مَن هُم الشيعة؟  

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

الشيعةُ في اللغةِ تعني المُتابعةَ والمُناصرة والموالاة، ومِن ذلكَ قوله تعالى: (وإنَّ مِن شيعتِه لإبراهيم)، وقد غلبَ هذا الاسمُ على أتباعِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلام) حتّى اختصَّ بهم فما إن يُذكرَ حتّى ينصرفَ الذهنُ إليهم، يقولُ الشهرستانيُّ صاحبُ (المللِ والنّحل): (الشيعةُ هُم الذينَ شايعوا عليّاً (عليه ‌السّلام)، وقالوا بإمامتِه وخلافته، نصّاً ووصاية، إّما جليّاً وإمّا خفيّاً، واعتقدوا أنَّ الإمامةَ لا تخرجُ مِن أولادِه، وإن خرجَت فبُظلمٍ يكونُ مِن غيرِه، أو بتقيّةٍ مِن عنده) (المللُ والنّحل ج ١ ص ١٤٦ ـ ١٤٧). وقد عملَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على ترسيخِ هذه الصّفةِ لأتباعِ الإمامِ عليّ (عليهِ السّلام) مِن خلالِ النصوصِ الكثيرةِ التي تُبشّرُ شيعتَه دونَ غيرِهم، ومِن ذلكَ ما يرويهِ عبدُ اللهِ محمّدُ بنُ يوسف بنِ محمّدٍ القرشي الكنجي الشافعي عَن جابرٍ بنِ عبدِ الله، قالَ: كُنّا عندَ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله)، فأقبلَ عليٌّ بنُ أبي طالب (عليهِ السّلام) فقالَ النبيّ (صلّى الله ُعليه وآله): "قد أتاكُم أخي" ثمَّ التفتَ إلى الكعبةِ فضربَها بيدِه، ثمَّ قال: "والذي نفسي بيدِه إنَّ هذا وشيعتَه هُم الفائزونَ يومَ القيامة، ثمَّ إنّه أوّلكم إيماناً، وأوفاكُم بعهدِ الله، وأقومُكم بأمرِ الله، وأعدلُكم في الرعيّة، وأقسمُكم بالسويّة، وأعظمُكم عندَ اللهِ مزيّة". قالَ: ونزلت :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ).  

وفي رواية ابنِ عساكر عن جابرٍ بنِ عبدِ الله، قالَ: كنّا عندَ النبيّ (صلى اللهُ عليه وآله) فأقبلَ عليٌّ (عليهِ السّلام)، فقالَ ـ أي النبيّ ـ: "والذي نفسي بيدِه إنَّ هذا وشيعتَه لهُم الفائزونَ يومَ القيامة" فنزلَ قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ) (تاريخُ ابنِ عساكر ج 2 ص 442)  

وفي روايةِ ابنِ حجرٍ الهيثمي، عن ابنِ عبّاسِ قال: لمّا أنزلَ اللهُ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ)، قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لعليٍّ (عليهِ السلام): "هُم أنتَ وشيعتُك يومَ القيامةِ راضينَ مرضيّين، ويأتي عدوّكَ غِضاباً مُقمحين" (الصواعقُ المُحرقة: باب 11، الفصل الأوّل، الآية: 11)   

وفي روايةِ بنِ جريرٍ الطبري عن محمّدٍ بنِ علي، قال: لمّا نزلَت الآية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ)، فقالَ رسولُ الله (صلى اللهُ عليه وآله): "أنتَ يا عليُّ وشيعتُك" (تفسيرُ الطبري ج 3 ص 365)  

وفي روايةِ السيوطي جلالِ الدينِ بنِ أبي بكر، عن عليٍّ، قالَ: قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) لي: "ألم تسمَع قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ)، أنتَ وشيعتُك، وموعدي وموعدُك الحوضَ إذا جاءَت الأممُ للحسابِ تُدعونَ غرّاً مُحجّلين" (الدرُّ المنثور في التفسيرِ بالمأثور ج 6 ص 379) إلى غيرِ ذلكَ منَ النصوصِ التي تُجذّرُ هذهِ التسميةَ في أتباعِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلام).  

وقد اشتهرَ هذا الأمرُ بينَ الصّحابةِ فكانوا يُطلقونَ شيعةَ عليٍّ (عليهِ السّلام) على سلمان الفارسي، وأبي ذرٍّ الغفاري، وعمّارٍ بنِ ياسر، والمقداد، لِما كانَ لهُم مِن محبّةٍ وولاءٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) ولذا قالَ أبو حاتمٍ الرّازي: (إنَّ أوّلَ اسمٍ لمذهبِ ظهرَ في الإسلامِ هوَ «الشيعة» وكانَ هذا لقبُ أربعةٍ منَ الصّحابة: أبو ذرٍّ، وعمّار، والمقدادُ، وسلمان) (كتابُ الزينة ٢٥٩).  

أمّا لماذا وجبَ مُشايعةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)؟ فإنَّ النصوصَ الدينيّةَ المُتواترةَ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) دالّةٌ بشكلٍ قطعي على وجوبِ مُشايعتِهم، يقولُ العلّامةُ السيّدُ عبدُ الحُسينِ شرفُ الدّين في ردِّه على هذا السّؤال: (الأدلّةُ الشرعيّةُ أخذَت بأعناقِنا إلى الأخذِ بمذهبِ الأئمّةِ مِن أهلِ بيتِ النبوّةِ موضعِ الرّسالةِ ومُختلفِ الملائكة، ومهبطِ الوحي والتنزيل، فانقطعنا إليهم في فروعِ الدّينِ وعقائدِه، وأصولِ الفقهِ وقواعدِه، ومعارفِ السنّةِ والكتاب، وعلومِ الأخلاقِ والسّلوكِ والآداب نزولاً على حُكمِ الأدلّةِ والبراهين، وتعبّداً بسنّةِ سيّدِ النبيّينَ والمُرسلين، صلّى اللهُ عليهِ وآله وعليهم أجمعين. ولو سمحَت لنا الأدلّةُ بمُخالفةِ الأئمّةِ من آلِ محمّد، أو تمكنّا مِن تحصيلِ نيّةِ القُربةِ للهِ سُبحانه في مقامِ العملِ على مذهبِ غيرهم، لقصصنا أثرَ الجمهور، وقَفَونا إثرهم، تأكيداً لعقدِ الولاء، وتوثيقاً لعُرى الإخاء، لكنّها الأدلّةُ القطعيّةُ تقطعُ على المؤمنِ وجهتَه، وتحولُ بينَه وبينَ ما يروم) ومَن أرادَ الوقوفَ على تلكَ الأدلّةِ التي أشارَ إليها شرفُ الدّينِ يمكنُه الرّجوعُ إلى كتابِ المُراجعات، كما يمكنُه الرّجوعُ إلى غيرِه منَ الكُتبِ التي أبانَت حُجّةَ الشيعةِ بشكلٍ واضحٍ وصريح.