرَ والمُصطلحاتِ، ومدلولاتِها، سيما وأنّ اللغةَ العربيّةَ التي نزلَ بها، غزيرةُ الألفاظِ والتراكيبِ والتشكيلاتِ، التي لكلٍّ منها تفسيرٌ ومعنىً خاصٌّ، مقرونٌ بالمكانِ والزّمانِ والمدلولِ التكويني، حسبَ مطارحِها في الجملةِ اللغويّةِ العربيّةِ التي إعتمدَها النصّ القرآني.  

ومِن بينِ المفاهيمِ التي سيمرّ عليها هذا العرضُ البيانيُّ: “اليهودُ” و“بنو إسرائيل“، وما يتعلّقُ بِـ هذينِ المُصطلحينِ دينيّاً وتاريخيّاً، تفسيرًا، وتحديدًا تُمليهِ حقيقةُ إنتمائِنا ونظرتِنا إلى الحياةِ والكونِ والإنسانيّةِ، وقد إستندَت هذهِ المادّةُ في تدعيمِ الفكرةِ، والسّعي في بحثِها، إلى ثلاثةِ مُرتكزاتٍ علميّةٍ رئيسيّةٍ، هيَ: المصدرُ التاريخي، واللغوي، والديني، وتلكَ المصادرُ الثلاثة، تجتمعُ أصلاً في النصِّ القرآني، الذي سيشكّلُ الإعتمادُ على آياتِه الحلقةَ الأوسعَ في سعينا هذا.

أوّلاً– أصلُ تسميةِ “بني إسرائيل“، وذكرُهم في القرآن:  

البابُ الأوّلُ يتناولُ مكوّنَ بني إسرائيل قبلَ تناولِ مُصطلحِ اليهود، نظراً لأسبقيّةِ التواجدِ المكوّنِ الأوّلِ تاريخيّاً قبلَ الثاني، حيثُ لم تأتِ آيةٌ مِن آياتِ القرآنِ على ذكرِ اليهودِ في المواضعِ التي تمَّ فيها ذكرُ موسى عليه السّلام أو مَن سبقَه منَ الأنبياءِ جميعاً، أمّا بنو إسرائيلَ فقد رافقَ وجودُهم جميعَ الأنبياءِ الذينَ أعقبوا إسرائيلَ (يعقوب عليه السّلام) وصولاً إلى المسيحِ عليهِ السّلام كما سيمرُّ معنا لاحقاً.

وكذلكَ كانَ ورودُ ذكرِ يعقوبَ وبنيهِ في القرآنِ الكريمِ أكثرَ ممّا ذكرَ اليهودِ بأربعةِ أضعاف، وكذلكَ كانَ ذكرُ موسى عليهِ السّلام، نبيُّ بني إسرائيلَ ومخلّصُهم، الذي لم يذكُر القرآنُ نبيّاً بنصفِ ما جاءَ على ذكرِ موسى.  

إسرائيلُ كما هوَ معروفٌ، الإسمُ الثّاني ليعقوبَ عليهِ السّلام، ومِن هُنا أُطلقَ على أبنائِه “بنو إسرائيل“، وهُم الأسباطُ الإثنا عشر، وهُم: يوسف، وبنيامين، ولاوي، ويهودا (يهوذا)، ويساكر، وشمعون، ونفتالي، وجاد، ودان، ورؤبين، وزبولون، وأشير. ومعنى إسرائيلُ كما وردَ في المصادرِ العربيّةِ هوَ “صفوةُ الله” أو عبدُ الله، أمّا معناها الحرفيُّ كما جاء في العهدِ القديم، فهوَ الذي يصارعُ اللهَ، وأصلُها عندَهم (إسرا) يصارعُ و(إيل) بمعنى الإلهِ، لأنَّ كتبةَ العهدِ القديمِ منَ اليهودِ الذينَ ما قدّروا اللهَ حقّ قدرِه، زعموا أنَّ يعقوبَ تصارعَ معَ اللهِ جلّ وعلا، حتّى بلغَ منهُ الجهدُ، فأطلقَ اللهُ عليهِ هذا الإسم.  

مَن هو يعقوب (إسرائيل):   

هوَ إبنُ النبيّ إسحاق بنِ إبراهيم، كانَ على دينِ آبائِه، “حنيفاً مُسلماً“، ولم يكُن على دينِ اليهودِ، الذينَ ظهروا بعدَه بأكثرِ مِن أربعةِ أجيالٍ، هذا إن إفترضنا بأنَّ التوراةَ التي نزلَت على موسى هيَ شريعةُ اليهود، وبالتالي فالتوراةُ أنزلَت بعدَ يعقوب ولم يعهَدها أو يُعاصرها.  

لم يُذكَر أحدٌ في القرآنِ، لا منَ الأنبياءِ ولا منَ المُرسَلينَ ولا منَ الملائكةِ، كما ذُكرَ موسى، وكذلكَ بنو إسرائيلَ تكرَّرَ ذكرُهم في القرآنِ الكريمِ كما لم تتكرَّرَ قصّةٌ أخرى عنِ الأممِ الأولى، عنِ الأقوامِ الذينَ تلقَّوا الوحيَ واستمَعوا إليه، إمّا إستماعَ طاعةٍ أو استِماع مَعصِيةٍ، وقبلَ الانتقالِ إلى البابِ الثاني، الذي سيتناولُ المكوّنَ الثاني (اليهود) مِن جوانبَ عدّةٍ، تمهيداً للفصلِ الأهمِّ والأشدِّ خطورةً، والذي يستعرضُ الحديثَ عَن حقيقةِ العلاقةِ بينَ اليهودِ وموسى والتوراةِ _العهدِ القديم_. إذ هنالكَ آياتٌ منَ القرآنِ الكريمِ نلاحظُ مِن خلالِها أنَّ اللهَ عزَّ وجل يخاطبُ بني إسرائيلَ بصفتِهم أتباعَ رسالةٍ واضحةِ المعالمِ، منهم المطيعُ ومنهم العاصي على اعتبارِ ما تمّ فيها مِن ذكرِ حالاتٍ مختلفةٍ تعرّضَ لها بنو إسرائيل في مراحلَ تاريخيّةٍ متفرّقةٍ، منها ما يعودُ إلى عصرِ ما قبلَ موسى، وأخرى إلى عصرِ موسى، وأخرى أيضاً إلى زمانِ داود وسليمان، وهكذا وصولاً إلى اللحظةِ التي رُفعَ فيها المسيحُ عليهِ السّلام إلى السّماء، والتي كانَت الآيةَ التي تناولَت آخرَ ذكرٍ لبني إسرائيل، لتقتصرَ إشارةُ النصِّ القرآنيّ بعدَ هذهِ المرحلةِ التاريخيّةِ على اليهودِ فقط، طيلةَ المرحلةِ الزمنيّةِ التي فصلَت بينَ صعودِ المسيحِ وإقامةِ الرّسولِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله في المدينةِ المنوّرةِ ووفاته فيها. فمِن هذهِ الآياتِ ما يلي:  

يَا بَنِي إِسرَائِيلَ اذكُرُوا نِعمَتِيَ الَّتِي أَنعَمتُ عَلَيكُم ﴿٤٠ البقرة﴾  

وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ لَا تَعبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴿٨٣ البقرة﴾  

سَل بَنِي إِسرَائِيلَ كَم آتَينَاهُم مِن آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴿٢١١ البقرة﴾  

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسرَائِيلَ ﴿٩٣ آل عمران﴾  

حَرَّمَ إِسرَائِيلُ عَلَىٰ نَفسِهِ مِن قَبلِ أَن تُنَزَّلَ التَّورَاةُ ﴿٩٣ آل عمران﴾  

لَقَد أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَأَرسَلنَا إِلَيهِم رُسُلًا ﴿٧٠ المائدة﴾  

وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ اعبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم ﴿٧٢ المائدة﴾  

وَإِذ كَفَفتُ بَنِي إِسرَائِيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِالبَيِّنَاتِ ﴿١١٠ المائدة﴾  

قَد جِئتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكُم فَأَرسِل مَعِيَ بَنِي إِسرَائِيلَ ﴿١٠٥ الأعراف﴾  

وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ﴿١٣٧ الأعراف﴾  

قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَت بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ ﴿٩٠ يونس﴾  

وَآتَينَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسرَائِيلَ ﴿٢ الإسراء﴾  

وَقَضَينَا إِلَىٰ بَنِي إِسرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ ﴿٤ الإسراء﴾  

وَقُلنَا مِن بَعدِهِ لِبَنِي إِسرَائِيلَ اسكُنُوا الأَرضَ ﴿104 الإسراء﴾  

إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقتَ بَينَ بَنِي إِسرَائِيلَ ﴿94 طه﴾  

كَذَٰلِكَ وَأَورَثنَاهَا بَنِي إِسرَائِيلَ ﴿59 الشعراء﴾  

وَلَقَد آتَينَا بَنِي إِسرَائِيلَ الكِتَابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ ﴿16 الجاثية﴾  

فَآمَنَت طَائِفَةٌ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ وَكَفَرَت طَائِفَةٌ ﴿14 الصف﴾

آخرُ آيةٍ تناولَت ذكرَ بني إسرائيل، بحسبِ التسلسلِ التاريخيّ للأنبياءِ وقصصِهم في القرآنِ، _وليسَ حسبَ نزولِ الآياتِ_، هيَ التي وردَ فيها قوله تعالى: “فآمنَت طائفةٌ مِن بني إسرائيلَ وكفرَت طائفةٌ فأيّدنا الذينَ آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين” (14/الصفُّ)، حيثُ مثّلَت هذهِ الآيةُ حقبةً تاريخيّةً شهدَت صراعَ المكوّنينَ (بنو إسرائيلَ واليهود)، وهذا يشيرُ إلى إبتداء أو إستمرارِ مرحلةٍ تتمثّلُ باغتصابِ المكوّنِ الثاني للسلطةِ الدينيّة، وتحويلها كاملاً إلى دستورٍ فئويّ قبلي، فكانَ ذلكَ بمثابةِ إعلانِ إنتهاءِ سماويّةِ الشريعةِ الموسويّةِ بشكلٍ تام، واستبدالِها باليهوديّةِ الأرضيّة.  

الآيةُ المفصليّةُ في التفريقِ العقدي، والوجوديّ بينَ الإسرائيليّينَ واليهودِ تأتي في: “يا أيّها الذينَ آمنوا كونوا أنصاراً للهِ كما قالَ عيسى ابنُ مريم للحواريّينَ من أنصاري إلى اللهِ قالَ الحواريّونَ نحنُ أنصارُ اللهِ فآمنَت طائفةٌ من بني إسرائيلَ وكفرَت طائفةٌ فأيّدنا الذينَ آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرينَ“، وتفسيرُها مرتبطٌ زمنيّاً باللحظاتِ الأخيرةِ التي سبقَت، وشهدَت، رفعَ السيّدِ المسيحِ إلى السّماءِ، حينَ طلبَ مِن أتباعِه التمسّكَ بتعاليمِ الإيمانِ برسالتِه ومُناصرتِه، بحيثُ آمنَت بهِ مجموعةٌ “طائفةٌ” من نسلِ بني إسرائيل، وقالوا بأنَّ المسيحَ هوَ بشرٌ بالكاملِ، وعبدٌ مِن عبادِ الله، وقامَ اللهُ برفعِه إليه، وهؤلاءِ وهم “الحواريّونَ_ تلاميذُ المسيحِ وعددُهم اثنا عشرَ حسبما يستشفُّ مِن النصِّ القرآني، حولَ المُبشّرينَ الذينَ إنطلقوا إلى كافّةِ أرجاءِ المعمورةِ ينشرونَ الدينَ المسيحيَّ ودفعوا أرواحَهم ثمناً لذلك.  

أمّا الطائفةُ الثانيةُ، والتي وصفَها القرآنُ بِـ _التي كفرَت_ فقسمٌ قالَ بأنَّ المسيحَ هوَ الله، رفعَ نفسَه إلى السّماءِ، وقسمٌ قالَ بأنّهُ ابنُ اللهِ، وقامَ اللهُ برفعِه بعدَ أن صُلب. وهذهِ الطائفةُ هيَ التي أطلقَ عليها (النّصارى)، الذينَ قالوا “المسيحُ ابنُ الله“، وقالوا أيضاً “نحنُ أبناءُ اللهِ وأحبّاؤه“.  

ثانياً– “اليهودُ” في المصادرِ التوراتيّة والتاريخيّة:  

في العبريّةِ (هيتبعيل) – هيتياهيد، تهود – صارَ يهوديّاً وأيضاً: فعلُ يهد– هَوّد، أي جعلَه يهوديّاً، نستنتجُ أنَّ هذا المُصطلحَ لم يُشتقَّ من جذرِ فعلٍ مثلَ ما هو متوقّعٌ إنّما إشتُقَّ مِن إسمِ (يهودا). بمعنى آخر أنَّ هذِه الديانةَ تنسبُ إلى شخصٍ مثل الزردشتيّةِ أو البوذيّةِ، أو لمنهجٍ فكريّ أو فلسفيّ مثلَ الماركسيّةِ مثلاً، والإسمُ العلمُ هذا هوَ يهودا، أحدُ أبناءِ يعقوب والأسباطِ الإثني عشر.  

بالنسبةِ لليهوديّةِ تتّفقُ أغلبُ التعريفاتِ الإصطلاحيّةِ على نقاطٍ: أنّها إسمٌ يُطلقُ على دينٍ يعتنقُه بنو إسرائيل، ويعتقدونَ فيها بأنّها مُنزّلةٌ من السّماءِ على موسى وتلقّى الشريعةَ على جبلِ سيناء بعدَ خروجِه ببني إسرائيلَ من مصَر، تتمثّلُ في مجموعةِ العقائدِ والشرائعِ والطقوسِ وقواعدِ السلوكِ، تراكمَت على مدى آلافِ السنين، ولغويّاً أصلُ مصطلحِ “يهودي” وطريقةُ إستخدامِه في العهدِ القديمِ لا يُعرفُ إلّا منَ المصادرِ الدينيّةِ وخاصّةً منِ أسفارِ الكتابِ المُقدّسِ، وتشيرُ هذهِ المصادرُ، إلى أنَّ أصلَ لقبِ “يهودي” هو يهوذا بن يعقوب وأطلقَ أصلاً على أبناءِ السّبطِ الذي خرجَ منه، ثمَّ أطلقَ على سكّانِ مملكةِ يهوذا التي أسّسها أبناءُ السّبطِ مع أبناءِ بعضِ الأسباطِ الأصغرِ الذينَ أقاموا بجوارِه.  

في الوثائقِ التاريخيّةِ التوراتيّةِ تُذكرُ هذهِ المملكةُ باسمِ “بيتِ داود” نسبةً إلى سلالةِ الملكِ داود (النبي داود في الإسلامِ). وفي سفرِ الملوكِ الثاني ( 18،26 ) يذكرُ إسمُ “يهودية” كاسمِ اللهجةِ المحكيّةِ في مدينةِ أورشليم، منذُ السّبي البابلي سنةَ 587 ق.م، وأصبحَ لقبُ يهودي يشيرُ إلى كلِّ مَن خرجَ مِن مملكةِ يهودا وواصلَ إتّباعِ ديانتِها وتقاليدِها، وعليهِ يكونُ اليهود سلالةً وليسوا ديانةً كما قد يُعتَقدُ، وهُم الذينَ جعلوا مِن سبطِ “يهوذا“- سبطَ الملوكِ عندَ أبناءِ إسرائيل، أصلاً لهم، بدلاً عن الديانةِ التي نزلت في التوراةِ على النبيّ موسى عليهِ السلام، قبلَ داود وسليمان بما لا يقلُّ عن ثلاثةِ قرون، مِن خلالِ مقارنةِ الأحداثِ وحسابِ الأجيالِ بينَ المرحلتين، كما أنَّ اليهودَ، في توراتِهم الحاليّةِ، يعتبرونَ كلّاً منِ داوودَ وسليمانَ واللاحقينَ لهما عبارةً عَن ملوكٍ وليسوا أنبياء، باعتبارِ أنّ الشريعةَ اليهوديَّة اللاحقةَ، التي تطوّرَت منذُ القرنِ الثاني للميلادِ تعتبرُ كلَّ مَن ولدَ لأمِّ يهوديّةٍ يهوديّاً، وهذا الاعتبارُ لا يتأثّرُ مِن هويّةِ الأبِ أو أسلوبِ الحياةِ الذي يتّبعُه الإنسانُ، وبهذا تكونُ اليهوديّةُ ديناً مرتبطاً بعرقٍ– نسبٍ– أو ما نسمّيهِ اليومَ قوميّةً، وبالتّالي فهيَ ليسَت ديانةً تبشيريّةً كما هو سائدٌ في الدياناتِ السماويّةِ وغالبيّةِ الأديانِ الوضعيّةِ، بل تشترطُ رابطةَ الدم.  

ثالثاً– معنى اليهود في اللغةِ العربيّة:  

في بعضِ معاجمِ اللغةِ العربيّة جاءَ معنى كلمةُ “اليهود” أنّهم بنو إسرائيل، مِن قومِ موسى عليهِ السَّلام ويُطلقُ عليهم العبرانيّونَ، من نسلِ إبراهيمَ عليهِ السَّلام، عاشوا في مصرَ فترةً من الزَّمنِ إضطهدَهم فرعونُ، وأنقذَهم موسى، وهذا المعنى يخلطُ بينَ بني إسرائيل، وبينَ اليهودِ مِن جهةٍ أخرى كونِ ما جاءَ في معنى اليَهُود هوَ: قومٌ مِن أَصلٍ ساميّ .وقيلَ إِنَّهم سُمُّوا كذلكَ باسمِ يهوذا أحدِ أبناءِ يعقوب .

 

جاءَ في بعضِ التفاسيرِ: الهودُ: الرّجوعُ برفقٍ، ومنه: التهويدُ، وهوَ مشيٌ كالدبيبِ، وصارَ الهود في التعاريفِ التوبة. قالَ تعالى: ﴿إنّا هُدنا إليك﴾ [الأعراف/156] أي: تُبنا، قالَ بعضُهم: يهود في الأصلِ مِن قولِهم: هُدنا إليكَ، وكانَ إسمَ مدحٍ، ثمَّ صارَ بعدَ نسخِ شريعتِهم لازماً لهم وإن لم يكُن فيه معنى المدح، وتهوّدَ في مشيهِ: إذا مشى مشياً رفيقاً تشبيهاً باليهودِ في حركتِهم عندَ القراءة.  

وهذا التفسيرُ لا دخلَ له بما مررنا عليهِ سابقاً، حيثُ يخلطُ بينَ الهودِ واليهود، كما وأنّهُ بعيداً عن المعنى اللغوي المرتبطِ باليهود، فالمصدرُ العربي “هُدى” ومنهُ الفعلُ “هاد” أو “اهتدى” أو “هَدى” لا يقبلُ أن يكونَ إسمُ فاعلِه أو مفعولِه “يهودي” وإنّما “هادٍ” أو “مهتدٍ“، والجمعُ منهُ “هادون” أو مهتدون” وليسَ “اليهود“.  

رابعًا– اليهودُ في القرآنِ، وإقترانُ ذكرهم بالنّصارى:  

بالعودةِ إلى الآيةِ الكريمةِ التي تطرّقنا إليها في نهايةِ الفقرةِ السّابقة: “فآمنَت طائفةٌ مِن بني إسرائيل وكفرَت طائفةٌ فأيّدنا الذينَ آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين“. (14 / الصفُّ)، نستدلُّ أنّ مجموعَ مَن آمنَ بالسيّدِ المسيحِ ساعةَ رفعِه إلى السّماءِ، كما وردَ في تفسيرِ الآيةِ السّابقة، 12 شخصاً فقط، ثمَّ أخذَت الرّسالةُ المسيحيّةُ بالانتشارِ على يدِهم في بقاعِ العالمِ القديم.  

والملفتُ هو إجتماعُ اليهودِ مع النّصارى في غالبيّةِ الآياتِ القرآنيّةِ اللاحقةِ، وتبنّيهم نفسَ التوجّهاتِ الفكريّةِ والدينيّةِ كتلكَ التي تدّعي أنَّ اللهَ له ولدٌ، أو أنّهم (اليهودُ والنصارى) أبناءُ اللهِ وأحباؤه، أو عدمُ رضاهِم عن الرّسولِ إذا لم يتّبِع ملتَهم وغيرها منَ التوجّهاتِ، وقبلَ إستعراضِ آياتِ اليهودِ، نودُّ توضيحَ نقطةٍ، هيَ أنَّ اللهَ تعالى يخاطبُ اليهودَ في جميعِ تلكَ الآياتِ بصفتِهم عصاةً وكفّاراً فقط، بخلافِ خطابِه لبني إسرائيل، الذينَ بيّنَ اللهُ تعالى في الكثيرِ منَ الآياتِ تفضيلِهم على عالمي زمانِهم، وتحليلِ الطيباتِ لهم، وعدمِ تعميمِ الأحكامِ عليهم، وكانَ اللهُ تعالى يضربُ للمسلمينَ الأمثلة مِن بني إسرائيلَ، في الطاعةِ والمعصيةِ على حدٍّ سواء. وثماني آياتٍ ذُكرَ بها اليهودُ في القرآنِ الكريم، منها سبعةٌ مقترنةٌ بالنّصارى:  

1. وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيسَتِ اليَهُودُ عَلَى شيء ﴿١١٣ البقرة﴾، توضّحُ هذهِ الآيةُ مدى النظرةِ الدونيّةِ التي ينظرُ بها كلٌّ منَ اليهودِ والنّصارى بعضُهم لبعضٍ، فاليهودُ لا يعترفونَ بوجودِ شريعةٍ ذاتِ قيمةٍ عندَ النّصارى، والعكسُ كذلك.  

2. وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم ﴿١٢٠ البقرة﴾  

3. وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحنُ أَبنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُل فَلِمَ يُعَذِّبُكُم ﴿١٨ المائدة﴾  

4. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ﴿٥١ المائدة﴾،  

5. وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴿٦٤ المائدة﴾، في هذه الآيةِ ينعتُ اليهودَ ربّ العالمين بالبخل، فألقى عليهم لعنته، كما نشرَ بينهم العداوة والبغضاءَ إلى يوم القيامة.  

6. لتجدنّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمنوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَستَكبِرُونَ ﴿٨٢ المائدة﴾، هذه هي الآية الوحيدة تفرّق بشكل واضح بين اليهود والنصارى في تعاملهم مع المؤمنين.  

7. وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللَّهِ ﴿٣٠ التوبة﴾  

8. مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ ﴿٦٧ آل عمران﴾، حقيقةً، إنَّ هذهِ الآيةَ الكريمةَ، وعلى الرّغمِ مِن ذكرِها المُتكرّرِ في مناسباتٍ عدّة، إلّا أنّنا نعتبرُها مِن أشدِّ الآياتِ وضوحاً على أنَّ اليهودية لا تمتُّ بصلةٍ لدينٍ سماوي، والنصرانيّةُ بالطبعِ، أمّا آيةُ “وَآتَينَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسرَائِيلَ ﴿٢ الإسراء﴾، فلا يوجدُ فيها ما يشيرُ لليهودِ أو اليهوديّة، كونَها توضّحُ أن الكتابَ الذي آتاهُ اللهُ لموسى (التوراة) لم يكُن لطائفةٍ إسمُها اليهودُ أو لديانةٍ إسمُها اليهوديّة، بل هدىً لـ “بني إسرائيل” وليسَ لمجموعةٍ أخرى.  

هل اليهوديّةُ هي ديانةُ بني إسرائيلَ السماويّة؟  

من خلالِ إجراءِ مقارنةٍ بسيطةٍ بينَ الآياتِ التي ذُكرَ فيها بنو إسرائيلَ والآياتِ التي جاءَت على ذكرِ اليهود، نلاحظُ أنَّ اللهَ طلبَ منَ الرّسولِ محمّدٍ عليهِ الصّلاة والسّلام، وأتباعِه في عددٍ منَ الآياتِ التي جاءَت على ذكرِ موسى عليهِ السّلام وبني إسرائيلَ بأن يحذوا حذوَهم في طاعةِ الله، وأيضاً أن يجتنبوا المعاصي التي إرتكبها بنو إسرائيل.

أمّا اليهودُ، فليسَ مِن آياتٍ تدلُّ على طاعتِهم للهِ، بل وجاءَت إحدى الآياتِ لتضعَ اليهودَ في مرتبةٍ أشدَّ كُفراً وإيلاماً وعداوةً للمسلمينَ مِن باقي الدياناتِ والمللِ، وجاءَ ذلكَ واضحاً في قولِه عزَّ وجل: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَستَكبِرُونَ” (82/المائدة). فجاءَ ذكرُ اليهودِ قبلَ المُشركين.  

لو كانَت اليهوديّةُ ديناً سماوياً –كما هوَ سائدٌ– أو أن يكونَ قسمٌ مِن مُعتنقيها منَ المؤمنينَ بوحدانيّةِ اللهِ وبما أنزلَ على موسى منَ الكتابِ، فهل منَ المعقولِ أن يلعنَ اللهُ جميعَ اليهودِ على الإطلاقِ ودونَ استثناءِ أحدٍ منهم؟ قالَ جلَّ وعلا: “وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا” (64/ المائدةُ)، على عكسِ الحالةِ في ذكرِه لمعصيةِ بني إسرائيل، حيثُ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ اللعنةَ على الذينَ كفروا مِن بني إسرائيل، ولم يشملهم جميعاً، وذلكَ دليلٌ على رساليّةِ بني إسرائيل، رغمَ وجودِ عصاٍة بينهم، كما يردُ في سورةِ المائدة أيضاً الآية 78: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ“، ولعلَّ المعنى يشيرُ إلى فئةِ اليهودِ في ذكرِ الذينَ كفروا من بني إسرائيل، خاصّةً وأنَّ ظهورَ اليهوديّةِ كانَ متزامناً معَ قيامِ مملكةِ داوودَ وذريّته، ما جعلَهم ملعونينَ عندَ داوود في (الزّبور)، وعندَ عيسى (في الإنجيل) فلو تتبّعنا تراتبَ الآياتِ الكريمةِ من 78 وحتّى 82 منَ المائدةِ، فسنجدُ: “لُعن الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ (80) وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنهُم فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَستَكبِرُونَ (82)، وهُنا تكملُ الآية82 الآياتَ الأربعَ سابقاتها، لتُطلقَ على أولئكَ “الذينَ كفروا مِن بني إسرائيل” تسميةَ “اليهود“، ما يعني بأنّهم لا يدينونَ بدينِ بني إسرائيلَ الذي أنزلَه اللهُ على نبيّهِ موسى عليه السّلام.  

ختاماً: على افتراضِ أنّنا توصّلنا إلى فكرةِ فكِّ الارتباطِ ما بينَ (الديانةِ اليهوديّة) وبني إسرائيل، وأيضاً ما بينَ توراةِ موسى واليهود، وكذلكَ ما بينَ اليهوديّةِ والدياناتِ السماويّةِ والتوحيديّةِ، فما إسمُ الديانةِ التي نزلَت على موسى والتي إعتنقها بنو إسرائيلَ قبلَ وبعدَ التوراة؟ الجوابُ حسبَ النصِّ القرآني: “إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ“.  

والإسلامُ هو ليسَ فقط الذي نزلَ على محمّدٍ، بل ما نزلَ على جميعِ الأنبياءِ والرّسلِ، حسبَ إشارةِ القرآنِ إلى ذلكَ في قولِه تعالى: “إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُون” (البقرة/133).

ودمتُم سالِمين.