هل يتفاوتُ المُستوى الفكريُّ للأنبياءِ بحسبِ درجةِ وعي المُجتمع، فإذا وجدنا تفاوتاً ثقافيّاً بينَ مُجتمعين فهل يكشفُ هذا عن تفاوتِ ثقافةِ أنبيائهم؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمةالله وبركاته

يبدو أنَّ المُبرّرَ لهذا السؤالِ هوَ بعضُ الفرضيّاتِ الخاطئة، مثل القولِ أنَّ فكرَ الأنبياءِ وثقافتَهم مستمدّةٌ منَ البيئةِ الاجتماعيّة التي كانوا فيها، وعلى هذا الافتراضِ لابدَّ منَ السّؤالِ عن التفاوتِ الثقافيّ بينَ الأنبياءِ بحسبِ تفاوتِ الثقافةِ المُجتمعيّة، ولا يستقيمُ هذا السؤالُ أيضاً إلّا بافتراضِ أنَّ ما عندَ الأنبياءِ مِن علومٍ ومعارفَ مُشابهٌ تماماً للواقعِ العلميّ والمعرفي الذي يحتفظُ به المجُتمع، وكلُّ ذلك لا يمكنُ قبولهُ والتسليمُ به، فلو كانَت حركةُ الأنبياءِ في نفسِ اتّجاهِ حركةِ مُجتمعاتِهم لما تعرّضوا للمقاومةِ العنيفةِ مِن هذهِ المُجتمعات، قالَ تعالى: (إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ)، وقالَ تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لَا تَهوَىٰ أَنفُسُكُمُ استَكبَرتُم فَفَرِيقًا كَذَّبتُم وَفَرِيقًا تَقتُلُونَ)، وقالَ تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأسُنَا عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ)، وقد فصّلَ القرآنُ الكثيرُ مِن قصصِ الصراعِ بينَ الأنبياءِ وبينَ المُجتمعاتِ التي كانوا فيها، ممّا يدلّلُ على أنَّ ما عندَ الأنبياءِ مُخالفٌ تماماً لما هوَ معروفٌ ومشاعٌ في أقوامِهم.  

ومنَ المؤكّدِ أنَّ ما جاءَ بهِ الأنبياءُ جميعاً يُعبّرُ عن إرادةِ السّماء، فهُم يحملونَ رسالةَ اللهِ إلى عبادِه، فحتّى لو اختلفَت شرائعُ الأنبياءِ إلّا أنَّ دينَهم واحدٌ، قالَ تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ ۗ وَمَا اختَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم ۗ وَمَن يَكفُر بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ) وقالَ تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ وَالمُؤمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا ۖ غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ)، وعليهِ ما عندَ الأنبياءِ والرّسلِ هوَ وحيٌ منَ اللهِ تعالى لا علاقةَ له بالثقافةِ والأفكارِ الاجتماعيّةِ، قالَ تعالى: (إِنَّا أَوحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوحَينَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعدِهِ ۚ وَأَوحَينَا إِلَىٰ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ وَالأَسبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيمَانَ ۚ وَآتَينَا دَاوُودَ زَبُورًا)