هل اصحاب الحسين ع أصبحوا خيرَ الأصحابِ لأنّهم نصروا الإمامَ ع أم كانَت أعمالُهم العباديّةُ لها الدورُ في ذلك ؟

قالَ الإمامُ الحُسين عليه السّلام: أمّا بعد: فإني لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي. السّؤال... هل أصبحوا خيرَ الأصحابِ لأنّهم نصروا الإمامَ الحُسينَ عليه السّلام أم كانَت أعمالُهم العباديّةُ لها الدورُ في ذلك ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

منَ المؤكّدِ أنَّ أصحابَ الحُسينِ كانوا خيرَ الأصحابِ، حتّى لو لم يصِلنا ما قالهُ الإمامُ الحُسين (عليه السلام) في حقِّهم، فمُجرّدُ الوقوفِ على أحداثِ عاشوراء وما صاحبَها مِن ابتلاءاتٍ تقودُنا للجزمِ بأنَّ الصّفوةَ هُم وحدُهم مَن يجتازُ هذا الابتلاءَ، فقد كانَ إيمانُهم بالحُسينِ وإخلاصُهم له هوَ الذي جعلَهم يتدافعونَ للموتِ بينَ يديه، وهذا الموقفُ يكشفُ عن مجموعةٍ منَ الصّفاتِ التي أهّلتهم لتحمّلِ هذه المسؤوليّةِ العظيمة، فمعَ أنَّ العبادةَ مِن أهمِّ الصّفاتِ وأعظمِ الدّرجات التي ينالها المؤمنُ إلّا أنَّ العبادةَ لها حقيقةٌ كما لها مظهر، فالذينَ فضّلوا إتمامَ الحجِّ على الخروجِ معَ الحُسين أو الذينَ تحجّجوا بإقامةِ الصّلاةِ في مسجدِ رسولِ الله لم يُدركوا منَ العبادةِ إلّا المظهر، بينما أصحابُ الحُسينِ (عليه السّلام) عرفوا أنَّ حقيقةَ العبادةِ هيَ العروجُ بالإنسانِ إلى مقامِ التسليمِ لأولياءِ اللهِ فبها تمامُ الصّلاةِ والحجِّ، يقولُ الإمامُ الصّادق (عليه السّلام): (بالإمامِ تمامُ الصّلاةِ والزّكاةِ والصّيامِ والحجِّ والجهاد) وقد اختارَ أصحابُ الحُسينِ (عليهِ السلام) الموتَ معَ الحُسين منذُ يومِ الترويةِ في مكّةَ عندَما خطبَ الحُسينُ في الحجيجِ بقوله: (خُطَّ الموتُ على‏ ولدِ آدمَ مخطَّ القلادةِ على‏ جيدِ الفتاة، وما أولهني إلى‏ أسلافي اشتياقُ يعقوبَ إلى‏ يوسف، وخيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعُها ذئابُ الفلواتِ بينَ النواويسِ وكربلاء.. إلى أن يقول: مَن كانَ باذلاً فينا مُهجتَه، وموطّناً على‏ لقاءِ اللهِ نفسَه، فليرحَل معنا؛ فإنّي راحلٌ مُصبحاً إن شاءَ الله (بحارُ الأنوار ج 44 ص 366).  

وعليه فقد مضوا مع الحسينِ وهُم يعلمونَ بالمصيرِ الذي ينتظرُهم، وقد كانَ الإمامُ الحُسين (عليه السلام) يذكّرُهم بذلكَ كلَّ حينٍ ويستسمحُ كلَّ مَن يريدُ الانسحابَ منهم إلّا أنّهم اختاروا الموتَ دونَه، فعن الإمامِ زينِ العابدين (عليه السّلام) أنّهُ قال: (لمّا كانَت الليلةُ التي قُتلَ فيها الحُسينُ (عليه السّلام) في صبيحتِها قامَ في أصحابِه فقالَ (عليه السّلام): إنَّ هؤلاءِ يريدونَني دونَكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنّجاء النجاء، وأنتُم في حلٍّ فإنّكم إن أصبحتُم معي قُتلتُم كلّكم. فقالوا: لا نخذلُك، ولا نختارُ العيشَ بعدَك. فقالَ عليهِ السّلام: إنّكم تُقتلونَ كلّكم حتّى لا يفلتَ منكم واحد). (كلماتُ الإمامِ الحُسين ج1 ص395)  

كما رويَ عن سعيدٍ بنِ عبدِ اللهِ الحنفي أنّهُ قالَ للإمامِ الحُسين (عليه السّلام): (لا نُخليكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنّا قد حفظنا غيبةَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فيك، والله! لو علمتُ أنّي أقتلُ، ثمَّ أُحيى، ثمَّ أحرقُ، ثمَّ أذرى، يُفعلُ بي ذلكَ سبعينَ مرّةً ما فارقتُك حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ وإنّما هيَ قتلةٌ واحدة، ثمَّ الكرامةَ التي لا انقضاءَ لها أبداً) (أنصارُ الحُسين، محمّد علي الحلو ص50)  

وأمّا زهيرٌ بنُ القين فقد كانَ موقفُه حاسماً عندَما قال: (واللهِ! لوددتُ أنّي قُتلتُ، ثمَّ نُشرتُ، ثمَّ قُتلت حتّى أقتلَ على هذهِ ألفَ مرّة، وأنَّ اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعَن أنفسِ هؤلاءِ الفتيةِ مِن أهلِ بيتِك) (أنصارُ الحُسين ص 51)  

ومعَ كلِّ تلكَ التضحيةِ والفداء في سبيلِ الحُسين كانوا لا يرونَ أنفسَهم قد تفضّلوا على الإمامِ وإنّما كانوا يرونَه مُتفضّلاً عليهم كما يقولُ برير: (يا بنَ رسولِ الله، لقد منَّ اللهُ بكَ علينا أن نُقاتلَ بينَ يديكَ فتُقطّعَ فيكَ أعضاؤنا، ثمَّ يكونُ جدُّك شفيعُنا يومَ القيامة) (أنصارُ الحُسين ص 57) وعندَما قالَ لهم الحُسين (عليه السّلام): إنّي غداً لمقتولٌ وأنتم جميعاً ستُقتلون، فما كانَ ردُّهم إلّا أن قالوا: الحمدُ للهِ الذي أكرمنا بنصرِك، وشرّفنا بالقتلِ معك) (فاجعةُ الطف ج1 ص6)  

وقد وفوا بالفعلِ لإمامِهم بثباتِهم في الميدانِ ودفاعِهم المُستميتِ عَن سيّدِ الشهداءِ حتّى قالَ فيهم الأعداءُ (أهلُ البصائرِ وفرسانُ المصر). فقد رويَ أنَّ عُمرَ بنَ سعدٍ صاحَ بأصحابِه: أتدرونَ مَن تُقاتلون؟ تقاتلونَ فرسانَ المصر، وأهلَ البصائر، وقوماً مُستميتينَ، لا يبرزُ إليهم أحدٌ منكُم إلّا قتلوه على قلّتِهم، والله! لو لم ترموهم إلّا بالحجارةِ لقتلتموهم) (أنصارُ الحُسين ص 48)  

كما وصفَهم رجلٌ آخر منَ الأعداءِ بقوله: (عضضتَ بالجندلِ، أنّكَ لو شهدتَ ما شهدنا لفعلتَ ما فعلنا، ثارَت علينا عصابةٌ أيديها على مقابضِ سيوفها، كالأسودِ الضاريةِ، تحطمُ الفرسانَ يميناً وشمالا، تُلقي نفسَها على الموتِ، لا تقبلُ الأمان، ولا ترغبُ بالمال،

ولا يحولُ حائلٌ بينَها وبينَ المنيةِ أو الاستيلاءِ على المُلك، فلو كففنا عنها رويداً لأتَت على نفوسِ العسكرِ بحذافيرها، فما كُنّا فاعلينَ، لا أمّ لك) (أنصارُ الحسين ص 50)  

وعليه فإنّهم نالوا هذهِ المكانةَ وهذهِ الدّرجةَ لشدّةِ حبّهم للهِ ولرسولِه وللأئمّةِ مِن أهلِ بيتِه وقد صدقوا في محبّتِهم ممّا جعلَهم خيرَ أصحابٍ كما قالَ الإمامُ الحُسين (عليه السّلام) في حقّهم: (فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ مِن أهلِ بيتي فجزاكم اللهُ عنّي خيراً) (الإرشادُ للشيخِ المُفيد ج2، ص 91)