هل أنَّ الإمامةَ تُعطى بالامتحانِ والابتلاءِ وإذا كانَت كذلكَ ما هيَ الابتلاءاتُ التي واجهَها أئمّةُ أهلِ البيت؟

كانَ لديَّ استفسار الآيةُ الإبراهيميّةُ إمامةُ إبراهيم أُعطيَت بالابتلاءِ، هل هذا يعني أنَّ الإمامةَ تُعطى بالامتحانِ والابتلاءِ وإذا كانَت كذلكَ ما هيَ الابتلاءاتُ التي واجهَها أئمّةُ أهلِ البيت؟ و شكراً

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:   

منَ الواضحِ أنَّ التدرّجَ في مدارجِ الكمالِ لا يكونُ للإنسانِ إلّا عبرَ الامتحانِ والابتلاء، ومِن هُنا فإنَّ الابتلاءَ هوَ سنّةُ اللهِ الماضيةُ في جميعِ خلقِه، ولم يستثنِ اللهُ الأنبياءَ والأوصياءَ مِن هذهِ السنّةِ، ومعَ ذلكَ فإنَّ الابتلاءَ يختلفُ مِن إنسانٍ إلى آخر بحسبِ ما عليهِ مِن درجةٍ وجوديّةٍ، قالَ تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خَلَائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبلُوَكُم فِي مَا آتَاكُم ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقد أكّدَت الآيةُ على وجودِ تباينٍ في الدّرجاتِ، وعليهِ يصيبُ البلاءُ كلّاً بحسبِ درجتِه ومكانتِه، وبما أنَّ الأنبياءَ والأوصياءَ في قمّةِ تلكَ الدّرجاتِ لِما خصَّهم اللهُ بهِ مِن منزلةٍ جعلَتهم وسائطَ بينَه وبينَ خلقِه، لابدَّ حينَها أن يكونَ بلاؤهم مِن أجلِ إظهارِ جمالِ صُنعِ اللهِ وسبباً في استحقاقِ كمالِ اللهِ لهم؛ وذلكَ لأنَّ البلاءَ بطبعِه يعملُ على كشفِ مخبرِ الإنسانِ وجوهرِه، فمثلاً موقفُ الإمامِ الحُسين (عليهِ السّلام) في كربلاء كشفَ لنا ما عليهِ الحسينُ مِن عظمةٍ وكمال، وكذلكَ ابتلاءُ أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) بأهلِ السّقيفةِ وما جرى عليهِ مِن محنٍ ومصائبَ كانَ سبباً لمعرفةِ قدرِه ومنزلتِه، وعليهِ فإنَّ البلاءَ الذي يصيبُ الأنبياءَ والأوصياءَ يأتي كمقدّمةٍ لبيانِ ما عليهِ حالهم منَ الرّفعةِ والشّأن، فعندَما إبتلى اللهُ إبراهيمَ بكلماتٍ وأتمهنَّ كشفَ اللهُ لنا ما نالهُ إبراهيمُ مِن درجةٍ، قالَ تعالى: (وَإِذِ ابتَلَىٰ إِبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) فاستحقاقُ إبراهيمَ للإمامةِ أو بيانُ ما لإبراهيمَ مِن منزلةٍ أتى كنتيجةٍ طبيعيٍّة لهذا الإبتلاءِ، ومعَ أنَّ الآيةَ لم تكشِف حقيقةَ ذلكَ الابتلاءِ ولم تُبيّن لنا معنى تلكَ الآياتِ التي أتمّها إبراهيم، إلّا أنّها تؤكّدُ على أنَّ تلكَ الكلماتِ كانَت ثقيلةً بحيثُ لا يتحمّلها إلّا مَن وصلَ إلى درجةِ إبراهيمَ (عليه السّلام)، وعليهِ ليسَ بالضّرورةِ أن نقفَ على نوعِ البلاءِ الذي يختبرُ بهِ اللهُ الأنبياءَ والأوصياء، وليسَ بالضّرورةِ أن نتعرّفَ على نوعِ البلاءِ الذي يستوجبُ درجةَ الإمامةِ، لأنَّ كلَّ ذلكَ علمُه عندَ اللهِ وهوَ وحدُه يعرفُ ما يبتلي بهِ أولياءه.