ابن كاطع "دجّالِ البصرةِ" هل هو ناصرٌ للإمامِ أم دجّال ؟!  

605 - السّلامُ عليكم، ما ردُّكم على روايةِ دجّالِ البصرةِ ابنِ كاطع يحتجُّ بها أتباعُه، قالَ أميرُ المؤمنينَ ألا وإنَّ أوّلَهم منَ البصرةِ وآخرَهم منَ الأبدال؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

أوّلاً: الروايةُ نقلها السيّدُ ابنُ طاووس في كتابِ الملاحمِ والفتنِ عن كتابِ الفتنِ للسّليلي، فقالَ: حدّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ المالكي، قالَ: حدّثنا أبو النضرِ عن ابنِ حميدٍ الرّافعي، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ الهيثمِ البصري، قالَ: حدّثنا سليمانُ بنُ عثمان النخعي، قالَ: حدّثنا سعيدٌ بنُ طارق، عن سلمةَ بنِ أنس، عن الأصبغِ بنِ نباتة، عن أميرِ المؤمنينَ (ع) عن النبيّ (ص): قالَ : أوّلهم منَ البصرة، وآخرُهم منَ اليمامة. (الملاحمُ والفتنُ لابنِ طاووس، ص288).  

وهذا الإسنادُ ضعيفٌ، فسلمةُ بنُ أنس الذي وقعَ في السّندِ ليسَ له ذكرٌ إلّا في هذا السّند، فهوَ مجهولٌ، ولعلّ الاسمَ فيه تحريفٌ أو تصحيف، وسليمانُ بنُ عثمان النخعي مجهولٌ في تراثنا، وكذلكَ غيرُه.   

وأمّا رواية: أوّلُهم مِن أهلِ البصرة، وآخرُهم منَ الأبدال. فقد رواها صاحبُ إلزامِ الناصب (ت 1333 هـ) مُرسلاً عَن أميرِ المؤمنين (ع). والحديثُ المُرسَلُ مِن أقسامِ الحديثِ الضعيف.  

  

قد يقالُ: هذهِ مسألةٌ يتساهلُ في إسنادِها، فكيفَ تتشدّدونَ في قبولها؟  

الجوابُ: نعم، يُتساهلُ إذا لم يترتّب عليها أثرٌ عقائدي، وأتباعُ أحمد الحسن يستدلّونَ بمثلِ هذه الرّواياتِ لترتيبِ أثرٍ عقائديّ، لإعطاءِ مناصبَ إلهيّةٍ ومقامِ حُجّيّةٍ لدجّالِهم أحمد الحسن، ولذا يُتشدّدُ في قبولِ الأخبار.  

  

ثانياً: لا ربطَ بينَ كونِ أوّلِ أنصارِ الإمامِ المهدي (ع) منَ البصرة، وبينَ أحمد الحسن الدجّال مُدّعي اليمانيّةِ والعصمةِ والمهدويّة، ويمكنُ لكلِّ شخصٍ منَ البصرةِ مُطلقاً أو خصوص مَن اسمُه أحمد أن يدّعي أنّه المعنيّ بهذه الرّواية، فهل يمكنُ تصديقُه؟ فنحنُ لا نصدّقُ ولا نكذّب، ولكن إذا ثبتَ لنا كذبُه مِن جهاتٍ أخرى، فنجزمُ بأنّه ليسَ هو، كما هوَ حالُ أحمد الحسن، فإنّهُ ثبتَ عندَنا بالأدلّةِ القاطعةِ أنّه كذّابٌ دجّال، فليسَ هوَ مصداقاً لحديث: أوّلهم منَ البصرة.  

  

ثالثاً: الحديثُ يخبرُنا أنّ أوّلَ الأنصارِ منَ البصرة، ولكن لا يخبرُنا الإمامُ (ع) بوجوبِ إتّباعه والرجوعِ إليه وأخذِ الدينِ عنه، فنحنُ مُكلّفونَ بإتّباعِ المرجعيّةِ الدينيّة التي أسّسَها أئمّةُ أهلِ البيت عليهم السّلام، إذ مشروعُ أهلِ البيت (ع) في عصرِ الغيبةِ الكُبرى هوَ أن يلتفَّ الشيعةُ حولَ مراجعِ تقليدِهم، الذينَ هُم نوّابُ الإمامِ المهدي (ع)، الفقهاءُ أمناءُ اللهِ على حلالِه وحرامه، ويجبُ أخذُ الدينِ منهم، لا مِن: أوّلُهم منَ البصرة.  

  

رابعاً: لماذا لا يكونُ أحمد الحسن دجّالَ البصرةِ الذي أخبرَ عنهُ أميرُ المؤمنينَ (ع)، فيما رواهُ السيّدُ ابنُ طاووس عَن كتابِ الفتنِ للسليلي، وهو نفسُ الكتابِ الذي نقلَ منهُ ابنُ طاووس روايةَ: أوّلُهم منَ البصرة، حيثُ قال: حدّثنا أبو سهل، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ عبدِ المؤمن، قالَ: حدّثنا أحمدُ بنُ محمّدٍ بنِ غالب، قالَ: أخبرنا هديّةُ بنُ عبدِ الوهاب عن عبدِ الحميدِ عن عبدِ اللهِ بنِ عبدِ العزيز، قالَ: قالَ لي عليٌّ بنُ أبي طالب وخطبَ بالكوفة: .... وإيّاكم والدجّالينَ مِن ولدِ فاطمة، فإنَّ مِن ولدِ فاطمة دجّالين، ويخرجُ دجّالٌ مِن دجلةَ البصرة، وليسَ منّي، وهوَ مقدّمةُ الدجّالينَ كلّهم. (الملاحمُ والفتنُ لابنِ طاووس، ص248 – 249).  

وهذا الحديثُ أشبهُ بالانطباقِ على أحمد الحسن، وإن كنّا لا نجزمُ بذلك، فأحمدُ الحسن يستدلُّ بالمناماتِ كثيراً، فإنّهُ يرسلُ الشياطينَ والأجنّةَ إلى مناماتِ الأشخاصِ لدعوتِهم إليه، وإخراجِهم عن الصّراطِ المُستقيم، وهذا دجلٌ وشيطنة.  

والغريبُ أنّ مدّعي النبوّةِ والإمامة لم يقبَل الناسُ منهم في اليقظةِ، وأكثرُ الناسِ لم يقبلوا دعوةَ الأنبياءِ في اليقظة!  

وهؤلاءِ (أتباعُ أحمد الحسن) قبلوا دعوتَه في المنام! معَ أنّ النائمَ أشبهُ بالفاقدِ لعقله.  

فهل وجدتُم دجلاً وشعبذةً أعظمُ مِن هذا؟! وهل وجدتُم سذاجةً وحماقةً أكبرَ منَ الموجودِ في أتباعِهم؟!  

قالَ تعالى: { وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَما كانَ لِيَ عَلَيكُم مِن سُلطانٍ إِلّا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلوموني وَلوموا أَنفُسَكُم ما أَنا بِمُصرِخِكُم وَما أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أَشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ. } [إبراهيم: ٢٢].  

فلماذا لا يكونُ أحمد الحسن مِصداقاً لحديثِ دجّالِ البصرة هذا؟!  

  

خامساً: نحنُ نجزمُ بأنّ أحمدَ الحسن دجّالٌ، ونجزمُ أيضاً بأنّنا مُكلّفونَ بنظامِ المرجعيّةِ الدينيّة، وأنّهُ مشروعُ اللهِ في عصرِ الغيبةِ الكُبرى، ولكن لو شكّ أحدٌ في ظلّ الفتنِ، فما هوَ الموقف؟   

الجوابُ:

وردَ عن أهلِ البيتِ (ع) بأنّه تمسّكوا بالذي كنتُم عليه وبما أنتُم عليه ولا تتركوا دينَكم وطريقتَكم، حيثُ روى النعمانيّ بسندٍ صحيح عن عبدِ اللهِ بنِ سنان، قالَ: دخلتُ أنا وأبي على أبي عبدِ الله (عليهِ السّلام)، فقالَ: كيفَ أنتم إذا صرتُم في حالٍ لا ترونَ فيها إمامَ هُدى، ولا علماً يُرى، فلا ينجو مِن تلكَ الحيرةِ إلّا مَن دعا بدعاءِ الغريق.   

فقالَ أبي: هذا واللهِ البلاء، فكيفَ نصنع - جُعلتُ فداك - حينئذ؟  

قالَ: إذا كانَ ذلك - ولن تدركَه - فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضحَ لكم الأمر.

(الغيبةُ للنعماني، ص161).  

  

وما في أيدينا وما كنّا عليه نحنُ وآباؤنا وأجدادُنا أتباعُ أهلِ البيتِ عليهم السلام، هو سيادةُ نظامِ المرجعيّةِ الدينيّة علينا، وهذا الحديثُ وغيرُه يأمرُنا بالتمسّكِ به، ولن يزيله شيءٌ حتّى ظهورِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجه) إن شاءَ اللهُ تعالى.  

  

والحمد لله رب العالمين.