لو تعارضَت الروايةُ المرويّةُ عن النبيّ (ص) أو الأئمّةِ (ع) مع حقيقةٍ علميّة ، فهل يجوزُ لنا التمسّكُ بالحقيقة العلمية ؟

لو تعارضَت الروايةُ المرويّةُ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أو الأئمّةِ عليهم السّلام مع حقيقةٍ علميّة ، فهل يجوزُ لنا التمسّكُ بالحديث؟ فمثلاً هناكَ روايةٌ يقالُ أنّها صحيحةٌ مفادُها (لا عدوى في الإسلام)، معَ أنَّ وجودَ العدوى أمرٌ مفروغٌ منه؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

في المبدأ لا تعارضَ بينَ الوحي وبينَ الحقائقِ العقليّةِ والعلميّة، وما يحدثُ مِن تعارضٍ في الظاهرِ فمرجعه إلى التباينِ في دلالةِ الأدلّةِ، فتارةً تكونُ دلالةُ الدليلِ قطعيّةً وتارةً تكونُ ظنّيّةً، فمنَ المُمكنِ أن يتعارضَ الدليلُ القطعيُّ معَ الدليلِ الظنّي، ولكن لا يمكنُ أن نتصوّرَ التعارضَ بينَ دليلينِ قطعيّين، بمعنى أن يكون كلا الدليلينِ كاشفين عن واقعٍ واحدٍ وفي نفسِ الوقتِ بينَهما اختلافٌ وتباينٌ، وعليهِ يتصوّرُ التعارضُ بينَ دليلِ النقلِ ودليلِ العقلِ في ثلاثِ صور.  

 الأولى: أن يكونَ دليلُ النقلِ قطعيّاً بمعنى أن يكونَ نصّاً في معناه، وفي المقابلِ يكونُ دليلُ العقلِ ظنّيّاً لا يمكنُ القطعُ بمؤدّاه، ففي هذهِ الحالة إذا تعارضا يُقدّمُ دليلُ النقلِ على دليلِ العقل.   

الثاني: أن يكونَ دليلُ العقلِ قطعيّاً وفي المقابلِ تكونُ دلالةُ النقلِ ظنّيّةً، فإذا حصلَ بينَهما تعارضٌ يقدّمُ دليلُ العقلِ القطعي على دلالةِ النقلِ الظنّيّةِ، ولكن لا يجوزُ ردُّ النقلِ إذا كانَ ثابتَ الصّدور، وإنّما يجبُ تأويلهُ وفهمُه بالشكلِ الذي ينسجمُ معَ دليلِ العقلِ القطعي.   

الثالث: أن تكونَ دلالة الدليلينِ العقلي والنقلي كليهما ظنّيين، ففي حالةِ التعارضِ بينَهما يجبُ تقديمُ دليلِ النقلِ على دليلِ العقل.  

وعلى هذا لو افترضنا تعارضاً بينَ الروايةِ وبينَ العلم، نظرنا إلى دلالةِ الدليلِ العلميّ وإلى دلالةِ الرواية، فإن كانَ أحدُهما قطعيّاً والثاني ظنّيّاً قدّمنا القطعيَّ على الظنّي، لأنَّ الحُجّةَ للعلمِ وليسَت للظن، فلو افترَضنا أنَّ الحقيقةَ العلميّةَ هيَ الثابتةَ فلا يجبُ تكذيبُ النقلِ وإنّما يجبُ إعادةُ فهمِه بما لا يتعارضُ معَ تلكَ الحقيقةِ العلميّة.  

وإذا اتّضحَ ذلكَ نأتي للمثالِ الذي ذكرَه السائل، وهوَ وجودُ روايةٍ تنفي انتقالَ المرضِ عن طريقِ العدوى بينَما أثبتَ العلمُ حصولَ ذلكَ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ، والروايةُ التي جاءَت في هذا الشأنِ هوَ ما رواهُ الكُليني عن الحسنِ بنِ محبوب قالَ: أخبرَنا النضرُ بنُ قرواش الجمّال قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ (عليهِ السلام) عن الجمالِ يكونُ بها الجربُ أعزلها مِن إبلي مخافةَ أن يعديها جربُها والدابّةُ ربّما صفّرتُ لها حتّى تشربَ الماء؟ فقالَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام): إنَّ أعرابياً أتى رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنّي أصيبُ الشاةَ والبقرةَ والناقةَ بالثمنِ اليسيرِ وبها جربٌ فأكرهُ شراءَها مخافةَ أن يعدي ذلكَ الجربُ إبلي وغنمي؟ فقالَ له رسولُ اللهِ (عليهِ السّلام): يا أعرابيُّ فمَن أعدى الأوّلَ، ثمَّ قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): لا عدوى، ولا طيرةَ، ولا هامةَ، ولا شومَ، ولا صفرَ، ولا رضاعَ بعدَ فصالٍ ولا تعرّبَ بعدَ هجرةٍ، ولا صومَ يوماً إلى الليل، ولا طلاقَ قبلَ نكاح، ولا عتقَ قبلَ مُلك ولا يُتمَ بعدَ إدراك) (الكافي، ج ٨، ص ١٩٦)  

وحتّى تكونَ هناكَ معارضةٌ لابدَّ أن تكونَ دلالةُ الحديثِ منافيةً لِما ثبتَ في العلم، وما ثبتَ علميّاً أنَّ العدوى سببٌ في نقلِ المرضِ منَ المريضِ إلى المُعافى، وهُنا نسألُ هل الحديثُ ينفي أن تكونَ العدوى سبباً في نقلِ المرض؟ أم أنَّ الحديثَ يضيفُ أمراً آخر لحصولِ المرض؟ بمعنىً آخر هل معنى (لا عدوى) نفيٌ للعدوى منَ الأساسِ أم هوَ نفيٌ لأن تكونَ العدوى علّةً تامّةً للمرض؟   

وإن كانَ ظاهرُ الحديثِ هوَ نفيُ العدوى مُطلقاً إلّا أنَّ هناكَ احتمالاً بأن يكونَ المقصودُ هوَ عدمُ تأثيرِ العدوى إلّا إذا اقترنَت معَ مشيئةِ اللهِ تعالى، بمعنى أنَّ الحديثَ يريدُ التأكيدَ على أنَّ أصلَ المرضِ والشفاءِ منَ اللهِ تعالى، فعندَما يقولُ تعالى: (وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ) فالآيةُ لا تنفي أسبابَ الشفاءِ وإنّما أرادَت أن ترجعَ الأسبابُ إلى مشيئةِ اللهِ وإرادتِه، وهكذا الحالُ هُنا فإنَّ الحديثَ لا ينفي سببيّةَ العدوى في نقلِ المرضِ وإنّما أرادَ إرجاعَها إلى مشيئةِ اللهِ تعالى، بمعنى أنَّ العدوى وإن كانَت سبباً إلّا أنّها تحتاجُ إلى إمضاءِ المشيئةِ الإلهيّة، ولذا نجدُ العلّامةَ المجلسيّ علّقَ على هذا الحديثِ بقولِه: (يمكنُ أن يكونَ المرادُ نفيَ استقلالِ العدوى من دونِ مدخليّةِ مشيئتِه تعالى)، أي أنَّ الحديثَ لا ينفي أصلَ حدوثِ العدوى وإنّما ينفي أن تكونَ هيَ العلّة التامّةَ من دونِ مشيئةِ اللهِ تعالى، وما يؤكّدُ ذلكَ وجودُ أحاديثَ أخرى تثبتُ حصولَ العدوى، مثلَ الرواياتِ التي تأمرُ بالفرارِ منَ المجذومِ خوفَ عدواه، ففي وصيّةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لعليٍّ (عليهِ السّلام):

يا عليّ، كرهَ اللهُ عزَّ وجلَّ لأمّتي... أن يُكلّمَ الرّجلُ مجذوماً إلّا أن يكونَ بينَه وبينَه قدرَ ذراع) وقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): فُرَّ منَ المجذومِ فراركَ منَ الأسد) وعنهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): كلّمِ المجذومَ وبينَك وبينَه قدرُ رُمحٍ، أو رُمحين) ممّا يدلُّ على أنَّ المقصودَ مِن نفي العدوى ليسَ نفياً لكونِها سبباً في المرضِ، وإنّما نفيُّ أن تكونَ علّةً تامّةً له.

فإذا صحَّ ذلكَ لا يكونُ هناكَ تعارضٌ بينَ الروايةِ وبينَ ما أثبتَه العلمُ لكونِ العلمِ لا يثبتُ أكثرَ مِن كونِ العدوى سبباً في انتقالِ الأمراض، والحديثُ لا ينفي ذلك، ولكنّهُ يثبتُ مُضافاً لها مشيئةَ اللهِ تعالى، فإذا شاءَ اللهُ ألّا تُصيبَه العدوى لم تُصِبه، حتّى لو اختلطَ بالمُصاب، وهذا المقدارُ لا يعارضُه العلم، بل العلمُ أحياناً يقفُ مُندهِشاً لشفاءِ إنسانٍ مِن مرضٍ لا يمكن ُالشفاءُ منهُ علميّاً، أو عدمِ إصابةِ إنسانٍ بمرضٍ معَ أنَّ إصابتَه بهِ مُحقّقةٌ علميّاً.