ما معنى الأمّةِ، وما معنى القريةِ في القرآنِ الكريم، وما الفرقُ بينَهما؟ 

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،  

سنُبيّنُ ما وقفنا عليهِ مِن معاني هاتينِ الكلمتين، ومِن هناكَ سنعرفُ الفرقَ بينَهما، إذ كلٌّ منهما لهُ استعمالٌ يعدُّ الأشهرَ والأغلب، ولهُ معنىً خاص يُعرفُ مِن خلالِ سياقِ الآيةِ التي وردَت فيها الكلمة، وفيما يلي بيانُ ذلك:   

فأمّا لفظُ (الأمّة) في اللغةِ يعني: كلَّ جماعةٍ يجمعُهم أمرٌ ما؛ إمّا دينٌ واحدٌ، أو زمانٌ واحد، أو مكانٌ واحد؛ وبتعبيرٍ آخر لفظُ (الأمّة) يعني: الجيلَ والجنسَ مِن كلِّ حيٍّ. ويُجمعُ هذا اللفظُ على (أممٍ). قالَ صاحبُ "اللسانِ" ما معناه: كلُّ مُشتقّاتِ هذهِ المادّةِ ترجعُ إلى معنى (القصدِ)، ولا يخرجُ شيءٌ منها عَن ذلك.  

ثمَّ إنّ لفظَ (الأمّةِ) في القرآنِ وردَ على سبعةِ معانٍ:  

أحدُها: الجماعةُ منَ الناسِ، وهوَ الاستعمالُ الغالبُ في القرآنِ، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {تلكَ أمّةٌ قد خلَت} (البقرةُ:141)، أي: الجماعةُ منَ الناسِ؛ ومثلهُ قولهُ سُبحانَه: {ولتكُن منكُم أمّةٌ يدعونَ إلى الخير} (آلُ عمران:104).  

ثانيها: الشريعةُ والطريقةُ والمنهجُ، وعلى هذا المعنى جاءَ قولهُ تعالى: {إنّا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ} (الزخرفُ:22)، أي: على طريقةٍ ومنهجٍ منَ الدينِ، نحنُ سائرونَ عليه، لا نحيدُ عنه.  

ثالثُها: الرجلُ المُقتدى بهِ في كلِّ شيءٍ، ومنهُ قولهُ سُبحانَه: {إنَّ إبراهيمَ كانَ أمّةً} (إبراهيم:120)، أي: كانَ إماماً وقدوةً للنّاسِ، يهتدونَ بهديه، ويقتدونَ بنهجِه.  

رابعُها: الفترةُ منَ الزمن، ومنهُ قولهُ تعالى: {وقالَ الذي نجا منهُما وادّكرَ بعدَ أمّة} (يوسف:45)، أي: بعدَ فترةٍ منَ الزمنِ، وعلى هذا المعنى قوله تعالى أيضاً: {ولئِن أخّرنا عنهم العذابَ إلى أمّةٍ معدودةٍ} (هود:8)، أي: إلى أجلٍ معلوم.  

خامسُها: الخلقُ عموماً، مِن إنسانٍ وغيرِه، وعلى هذا المعنى جاءَ قولهُ سبحانَه: {وما مِن دابّةٍ في الأرضِ ولا طائرٍ يطيرُ بجناحيهِ إلّا أممٌ أمثالُكم} (الأنعامُ:38)، يعني: خلقاً مثلكم.  

سادسُها: أمّةُ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وأهلُ الإسلامِ خاصّةً، وعليهِ قولهُ تعالى: {كنتُم خيرَ أمّةٍ أخرجَت للنّاس} (البقرةُ:110)، أي: الأمّةُ المُسلِمةُ؛ ومنهُ قولهُ سبحانَه: {وكذلكَ جعلناكُم أمّةً وسطاً} (البقرة:143)، يعني: المُسلمينَ خاصّة.  

وأمّا لفظُ القريةِ، فمعاجمُ العربيّةِ تذكرُ أنَّ لفظَ (قري) يدلُّ على جمعٍ واجتماعٍ، فمِن ذلكَ (القريةُ)، سُمّيَت قريةً لاجتماعِ الناسِ فيها. وكما أنَّ لفظَ (القريةِ) هوَ اسمٌ للموضعِ الذي يجتمعُ فيهِ الناس، فهوَ أيضاً اسمٌ للناسِ جميعاً، ويُستعمَلُ في كلِّ واحٍد منهُما. ويقولونَ: قريتُ الماءَ في المقراةِ: جمعتُه، وذلكَ الماءُ المجموعُ قري. وجمعُ (القريةِ): قُرىً. والمقراةُ: الجفنةُ (وعاءُ الطعامِ)، سُمّيَت لاجتماعِ الضيفِ عليها، أو لِما جُمعَ فيها مِن طعام. وقرى الضيفَ يقريه: ضيَّفه.  

  

ولفظُ (القريةِ) وردَ في القرآنِ الكريمِ في ستّةٍ وخمسينَ موضعاً، جاءَ في جميعِها بصيغةِ الاسم، ولم يأتِ بصيغةِ الفعل. وجاءَ هذا الاسمُ في أكثرِ مواضعِه بصيغةِ المُفرَد، نحوَ قولِه تعالى: {ربّنا أخرِجنا مِن هذهِ القريةِ الظالمِ أهلُها} (النساءُ:75)، وجاءَ في مواضعَ أقلَّ بصيغةِ الجمع، مِن ذلكَ قولهُ سُبحانَه: {ولتنذرَ أمَّ القرى ومَن حولها} (الأنعامُ:92).  

ولفظُ (القريةِ) وردَ في القرآنِ الكريمِ على عدّةِ معانٍ، نسوقُها على النحوِ التالي:  

1- (القريةُ) ويرادُ بها مُجتمعُ الناسِ في أيّ موضعٍ، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {وإن مِن قريةٍ إلّا نحنُ مُهلكوها قبلَ يومِ القيامة} (الإسراءُ:58)، وقولهُ سبحانَه: {وكأينٍ مِن قريةٍ أمليتُ لها وهيَ ظالمةٌ ثمَّ أخذتُها} (الحجُّ:48).  

2- (القريةُ) ويُرادُ بها (مكّةَ المُكرّمة)، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {وضربَ اللهُ مثلاً قريةً كانَت آمنةً مُطمئنّةً} (النحل:112). ونحو هذا قولهُ سبحانَه: {وكأينٍ مِن قريةٍ هيَ أشدُّ قوّةً مِن قريتِك التي أخرجَتك} (محمّد:3). وقولهُ تعالى: {الذينَ يقولونَ ربّنا أخرِجنا مِن هذهِ القريةِ الظالمِ أهلُها} (النساءُ:75)، فالمرادُ بـ {القريةِ} في هذهِ الآياتِ ونحوِها مكّةَ المُكرّمة. كما في بعضِ الرّوايات.  

3- (القريةُ) ويرادُ بها (مكّةُ والطائف)، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {وقالوا لولا نزلَ هذا القرآنُ على رجلٍ منَ القريتينِ عظيم} (الزخرفُ:31)، فقد قالَ المُشركونَ باللهِ مِن قُريشٍ لمّا جاءَهم القرآنُ مِن عندِ الله: هذا سحرٌ، فإن كانَ حقّاً، فهلا نزلَ على رجلٍ عظيمٍ مِن إحدى هاتينِ القريتينِ مكّة أو الطائف. وليسَ في القرآنِ لفظُ (القريةِ) على هذا المعنى غيرِ هذهِ الآية.  

4- (القريةُ) ويرادُ بها (أنطاكية)، وذلكَ قولهُ تعالى: {واضرِب لهُم مثلاً أصحابَ القريةِ إذ جاءَها المُرسلون} (يس:13)، روى الطبريُّ عن قتادةَ، قالَ: ذُكرَ لنا أنَّ عيسى بنَ مريم بعثَ رجلينِ منَ الحواريّينَ إلى أنطاكية -مدينةٍ بالرّوم، لعلّها اليومَ في تُركيا- فكذبوهُما.  

5- (القريةُ) ويرادُ بها (بيتُ المقدِس)، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {وإذ قُلنا ادخلوا هذهِ القرية} (البقرةُ:58)، روى عن قتادةَ وغيرِه، قالَ: بيتُ المقدسِ. وعلى هذا قولهُ سُبحانَه: {وإذ قيلَ لهُم اسكنوا هذهِ القرية} (الأعرافُ:161)، قالَ الطبريّ: هيَ قريةُ بيتِ المقدس.

6- (القريةُ) ويُرادُ بها (سدوم)، مدينةٌ مِن مدائنِ قومِ لوط، وذلكَ قولهُ تعالى: {إنّا مُنزلونَ على أهلِ هذهِ القريةِ رجزاً منَ السّماء} (العنكبوت:34)، ذكرَ الطبريُّ أنَّ المُرادَ بـ (القريةِ) هُنا قريةُ (سدوم)، وهيَ مِن قُرى فلسطين اليوم.  

7- (القريةُ) ويرادُ بها (نينوى)، وذلكَ قوله تعالى: {فلولا كانَت قريةٌ آمنَت فنفعَها إيمانُها إلّا قومُ يونس} (يونس:98)، قالَ قتادة: ذُكِرَ لنا أنَّ قومَ يونس كانوا بـ (نينوى) أرضِ الموصل.  

8- (القريةُ) ويُرادُ بها (الأيلة)، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {حتّى إذا أتيا أهلَ قريةٍ} (الكهف:77)، روى الطبريُّ عن ابنِ سيرين أنّها الأيلة. ونحوُ ذلكَ قولهُ سبحانَه: {واسألهم عن القرية} (الأعرافُ:163)، روى عن ابنِ عبّاس رضيَ اللهُ عنهما، قالَ: هيَ قريةٌ يُقالُ لها: أيلة (تقعُ في أقصى جنوبِ فلسطين)، بينَ مدينَ والطور. وهذا قولٌ في المُرادِ بـ (القريةِ) في هذهِ الآية.  

  

9- (القريةُ) ويرادُ بها (مصر)، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: {واسأل القريةَ التي كُنّا فيها} (يوسف:82)، قالَ الطبريّ: هيَ مصر.  

وعلى ضوءِ ما تقدّمَ، يمكنُ القولُ أنَّ لفظَ (القريةِ) أكثرَ ما وردَ في القرآنِ الكريمِ على المكانِ الذي يجتمعُ فيهِ الناس، وهذا ما يدلُّ عليهِ المعنى اللغويّ أساساً، أمّا المعاني الأخرى التي حُملَ عليها معنى (القريةِ) في القرآنِ، فقد أرشدَت إليهِ بعضُ الرواياتِ، فعيّنَت المُرادَ منها. ودمتُم سالِمين.