القرآنُ متى جُمعَ؟ هل بزمنِ الرسولِ؟ وعلى يدِ مَن جُمعَت النقطُ؟ والحركاتُ متى وضعَت ؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

بالنسبةِ للسّؤالِ الأوّل: فإنَّ عمومَ الشيعةِ يعتقدونَ بأنَّ القرآنَ قد جُمعَ في عهدِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على الصّورةِ التي عليها المصحفُ اليوم، كما أنّهم يعتقدونَ بأنَّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السّلام) قد قامَ بجمعِ القرآنِ بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ على ترتيبِ النزولِ، مُضافاً لشروحِ وتفسيرِ بعضِ الآياتِ وبيانِ أسبابِ النزولِ والناسخِ والمنسوخ. حيثُ قالَ (عليهِ السلام): (ما نزلَت آيةٌ على رسولِ الله‏ (صلّی اللهُ عليه وآله وسلّم) إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ، فأكتبُها بخطّي. وعلّمني تأويلَها وتفسيرَها وناسخَها ومنسوخَها ومحكمَها ومُتشابهَها. ودعا اللهَ‏ لي أن يُعلّمني فهمَها وحفظَها، فما نسيتُ آيةً مِن كتابِ الله‏، ولا علماً أملاهُ عليّ فكتبتُه منذُ دعا لي ما دعا). 

بينما يعتقدُ عمومُ أهلِ السنّةِ بأنَّ القرآنَ جُمعَ في عهدِ الخُلفاء، ويرتكزُ هذا الموقفُ على مجموعةٍ منَ المرويّاتِ في مصادرِ أهلِ السنّة، ومِن هُنا فإنَّ مناقشةَ هذهِ المرويّاتِ وبيانَ مصداقيّتِها مِن عدمِها يحسمُ النقاشَ في هذهِ المسألة، وهذا ما قامَ بهِ السيّدُ الخوئي في تفسيرِه البيان حيثُ تتبّعَ كلَّ هذهِ المرويّات وأثبتَ ما فيها مِن تناقضٍ بحيثُ لا يمكنُ الركونُ إليها. فبعدَ أن يقرّرَ السيّدُ الخوئي أصلَ الشبهةِ والإشكاليّة بقولِه: (إنَّ مصدرَ هذهِ الشبهةِ هوَ زعمُهم بأنَّ جمعَ القرآنِ كانَ بأمرٍ مِن أبي بكرٍ بعدَ أن قتلَ سبعون رجلاً منَ القُرّاءِ في بئرِ معونة، وأربعمائةَ نفرٍ في حربِ اليمامةِ فخيفَ ضياعُ القرآنِ وذهابُه منَ الناس، فتصدّى عمرُ وزيدٌ بنُ ثابت لجمعِ القرآنِ منَ العسب، والرقاعِ، واللخافِ، ومِن صدورِ الناسِ بشرطِ أن يشهدَ شاهدانِ على أنّه منَ القرآن، وقد صرّحَ بجميعِ ذلكَ في عدّةٍ منَ الروايات، والعادةُ تقضي بفواتِ شيءٍ منه على المُتصدّي لذلكَ، إذا كانَ غيرَ معصوم، كما هوَ مشاهدٌ فيمَن يتصدّى لجمعِ شعرِ شاعرٍ واحدٍ أو أكثر، إذا كانَ هذا الشعرُ مُتفرّقاً، وهذا الحكمُ قطعيٌّ بمُقتضى العادة، ولا أقلَّ مِن احتمالِ وقوعِ التحريف، فإنَّ منَ المُحتملِ عدمُ إمكانِ إقامةِ شاهدين على بعضِ ما سمعَ منَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فلا يبقى وثوقٌ بعدمِ النقيصة.  

والجوابُ:  

إنَّ هذهِ الشبهةَ مُبتنيةٌ على صحّةِ الرواياتِ الواردةِ في كيفيّةِ جمعِ القرآنِ والأولى أن نذكرَ هذهِ الرواياتِ ثمَّ نعقّبُها بما يردُّ عليها)   

ثمَّ يذكرُ جميعَ الرواياتِ في البابِ ويقومُ بمُناقشتِها روايةً رواية ويبيّنُ ما فيها مِن تناقضٍ حيثُ يقول: (إنّها مُتناقضةٌ في أنفسِها فلا يمكنُ الاعتمادُ على شيءٍ منها، ومنَ الجديرِ بنا أن نُشيرَ إلى جُملةٍ مِن مُناقضاتِها..) ثمَّ يذكرُ هذهِ المُتناقضات بالتفصيل، وحيثُ لا يحملُ المقامُ ذكرَها هنا فيجبُ على المُهتمِّ الرجوعُ إلى تفسيرِ البيانِ للوقوفِ عليها.  

أمّا بالنسبةِ للسؤالِ الثاني: لابدَّ أن نُشيرَ أوّلاً إلى أنَّ هناكَ فرقاً بينَ وضعِ علامات الاعراب، وبين النقاط التي تميّزُ بين الحروف، فأمّا بالنسبة الى علاماتِ الاعرابِ فأوّلُ مَن قامَ بوضعِها هوَ أبو الأسودِ الدؤلي وقد كانَ ذلكَ بتوصيةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بعدَ أن أمرَه بوضعِ قواعدَ للنحو، أمّا بالنسبةِ لوضعِ النقاطِ على الحروفِ فقد قامَ بها تلميذُ أبو الأسودِ الدؤلي يحيى بنُ يَعمَر العدواني، ثمَّ تطوّرَ الأمرُ في ما بعد على يدِ الخليلِ بنِ أحمد الفراهيدي، الذي ابتدعَ أشكالاً خاصّةً لعلاماتِ الإعرابِ، وهيَ الضمّةُ والفتحةُ والكسرةُ والسّكون، فقَد كانَت العلاماتُ التي وضعَها أبو الأسودِ الدؤلي هيَ عبارةٌ عن نقاطٍ ما جعلها تختلطُ بنقاطِ الحروفِ التي وضعَها يحيى بنُ يعمر، ونتيجةً لهذهِ الجهودِ أصبحَ المصحفُ بالشكلِ الذي نراهُ اليوم، والفضلُ فيه يعودُ إلى هؤلاءِ الشيعةِ الذينَ عملوا على حفظِ القرآنِ منَ الأغلاطِ في قراءتِه وكتابتِه.