كيف بدأت الخليقة ؟ و ما هو دليلكم على ذلك ؟ و مَن هنّ زوجات أبناء نبي الله آدم عليه السلام و ما أسماؤهن ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

يبدو أنَّ قصدَ السّائلِ ببدايةِ الخليقةِ هوَ بدايةُ البشريّة، أي كيفَ تمَّ التناسلُ مِن آدمَ (عليه السّلام)؟ والذي يؤكّدُ ذلكَ سؤالهُ الثاني عَن زوجاتِ أبناءِ آدم (عليه السّلام)، وبذلكَ يشيرُ السائلُ إلى إشكاليّةِ زواجِ الأخِ مِن أختِه بحسبِ بعضِ الأقوال.   

فهناكَ قولانِ في كيفيّةِ التناسلِ مِن آدم (عليهِ السلام)  

الأوّلُ: وهوَ تزويجُ الأخِ لأختِه، فقد كانَ حلالاً في أوّلِ الخليقةِ ثمَّ حُرّمَ فيما بعد.  

الثاني: أنَّ اللهَ سبحانَه خلقَ للبنينِ بناتٍ ليتمَّ التزاوجُ بينَهما.  

فبينَما يميلُ أهلُ السنّةِ إلى الخيارِ الأوّلِ نجدُ أنَّ شيعةَ أهلِ البيتِ يميلونَ للخيارِ الثاني، ويعودُ هذا التباينُ للاختلافِ في الرّواياتِ حيثُ نجدُ بعضَها يؤيّدُ الخيارَ الأوّلَ والبعضُ الآخرُ يؤيّدُ الخيارَ الثاني، ولحسمِ هذا الاختلافِ لابدَّ منَ الترجيحِ بينَ هذهِ الرّواياتِ إمّا بحسبِ أسانيدها أو بحسبِ مدلولِها ومحاكمتِها بحسبِ القواعدِ الدينيّةِ والعقليّة.  

منَ الواضحِ أنَّ الرّواياتِ التي تدعمُ الخيارَ الثاني هيَ رواياتٌ شيعيّة، وما جاءَ في مصادرِ الشيعةِ مِن مرويّاتٍ تخالفُ ذلكَ تمَّ حملها على التقيّةِ لمُخالفتِها لأكثرِ الرّواياتِ المانعةِ ولموافقتِها لمرويّاتِ المُخالفينَ، مُضافاً إلى أنَّ الرّواياتِ التي منعَت زواجَ الأخِ مِن أختِه جاءَت مُعلّلةً بما يتوافقُ مع منطقِ العقلِ والفطرة، فالأحكامُ الشرعيّة تابعةٌ للمصالحِ والمفاسد الواقعيّةِ وليسَت مجرّدَ أحكامٍ اعتباريّة، فكلُّ ما كانَ مصلحةً في عينِ الواقع ينبغي فعله، وكلُّ ما كانَ مفسدةً في عينِ الواقعِ ينبغي تركُه، وعليه لا يكونُ زواجُ الأخِ مِن أختِه حراماً أبديّاً في كلِّ الشرائعِ الإلهيّة ما لم يكُن ذلكَ مفسدةً واقعيّةً يستقبحُها العقلُ وتنفرُ مِنها الطباعُ السّليمة، وبذلكَ لا يمكنُ تعليلُ تحليلِه في فترةٍ منَ الأوقاتِ طالما كانَت مفسدتُه واقعيّةً، فماهيّةُ الأشياءِ ثابتةٌ لا تتغيّر فلو كانَ ذلكَ في عينِ الواقعِ صالحاً لا يمكنُ أن يصبحَ فاسداً والعكسُ صحيحٌ، فعندَما منعَت الشرائعُ زواجَ الأخِ مِن أختِه إنّما منعَته لخصوصيّةٍ ومفسدةٍ واقعيّةٍ وهيَ بذلكَ ثابتةٌ ودائمة لا يصيبُها التبدّلُ والتغيّر.

ومنَ المناسبِ هُنا إيرادُ روايةِ الإمامِ الصّادق (عليه السّلام) ففيها إجابةٌ على كِلا السّؤالين، فقد جاءَ في عللِ الصّدوقِ عن زرارةَ يقولُ سُئلَ أبو عبدِ اللهِ عليه السَّلام عن بدءِ النسلِ مِن آدمَ كيفَ كان وعن بدءِ النسلِ عَن ذريّةِ آدمَ فإنَّ أناساً عندَنا يقولونَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أوحى إلى آدم أن يزوّجَ بناتِه ببنيه وأنَّ هذا الخلقَ كلَّه أصله منَ الأخوةِ والأخوات؟ فقالَ أبو عبدِ اللهِ عليه السَّلام: تعالى اللهُ عن ذلكَ علوّاً كبيراً يقولُ مَن قالَ هذا بأنَّ اللهَ عزَّ وجل خلقَ صفوةَ خلقِه وأحبّائه وأنبيائه ورسله والمؤمنينَ والمؤمنات والمُسلمينَ والمُسلمات مِن حرامٍ ولم يكُن لهُ منَ القُدرةِ ما يخلقُهم مِن حلالٍ وقد أخذَ ميثاقَهم على الحلالِ الطّهرِ الطاهرِ الطيّب، فواللهِ لقد تبيّنتُ أنَّ بعضَ البهائمِ تنكّرَت لهُ أختُه فلمّا نزا عليها ونزلَ كُشفَ لهُ عنها فلمّا علمَ أنّها أختُه أخرجَ عزموله ثمَّ قبضَ عليه بأسنانِه حتّى قطعَه فخرَّ ميتاً، وآخرُ تنكّرَت لهُ أمُّه ففعلَ هذا بعينِه فكيفَ الإنسانُ في إنسيّتِه وفضلِه وعلمِه، غيرَ أنَّ جيلاً مِن هذا الخلقِ الذي ترونَ رغبوا عَن علمِ أهلِ بيوتاتِ أنبيائِهم وأخذوا مِن حيثُ لم يُؤمَروا بأخذِه فصاروا إلى ما قد ترونَ منَ الضّلالِ والجهلِ بالعلم، كيفَ كانَت الأشياءُ الماضيةُ مِن بدءِ أن خلقَ اللهُ ما خلقَ وما هوَ كائنٌ أبداً، ثمَّ قالَ ويح هؤلاءِ أينَ هُم عمّا لم يختلِف فيهِ فقهاءُ أهلِ الحجازِ ولا فقهاءُ أهلِ العراقِ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمرَ القلمَ فجرى على اللوحِ المحفوظِ بما هوَ كائنٌ إلى يومِ القيامةِ قبلَ خلقِ آدمَ بألفي عام وإنَّ كُتبَ اللهِ كلّها فيما جرى فيهِ القلمُ في كلّها تحريمُ الأخواتِ على الأخوةِ معَ ما حرّمَ وهذا نحنُ قد نرى منها هذهِ الكُتبَ الأربعة المشهورةَ في هذا العالم: التوراة والإنجيل والزّبور والفُرقان، أنزلَها اللهُ عن اللوحِ المحفوظ ِعن رسلِه صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، منها التوراةُ على موسى (عليهِ السَّلام) والزّبورُ على داودَ (عليه السَّلام) والإنجيلُ على عيسى (عليه السَّلام) والقرآنُ على محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم وعلى النبيّينَ عليهم السَّلام، وليسَ فيها تحليلُ شيءٍ مِن ذلك، حقّاً أقولُ ما أرادَ مَن يقولُ هذا وشبهَه إلّا تقويةَ حُججِ المجوسِ فما لهم قاتلَهم اللهُ، ثمَّ أنشأ يحدّثُنا كيفَ كانَ بدءُ النّسلِ مِن آدمَ وكيفَ كانَ بدءُ النّسلِ منَ الذريّة، فقالَ: إنَّ آدمَ عليه السَّلام ولدَ لهُ سبعونَ بطناً في كلِّ بطنٍ غلامٌ وجاريةٌ إلى أن قُتلَ هابيل، فلمّا قتلَ قابيلُ هابيل جزعَ آدمُ على هابيلَ جزعاً قطعَه عن إتيانِ النّساءِ فبقيَ لا يستطيعُ أن يغشى حوّاءَ خمسمائةَ عامٍ ثمَّ تخلّى ما بهِ منَ الجزعِ عليه فغشيَ حوّاءَ فوهبَ اللهُ لهُ شيث وحدَه ليسَ معهُ ثان، وإسمُ شيث (هبةُ الله) وهوَ أوّلُ مَن أوصى إليه منَ الآدميّينَ في الأرضِ، ثمَّ وُلدَ لهُ مِن بعدِ شيث يافِث ليسَ معهُ ثان فلمّا أدركا وأرادَ اللهُ عزَّ وجل أن يبلغَ بالنّسلِ ما ترونَ وأن يكونَ ما قد جرى بهِ القلمُ مِن تحريمِ ما حرّمَ اللهُ عزَّ وجل منَ الأخواتِ على الأخوةِ أنزلَ بعدَ العصرِ في يومِ الخميسِ حوراءَ منَ الجنّةِ إسمُها ( نزلة ) فأمرَ اللهُ عزَّ وجل آدمَ أن يزوّجَها مِن شيث فزوّجَها منه، ثمَّ أنزلَ بعدَ العصرِ حوراءَ منَ الجنّةِ إسمُها ( منزلة ) فأمرَ اللهُ تعالى آدمَ أن يزوّجَها مِن يافِث فزوّجَها منهُ فولدَ لشيث غلامٌ وولدَت ليافث جاريةً فأمرَ اللهُ عزَّ وجلَ آدمَ حينَ أدركا أن يزوّجَ بنتَ يافث مِن ابنِ شيث ففعلَ فولدَ الصّفوةُ منَ النبيّينَ والمُرسلينَ مِن نسلِهما ومعاذَ اللهُ أن يكونَ ذلكَ على ما قالوا منَ الأخوةِ والأخوات.