هل العنصرُ البشريُّ مِن نتاجِ مَن ركبَ سفينةَ نوح (ع)؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،هذه المسألةُ عرضَ لها المفسّرونَ مِن أهلِ العلمِ عندَ تفسيرِهم لقولِه تعالى: {وَجَعَلنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ} [الصافّاتُ: 77]، وبيّنوا أنّ هناكَ رأياً مشهوراً يذهبُ إليهِ جمهورُ أهلِ العلم، وحاصلهُ: أنّ كلَّ أجيالِ البشرِ التي أتَت بعدَ نوحٍ هيَ مِن ذُريّتِه . وقد نقلَ الكثيرُ منَ المؤرّخينَ بقاءَ ثلاثةِ أولادٍ مِن ذُريّةِ نوحٍ هُم ( سام ) و ( حام ) و ( يافث ) بعدَ الطوفانِ ، وكلُّ القوميّاتِ الموجودةِ اليوم على الكرةِ الأرضيّةِ تنتهي إليهم . وقد أطلِقَ على العِرقِ العربيّ والفارسيّ والروميّ العِرق السّامي ، فيما عُرفَ العرقُ التركيّ ومجموعةٌ أخرى بأنّهم مِن أولادِ " يافث " ، أمّا " حام " فإنّ ذريّتهَ تنتشرُ في السودانِ والسندِ والهندِ والنوبةِ والحبشة ، كما أنَّ الأقباطَ والبربرَ هُم مِن ذُريّتِه أيضاً . وفي مقابلِ هذا الرأيّ المشهورِ يطرحُ بعضُ المُفسّرينَ سؤالينِ ينتجُ مِن خلالهما رأيٌ آخرُ في هذا المقام، وحاصلُ السّؤالِ الأوّل: هل كلُّ القوميّاتِ البشريّةِ تعودُ في أصلِها إلى أولادِ نوحٍ الثلاثة؟ والآخرُ: ماذا كانَ مصيرُ المؤمنينَ الذينَ ركبوا السفينةَ معَ نوحٍ خلالَ الطوفان؟ وهل ماتوا جميعاً مِن دونِ أن يتركوا أيَّ خلفٍ لهم وإن كانَ لهُم ذُريّةٌ، فهل كانوا بناتٍ تزوّجنَّ مِن أولادِ نوح؟ هذهِ القضيّةُ مِن وجهةِ نظرِ التأريخِ لا تزالُ غامضةً، مع أنّ هناكَ أحاديثَ وآياتٍ تشيرُ إلى وجودِ أقوامٍ وأممٍ على الكُرةِ الأرضيّةِ لا ينتهي أصلُها إلى أولادِ نوح. فمنها ما وردَ في تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم القمّيّ عن الإمامِ الباقرِ (عليه السلام ) في توضيحِ الآيةِ المذكورةِ أعلاه: الحقُّ والنبوّةُ والكتابُ والإيمانُ في عقبه، وليسَ كلُّ مَن في الأرضِ من بني آدمَ مِن ولدِ نوحٍ (عليهِ السلام). قالَ اللهُ عزَّ وجل في كتابِه : احمِل فيها مِن كلِّ زوجينِ اثنين وأهلَك إلّا مَن سبقَ عليه القولُ منهم ومَن آمنَ وما آمنَ معهُ إلّا قليل، وقالَ اللهُ عزَّ وجلّ أيضاً : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ. وعلى هذا فإنَّ انتهاءَ كلِّ العروقِ الموجودةِ على الأرضِ إلى أبناءِ نوحٍ أمرٌ غيرُ ثابت. [يُنظر: الأمثلُ في تفسيرِ كتابِ اللهِ المُنزَل، ج ١٤، الشيخُ ناصِر مكارم الشيرازي، ص ٣٤٤، وتفسيرُ نورِ الثقلين وتفسيرُ كنزِ الدقائقِ عندَ تفسيرِ قولِه تعالى (وجعلنا ذريّتَه هُم الباقين). ودمتُم سالِمين.