في قولِه تعالى (فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين) ظاهرُ الآيةِ أنّ هناكَ خالقين غيرَ اللهِ عزّ وجلّ ولكنَّ اللهَ أفضلُ منهم، أرجو توضيحَ ذلك؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله، 

عبّرَ اللهُ سبحانَه وتعالى في هذهِ الآيةِ بقولِه: (فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين) ليُنبّهَ عبادَه على حقيقةٍ ثابتةٍ وهيَ: أنّ مَن كانَ مِن عبادِه مَن يستطيعُ أن يخلقَ ما يعجزُ الخلقُ عن مثلِه كما هوَ الحالُ في خلقِ عيسى (ع) لهُم منَ الطينِ طيراً، خصوصاً وأنّ هذا الخلقَ قد جرى بإذنِ اللهِ تعالى، أو منَ السّامري لـمّا خلقَ لهم عِجلاً جسداً له خوارٌ وأنّ ذلكَ قد جرى بإذنِ اللهِ تعالى الذي هوَ مَن سمحَ بذلكَ ليختبرَ عباده، فعلى عبادِه الذينَ يتدبّرونَ ذلك، ويفكّرونَ في خلقِ السماواتِ والأرضِ أن يعرفوا مِن خلالِ أمثلةِ الخالقينَ مَن هوَ أحسنُ منهم في الخلقِ والإبداع، إذ لـمّا كانَ اللهُ عزّ وجلّ قد إذِنَ لبعضِ خلقِه أن يخلقَ منَ الطينِ طيراً بإذنِه وهو ممّا جعلَ كثيراً مِن عبادِه يؤمنونَ برسالةِ عيسى (ع)، فلا بُدَّ أن يكونَ الآذِنُ وهوَ اللهُ جلَّ جلالهُ أحسنُ خلقاً ممَّن أذنَ له في الخلق، وهذا لا يحتاجُ إلى برهانٍ كما لا يخفى، والرواياتُ الواردةُ عن أهلِ بيتِ العصمةِ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين) ممّا تؤيّدُ بأنَّ اللهَ عزَّ وجلّ له القدرةُ الكاملةُ المُطلقةُ على أن يخلقَ لعبادِه ما لا رأته عينٌ ولا سمعتهُ أذنٌ ولا خطرَ على قلبِ بشر، فمِن تلكَ الرواياتِ ما جاءَ في كتابِ التّوحيدِ للشيخِ الصّدوق (63/ ح18 ) بإسنادِه إلى الفتحِ بنِ يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسنِ الرّضا عليهِ السّلام، في حديثٍ طويل وفيه : قلتُ : جُعلتُ فداك، وغيرُ الخالقِ الجليلِ خالقٌ؟ قالَ : إنّ اللَّهَ تباركَ وتعالى يقولُ: « فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ »، فقد أخبرَ أنّ في عبادِه خالقينَ وغيرَ خالقين منهُم عيسى بنُ مريم خلقَ منَ الطَّين كهيئة الطَّير بإذنِ اللَّه ونفخَ فيه ، فصارَ طائراً بإذن اللَّه والسّامريُّ خلقَ لهُم عِجلاً جَسَداً لَهُ خُوار.  

وفي كتابِ الخصالِ (400 ) عن زيدٍ بنِ وهب قالَ : سُئلَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السّلام عن قُدرةِ اللَّهِ عزَّ وجلّ فقامَ خطيباً، فحمدَ اللَّهَ وأثنى عليه ثمَّ قال : إنّ للهِ تباركَ وتعالى ملائكةً لو أنّ ملكاً منهم هبطَ إلى الأرضِ، ما وسعَته لعظم خلقتِه وكثرةِ أجنحتِه ومنهم مَن لو كلَّفَت الجنُّ والإنسُ أن يصفوهُ، ما وصفوهُ لبُعدِ ما بينَ مفاصلِه، وحسنِ تركيبِ صورتِه . وكيفَ يوصفُ مَن ملائكتُه مِن سبعمائةِ عامٍ ما بينَ منكبيه وشحمةِ أذنيه ! ؟ ومنهُم مَن يسدُّ الأفقَ بجناحٍ مِن أجنحتِه دونَ عظمِ بدنِه ومنهُم مَن السّماواتُ إلى حجزته ومنهم مَن قدمُه على غيرِ قرارٍ في جوّ الهواءِ الأسفل، والأرضونَ إلى رُكبتيه ومنهم مَن لو ألقيَ في نقرةِ إبهامِه جميعُ المياهِ لوسعتها ومنهُم مَن لو ألقيَت السّفنُ في دموعِ عينيه ، لجرَت دهرَ الدّاهرين « فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ » .[ينظر: تفسيرُ كنزِ الدقائقِ وبحرِ الغرائب، ج ٩، الشيخُ محمّد بنُ محمّد رضا القمّي المشهدي، ص ١٧٧] ودمتُم سالِمين.