هل اللازمُ والمطلوبُ مِن بُغضِ أعداءِ محمّدٍ وآلِ محمّد والتبرّي منهُم هوَ الحقدُ عليهم والانفعالُ القلبيّ منهم؟ 

السّلامُ عليكم، هل اللازمُ والمطلوبُ مِن بُغضِ أعداءِ محمّدٍ وآلِ محمّد والتبرّي منهُم هوَ الحقدُ عليهم والانفعالُ القلبيّ منهم؟   وكيفَ يتناسبُ ذلكَ معَ حقيقةِ أنّهم خلقٌ مِن خلقِ اللهِ لم يحيدوا -مهما فعلوا- عن إرادةِ اللهِ تعالىٰ شيئاً ولم يخرجوا مِن سُلطانه؟  

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

منَ المؤكّدِ أنَّ الإسلامَ يقومُ في الأساسِ على الولاءِ والبراء، حيثُ يعني الولاءُ الانخراطَ في سبيلِ الحق، والانضمامَ إلى ركبِ دُعاتِه منَ الأنبياءِ والأولياء وعبادِ اللهِ الصالحين، وفي مقابلِ ذلكَ تكونُ البراءةُ بالابتعادِ عن سبيلِ الباطل، ومُعاداةِ كلِّ مَن يُمثّله ويدعو إليهِ مِن أبالسةِ الإنسِ والجن، فشعارُ المُسلمِ وبوّابةُ دخولِه إلى حصنِ الإسلام هيَ قولُ: (لا إلهَ إلّا الله محمّد رسولُ الله) حيثُ تلخّصُ هذهِ الكلماتُ اتّجاهَ المؤمنِ ومسارَه في الحياة، فالتوحيدُ ليسَ مُجرّدَ إيمانٍ قلبيّ منعزلٍ عن الحياةِ العمليّة للإنسان، وإنّما يجبُ أن يتجلّى كواقعٍ ملموسٍ في كلِّ الخياراتِ السّلوكيّة للإنسان، فقولُ: (لا إلهَ .. إلا الله) يدلُّ على أنَّ التوحيدَ هوَ الاستثناءُ الوحيدُ المُنبثقُ مِن ضميرِ الرفض، وبالتالي إذا كانَ الكفرُ بكلِّ الخياراتِ التي لا تتّصلُ باللهِ تعالى هيَ شرطُ تحقّقِ ولايةِ الله، فإنَّ ذلكَ يشترطُ أيضاً وجودَ خياراتٍ بديلةٍ تمثّلُ صلةَ الوصلِ الحقيقيّةَ معَ اللهِ تعالى، ومِن هُنا لا تكونُ العبارةُ كاملةً إلّا إذا اقترنَت بالقولِ (محمّد رسولُ الله) بوصفِه الخيارَ العمليَّ الذي بهِ تتحقّقُ ولايةُ اللهِ تعالى، وعليهِ فإنَّ الرفضَ الذي ينطلقُ مِن صميمِ الواقعِ المُزيّفِ والكُفرَ به، يقابله واقعٌ آخرُ حقيقيّ يجبُ التسليمُ له والانخراطُ في صفِّه، قالَ تعالى: (فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لاَ انفِصامَ لَها)، صحيحٌ أنَّ الكُفرَ بالطاغوتِ مُقدَّمٌ على الإيمانِ بالله، ولكِن في حقيقةِ الأمر نجدُ أنَّ الإيمانَ بأولياءِ اللهِ والتسليمَ لهم، هو الذي يحقّقُ الكُفرَ العمليّ بالطاغوت، قالَ تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغالِبُونَ)، فالانتماءُ لحزبِ اللهِ والسّيرُ في خطّه لا يتحقّقُ في الواقعِ العمليّ إلّا بولايةِ الرسولِ ومِن بعدِه ولايةِ المؤمنينَ الذينَ هُم الائمّةُ المعصومون.  

وإذا نظرنا إلى حقيقةِ هذا الولاءِ لوجدنا أنّه لا يستقيمُ إلّا بالمحبّةِ النابعةِ مِن عُمقِ الإيمانِ بالله، قالَ تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقالَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلهِ) وعن الإمامِ الصّادق (عليهِ السلام) قالَ: (وهل الدينُ إلّا الحُب)، وفي دعاءِ عرفة للإمامِ الحُسين (عليه السّلام) يقول: (أنتَ الذي أزلتَ الأغيارَ عن قلوبِ أحبّائِك حتّى لم يحبّوا سواكَ ولم يلجأوا إلى غيرِك). في أدعيةِ الإمامِ السجّاد (عليهِ السلام) الكثيرُ منَ العباراتِ التي تؤكّدُ على محبّةِ الله، حيثُ يقول: (إلهي مَن ذا الذي ذاقَ حلاوةَ محبّتِك فرامَ منكَ بدلاً ومَن ذا الذي أنسَ بقُربِك فابتغى عنكَ حولاً فاجعلني ممَّن اصطفيتَه لقُربِك وولايتِك وأخلصتَه لودِّك ومحبّتِك وشوّقتَه إلى لقائِك ورضيّتَه بقضائِك ومنحتَه بالنظرِ إلى وجهِك…) ثمَّ قال: (اللهمَّ اجعلنا ممَّن دأبُهم الارتياحُ إليك… وقلوبُهم مُعلّقةٌ بمحبّتك…) وقالَ: (أسئلكَ حبّك وحبَّ مَن يحبّك وحبَّ كلَّ عملٍ يوصلُ إلى قُربِك).  

ووردَ عن الإمامِ الصادقِ عليهِ السّلام قولُه: (حبُّ اللهِ إذا أضاءَ على سرِّ عبدٍ أخلاهُ مِن كلِّ شاغلٍ وكلِّ ذكرٍ سوى الله، والمحبُّ أخلصُ الناسِ سرّاً لله، وأصدقُهم قولاً، وأوفاهُم عهداً، وأزكاهُم عملاً، وأصفاهُم ذِكراً، وأعبدَهم نفساً، تتباهى الملائكةُ عندَ مُناجاتِه، وتفتخرُ برؤيتِه، وبهِ يعمرُ اللهُ بلادَه، وبكرامتِه يكرّمُ اللهُ عبادَه ويعطيهم إذا سألوهُ بحقّه، ويدفعُ عنهم البلايا برحمتِه، ولو علمَ الخلقُ ما محلّه عندَ اللهِ ومنزلتُه لديه ما تقرّبوا إلى اللهِ إلّا بترابِ قدميه).  

وكما أنَّ ولايةَ اللهِ لا تكونُ على المُستوى العمليّ والتطبيقِ الخارجي إلّا عبرَ موالاةِ أوليائِه، كذلكَ محبّةُ اللهِ تُترجمُ في الواقعِ العمليّ عبرَ محبّةِ أوليائِه منَ الأنبياءِ والأئمّةِ الذينَ فرضَ علينا مولاتَهم.   

وبما أنَّ البراءةَ تقعُ في الاتّجاهِ المُعاكسِ تماماً للولاء، فإنَّ كلَّ ما يكونُ في الولاءِ يجبُ أن يكونَ ضدّه في البراء، وعليهِ إذا كانَ سرُّ الولاءِ وجوهرُه هوَ الحب، فإنَّ سرَّ البراءِ وجوهرَه هوَ البُغض، ومِن هُنا لا نفهمُ البراءةَ بعيداً عن البُغضِ والعداوة، ومنَ المؤكّدِ أنَّ البُغضَ على مُستوى المعنى القلبيّ أو على مُستوى المفهومِ النظري هوَ أمرٌ بسيطٌ لا تركيبَ فيه، بمعنى متى ما تحقّقَ في القلبِ تحقّقَ بكلِّ معانيه بما فيهِ الحقدُ والانفعال، ولم نفهَم اعتراضَ السائلِ بعدمِ مناسبةِ هذا النوعِ منَ البُغض معَ كونِهم خلقاً لله، فاللهُ لم يخلقهم على الباطلِ ولم يُجبرهُم على التمرّدِ على الحق، وإنّما هُم الذينَ اختاروا هذا المسلكَ وارتضوا لأنفسِهم هذا الموقفَ، فلو استجابَ إبليسُ لأمرِ اللهِ ولم يخرُج عن طاعتِه لكانَ واجباً علينا محبّتُه، إلّا أنّه كفرَ وتمرّدَ فحقَّ عليهِ اللعنُ والبراءة والبُغضُ والعذابُ الأليم.

أمّا قولُ السائلِ أنّهم لم يحيدوا مهما فعلوا عن إرادةِ اللهِ وسُلطانه، قولٌ يُشمُّ منهُ رائحةُ الجبر، كأنَّ اللهَ هوَ الذي أجبرَهم على مُعاداةِ الحق، وهذا غيرُ صحيحٍ فإنَّ اللهَ هدى جميعَ خلقِه بالهدايةِ التكوينيّة والتشريعيّة ثمَّ جعلَ لهُم الخيارَ (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر)، وبالتالي الكفرُ والتمرّدُ على الحقِّ هوَ فعلُ أعداءِ اللهِ الذينَ يجبُ البراءةُ منهم ولعنُهم والحقدُ عليهم، وهُنا لابدَّ أن نُفرّقَ بينَ الغضبِ النابعِ مِن هوى النفسِ وبينَ الغضبِ للهِ وللحق، فالأوّلُ مرفوضٌ والثاني مطلوب، وعليهِ فإنَّ البراءةَ مِن أعداءِ آلِ محمّدٍ هوَ نوعٌ منَ البُغضِ للباطلِ وتعبيرٌ عن المحبّةِ للحقِّ المُتمثّلِ في الائمّةِ (عليهم السّلام).