هل القرآنُ العظيمُ حُجّة؟ وهل كلّه عربيّ؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكم ورحمة الله،  

أمّا الجوابُ عن الشقِّ الأوّلِ منَ السؤالِ، فنقولُ: لقد أوردَ أهلُ العلمِ مجموعةً منَ الأدلّةِ تُثبتُ حجّيّةَ القرآنِ العظيم، فمِنها:  

1. العقلُ: فإنَّ المُجرّدَ منه يحكمُ بوجوبِ إرشادِ الناسِ مِن قِبلِ خالقِهم ـ إذ لم يخلقهم عبثاً ـ عبرَ الرسلِ الناطقةِ والصامتةِ وتلازمُ الرسالتين في غايةِ الوضوح .  

2. الإجماعُ : لقد أجمعَ المسلمونَ كافّةً على كونِ القرآنِ حُجّةً في كلِّ مرافقِ الحياةِ والتي مِنها التشريع، و لا خلافَ بينَ المذاهبِ والعلماءِ بل بينَ المُسلمينَ أيضاً .  

3. الإعجاز : أثبتَ القرآنُ بأنّهُ مُعجِزٌ إلهي عجزَ البشرُ في جميعِ العصورِ منَ الإتيانِ بمثلِه ومُجاراته ، و متى ما كانَ بهذهِ المرتبةِ منَ الإعجازِ فلا بدَّ مِن صدورِه منَ اللهِ سُبحانه ، و لا شكَّ في حُجيّةِ ما صدرَ عنهُ تعالى .  

4. السُنة : لقد دلّت كلُّ الأدلّةِ على عملِ الرسولِ محمّدٍ ( صلّى اللهُ عليهِ و آله ) الصادقِ الأمينِ بالقرآنِ كما صرّحَ هوَ بذلكَ أيضاً ، و لم يُنكِر الرسولُ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) عملَ المُسلمينَ بمضامينِه ونصوصِه ، بل حثَّهم على ذلكَ و التمسّكِ به كما وردَ في الأحاديثِ المتواترة. [ينظر ما ذكرَه العلّامةُ المُحقّقُ الشيخُ محمّد صادِق الكرباسيّ ( حفظَه الله ) في موسوعتِه الكبرى دائرةُ المعارفِ الحُسينيّة، الحُسين والتشريع الإسلاميّ: 1 / 185 ، الطبعةُ الأولى ، سنة : 1421 هجريّة / 2000 ميلاديّة ، المركزُ الحسينيّ للدراسات ، لندن ـ المملكة المتّحدة].  

وأمّا الجوابُ عن الشقِّ الثاني منَ السّؤال، فنقولُ: هناكَ قولانِ مشهوران في المقام:   

أحدُهما: ما ذهبَ إليهِ جمهورُ أهلِ العلمِ منَ الفقهاءِ والمُفسّرينَ وأهلِ اللغةِ مِن مُختلفِ المذاهبِ الإسلاميّة إلى عدمِ وجودِ ألفاظٍ أعجميّة في القرآنِ العظيم.   

والآخرُ: ما ذهبَ إليهِ بعضُ الأعلامِ حينَ أقرّوا بوجودِ كلماتٍ أعجميّة.  

وقد احتجَّ أصحابُ القولِ الأوّلِ بأدلّةٍ منها:   

الأوّل: يتمثّلُ بمجموعةٍ منَ الآياتِ الصريحةِ، التي سنسوقُها في هذا المقام، والتي مِن خلالِها سَيَبِينُ الجوابُ الصحيحُ عن الإشكالاتِ التي تُطرَحُ في هذا الصدد، فمِن هذهِ الآيات:  

1. قالَ تعالى :  وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ  [ الشعراء / 192 – 195 ] .  

2. وقالَ تعالى :  وَكَذَلِكَ أَنزَلنَاهُ حُكماً عَرَبِيّاً  [ الرعد / 37 ] .  

3. وقالَ تعالى :  وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ قُرآناً عَرَبِيّاً  [ الشورى / 7 ] .  

4. وقالَ تعالى :  إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ  [ الزخرف / 3 ] .  

5. وقالَ تعالى :  قُرآَنًا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ  [ الزمر / 28 ] .  

  

فلاحِظ أخي المؤمن ودقِّق في هذهِ الآيات حتّى تعلمَ بأنّ القرآنَ الكريمَ عربيٌّ في كلِّ آيةٍ ذكرناها، لاسيّما أنّ اللهَ جلَّ جلالهُ نفى عنهُ كلَّ لسانٍ غيرِ لسانِ العربِ في نفسِ كتابِه، فقالَ تباركَ وتعالى:  (ولقد نعلمُ أنّهم يقولونَ إنّما يعلّمُه بشر، لسانُ الذين يلحدونَ إليه أعجميٌّ، وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين ). [النحلُ / 103 ].هذا أوّلاً.  

والثاني: أنّه لا خلافَ بينَ أهلِ العلمِ أنّه ليسَ في القرآنِ كلامٌ مُركّبٌ مِن ألفاظ أعجميّةٍ على أساليب غير العرب يُعطي معنىً مِن هذا التركيب. وحُجّتهم في ذلكَ قوله تعالى: (وَلَو جَعَلنَاهُ قُرآنًا أَعجَمِيَّاً لَّقَالُوا لَولَا فُصِّلَت آيَاتُهُ أَأَعجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ). [ فصلت / 44 ].   

والثالث: أنّ ما وجدَ في القرآنِ مِن أسماءِ أعلامٍ لمَن لسانُه غيرُ لسانِ العرب كإسرائيلَ وجبريل وعمران ونوح ولوط، لأنّ الأصلَ في أسماءِ الأعلام أنّها تُنقلُ مِن لغةٍ إلى أخرى كما هي، ولا تخرجُ اللغةُ التي نُقلَت إليها تلكَ الأسماءُ عن أصلِها وفصلِها الذي اشتهرَت به؛ وقد ذهبَ أهلُ العلمِ إلى أنّ أسماءَ الأعلامِ لا تُترجَم مِن لغةٍ إلى أخرى، لأن ترجمتَها تؤدّي إلى الجهلِ بها وعدمِ معرفتها.  

والرابع: أنّ الذينَ ذهبوا إلى وجودِ كلماتٍ أعجميّة مِن قبيلِ (إستبرَق، وسندُس، ونحوهما)، أُجيبَ عنه بأنّ النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله لـمّا بُعثَ للناسِ كافة، فلا يمتنعُ وجودُ أكثرَ مِن لغةٍ في القرآن، بل هو أبلغُ في الإعجاز. هذا وإنّ بعضَ الألفاظِ قد تكونُ عندَ العرب، ولكن يخفى هذا على المُفسّر، فيظنُّها أعجميّةً، معَ أنَّ اللغةَ العربيّة أوسعُ اللغاتِ لساناً وألفاظاً، ولا نعلمُ مَن يحيطُ بجميعِ علمِ القرآنِ غيرَ النبيّ والأوصياء (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين).

والخامسُ: وهوَ أمرٌ جديرٌ بالتنبيهِ عليه، وهوَ: لم تلتفت العربُ العاربةُ لهذا الإشكالِ من قبل، مع أنّهم عاصروا نزولَ القرآن، وكانوا مِن أشدِّ المعارضينَ للإسلام، فلم يُعرف منهُم ولم يُنقل عنهم أنّهم قالوا: إنّ في القرآنِ كلمات غيرِ عربيّة، وهُم كانوا أولى مِن غيرِهم مِـمّن جاءَ بعدَهم بفترةٍ زمنيّةٍ طويلة في عرضِ هذا الإشكال، إذ لو وجدَ العربُ الفُصحاء في القرآنِ كلماتٍ غيرِ عربيّة وليسَت مِن نسجِ لسانِهم العربي المُبين، لوجدوا ضالّتهم في مقامِ الردِّ على الدعوةِ الإسلاميّة، وحينَها سيتّهمونَ القرآنَ الكريم بالافتراء، ولشنّعوا عليهِ بالقول:  كيفَ يصفُ نفسَه بأنّه قرآنٌ عربيٌّ مُبين، وفيه كلماتٌ أعجميّة، معَ العلمِ أنَّ اللهَ عزّ وجلّ في أكثرَ مِن آيةٍ كانَ يُشدّدُ ويؤكّدُ أنّهُ قرآنٌ عربيٌّ مُبين، ونراهُ يُصرّح وينفي كونَه أعجميّاً بالمجموع، وينفي أن يكونَ بعضُ آياتِه عربيّاً والبعضُ الآخرُ أعجميّاً، وخصوصاً في سورةِ فُصّلت التي تقدّمَ ذكرُها آنفاً. [ينظر مراجعُ الجواب: كتابُ (البرهانِ في علومِ القرآن ) للزركشيّ،  ومقدّمةُ تفسيرِ للقرطبيّ، وكتابُ (الإتقان) للسيوطيّ، وغيرُها مِن كتبِ التفسيرِ التي عرضَت لها الآيات]. ودمتُم سالمين.