هل البكاءَ واللطمَ على الحُسينِ (ع) بدعةٌ ؟

هناكَ مَن يدّعي أنَّ البكاءَ واللطمَ على الحُسينِ بدعةٌ (والعياذُ باللهِ منَ البدع) وعندَما نلعنُ قاتليه يقولونَ لنا لا تلعنوا أنفسَكم فأنتُم مَن قتلَ الحُسين، فهل هذا صحيح؟ أرجو الردَّ مع َعلمي البسيطِ بأنَّ شيعةَ أبي سفيان هُم مَن قتلَه وليسَ شيعة أميرِ المؤمنين.. أرجو الردَّ إخوتي معَ تحيّاتي.  

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

منَ الجيّدِ الاستفادةُ مِن هذا السّؤالِ لتوضيحٍ مُختصرٍ لمعنى البدعة، وكيفَ يمكنُ أن نحكمَ على فعلٍ بأنّهُ بدعةٌ أم لا؟ فقد جاءَ في تعريفِ البدعة لغةً بأنّها: (إنشاءُ الشيء لا على مثالٍ سابق، واختراعُه وابتكارُه بعدَ أن لم يكن) (صحاحُ اللغة، الجوهري، ج3، ص113)، ومنَ الواضحِ أنَّ المعنى اللغويَّ للبدعةِ أعمُّ منَ البدعةِ في الدّينِ وغيرِ الدّين، فإذا كانَت البدعةُ في الدينِ مُحرّمةً فإنَّ البدعةَ في أمورِ الحياةِ مطلوبةٌ لأنّها مُرافقةٌ للتطوّرِ والتقدّم. ومِن هنا كانَ هناكَ تعريفٌ خاصٌّ للبدعةِ له علاقةٌ بالابتداعِ في الدّين أو ما يقالُ عنه التعريفُ في الاصطلاحِ الشرعي، قالَ الرّاغبُ الأصفهاني: (والبدعةُ في المذهبِ: إيرادُ قولٍ لم يستنَّ قائلها وفاعلها فيه بصاحبِ الشريعِة وأماثلِها المتقدّمةِ وأصولِها المُتقنة) (مفرداتُ ألفاظِ القرآنِ للرّاغبِ الأصفهاني، ص 39)، ويقولُ: ابنُ حجرٍ العسقلاني: (والمُحدَثاتُ بفتحِ الدالِ جمعُ مُحدَثَةٍ، والمرادُ بها: ما أُحدثَ وليسَ لهُ أصلٌ في الشرعِ ويُسمّى في عُرفِ الشرعِ بدعةً، وما كانَ لهُ أصلٌ يدلُّ عليهِ الشرعُ فليسَ ببدعة) ( فتحُ الباري، ج 13، ص 212)، ويعرّفُه السيّدُ المُرتضى بقولِه: (البدعةُ زيادةٌ في الدينِ أو نقصانٌ منه) (رسائلُ الشريفِ المُرتضي، ج 2، ص 264)، ويقولُ الطريحي البدعةُ: (الحدثُ في الدينِ، وما ليسَ له أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة، وإنّما سُمّيَت بدعةً؛ لأنّ قائلَها ابتدعَها هوَ نفسُه) (مجمعُ البحرين، ج 1، ص 163)  

ومِن خلالِ التعاريفِ السابقةِ وغيرِها منَ التعريفاتِ التي حصرَت البدعةَ في إدخالِ ما ليسَ منَ الدينِ في الدين يمكنُنا أن نُحدّدَ أركانَ البدعة في:  

1 ـ أن تستهدفَ البدعةُ التصرّفَ في الدّينِ بالزّيادةِ أو النقصانِ ونسبة ذلكَ للهِ وإلى رسولِه (ص).  

 2 ـ يشترطُ في البدعةِ ألّا يكونَ لها أصلٌ في الكتابِ والسنّةِ على نحوٍ عامٍّ أو خاص.  

ويبدو أنَّ عدمَ التمييزِ بينَ الأحكامِ والموضوعاتِ أوجدَ لبساً في تحديدِ البدعة، فبينَما نجدُ أنَّ تحديدَ الأحكامِ مِن مُهمّةِ الشارعِ نجدُ أنَّ تحديدَ موضوعاتِ الأحكامِ مِن مهامِّ المُكلّف، والمصدرُ الطبيعيُّ لمعرفةِ الأحكامِ هو القرآنُ والسنّةُ وعمومُ الأدلّةِ الشرعيّة، والأحكامُ في الإسلامِ إمّا أن تكونَ أحكاماً خاصّةً لها موضوعاتٌ شرعيّةٌ مثلَ الصيامِ والصّلاةِ وإمّا أحكاماً عامّةً موضوعاتُها عُرفيّةٌ مثلَ إقامةِ العدلِ وإحياءِ شعائرِ الله وغيرِ ذلك، وإقامةُ العزاءِ والحزنِ على العُظماءِ منَ الموضوعاتِ العامّةِ التي يقومُ بتحديدِها العقلاءُ، وإطلاقاتُ الشارعِ مِن جوازِ الحُزنِ واستحبابُ إحياءِ أيّامِ اللهِ هيَ المساحةُ التي يتحرّكُ تحتَها عملُ العقلاء، وبالتالي ما لم يكُن هناكَ تدخّلٌ منَ الشارعِ في تحريمِ موضوعٍ مُعيّنٍ يكونُ أصلُ الإباحةِ هوَ الحاكمُ في عمومِ الموضوعاتِ العُرفيّة.  

وعليهِ يمكنُنا القولُ أنَّ حقيقةَ البدعةِ هيَ الزيادةُ أو النقصاُن في الدّينِ بقصدِ الافتراء على اللهِ ما لم يكُن هناكَ دليلٌ عامٌّ أو خاصٌّ في المسألة، ونقصدُ بالدّليلِ الخاصِّ هوَ ورودُ النصِّ الشرعي مِن قرآنٍ أو سنّةٍ بخصوصِ الموردِ مثلَ الاحتفالِ بعيدِ الفطرِ والأضحيةِ واجتماعِ الناسِ في عرفة، أمّا الدّليلُ العامُّ يُستفادُ مِن عمومِ أدلّةِ الشرعِ وإطلاقاتِه مثلَ قولِه تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة وَ مِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُم الأنفال) فالآيةُ لم تُحدِّد أنواعَ القوّةِ المقصودة وإنّما أوكلَت ذلكَ إلى العُرفِ وبحسبِ الظروفِ الزمانيّة. وكذلكَ قوله تعالى: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَ أَنصِتُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُون) حيثُ تشملُ الآيةُ استحبابَ الاستماعِ إلى القرآنِ حتّى لو كانَ ذلكَ عبرَ المذياعِ والتلفازِ سواءٌ كانَ مُباشراً أو مُسجّلاً، وعليهِ فإنَّ القاعدةَ الكُلّيّةَ في مثلِ هذهِ المواردِ هوَ أن لا تكونَ الموضوعاتُ العُرفيّةُ مُخالفةً لحُكمٍ عامٍّ أقرّتهُ الشريعةُ، وعليهِ فإنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحةُ ما لم يكُن هناكَ نهيٌ خاصٌّ قالَ تعالى: (وَما لَكُم أَلاَّ تَأكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ وَ قَد فَصَّلَ لَكُم ما حَرَّمَ عَلَيكُم إِلاَّ مَا اضطُرِرتُم إِلَيهِ وَ إِنَّ كَثيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهوائِهِم بِغَيرِ عِلمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِالمُعتَدين) فقد بيّنَت الآيةُ المُحرّماتِ دونَ التطرّقِ للمُباحاتِ لكونِها تجري مجرى قاعدةِ أصالةِ الإباحة. وإذا ثبتَ كونُ البكاءِ وإظهارِ الحزنِ منَ العناوينِ العامّةِ التي أباحَها الشارعُ، يثبتُ أنَّ القيامَ بما يُحقّقُ العنوانَ جائزٌ شرعاً وليسَ فيهِ بدعة.

وعليهِ فإنَّ ما يقومُ بهِ الشيعةُ منَ العزاءِ واللطمِ ليسَ إلّا تعبيراً عُرفيّاً عن الحزنِ والجزعِ على ما أصابَ الإمامَ الحُسينَ (عليه السّلام) والحزنُ على الإمامِ الحُسينِ مطلوبٌ شرعاً بحسبِ النصوصِ الكثيرةِ التي أمرَت بذلك، أمّا كيفيّةُ الحُزنِ فهوَ أمرٌ عُرفيٌّ طالما لم يتدخَّل الشارعُ في تحديدِ كيفيّةٍ مُعيّنةٍ لإظهارِ الحُزن، وهُنا لابدَّ منَ التفريقِ بينَ أمرين، الأوّلُ: وهوَ الحزن، والثاني: كيفيّةُ الحُزنِ، فبينَما الأوّلُ مأمورٌ بهِ شرعاً فلا تشمله البدعة، أمّا الثاني فبما أنّهُ غيرُ مُحدّدٍ في الشرعِ فيصبحُ خاضعاً لتحديدِ العُرف، وعليهِ لا يجوزُ نسبةُ ما يتواضعُ عليهِ العُرفُ للشارعِ فيكونُ بدعةً؛ لأنَّ الشارعَ لم يأمُر بكيفيّةٍ مُعيّنةٍ وإنّما أوكلَ ذلكَ للعُرفِ، وعليهِ فإنَّ اللطمَ لا يكونُ بدعةً طالما لم ننسِبه للهِ وللرّسولِ، أي أنَّ الذي يلطمُ لا يقولُ أنَّ اللهَ أمرني بهذهِ الكيفيّة، وبذلكَ يخرجُ اللطمُ عن عنوانِ البدعةِ تخصُّصاً وليسَ تخصيصاً طالما لم يتمَّ نسبتُه للهِ وللرّسول.   

أمّا كونُ الشيعةِ هُم الذينَ قتلوا الإمامَ الحُسينَ (عليه السّلام) فقد أجَبنا عَن ذلكَ بشكلٍ مُفصّلٍ في هذا المركزِ فراجِع.