ما هيَ حقيقةُ مقتلِ طفلِ الحُسينِ الرضيعِ وعرسِ القاسمِ وطلبِ عليٍّ الأكبرِ الماءَ مِن أبيه، فهل لهذهِ الأمورِ واقعٌ أم مجرّدُ خُرافات؟

: سيد حسن العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،هذهِ الأمورُ ليسَت خُرافات، بل ذكرَها المؤرّخونَ في كُتبِهم، فمقتلُ الطفلِ الرضيعِ وطلبُ عليٍّ الأكبرِ الماءَ مِن أبيه ذُكرَت في أقدمِ الكُتبِ التاريخيّةِ والمقاتلِ التي لا شكَّ فيها، وأمّا عرسُ القاسمِ فقد وردَت في بعضِ المقاتلِ في القرنِ العاشرِ وما بعد.  أمّا بالنسبةِ إلى الطفلِ الرضيع: فلا شكَّ عندَ أحدٍ منَ المؤرّخينَ والعلماءِ في شهادتِه ومقتلِه، فقد ذكرَه المؤرّخونَ قاطبةً، قالَ الخوارزميّ (ت 568 هـ): فتقدّمَ إلى بابِ الخيمةِ فقالَ : ناولوني عليّاً حتّى أودعَه ! فناولوهُ الصبيَّ، فجعلَ يقبّلهُ ويقولُ: ويلٌ لهؤلاءِ القومِ إذ كانَ خصمُهم جدّك ! فبينا الصبيّ في حِجرِه إذ رماهُ حرملةُ بنُ كاهلٍ الأسدي، فذبحَه في حجرِه، فتلقّى الحسينُ دمَه حتّى امتلأت كفُّه ثمَّ رمى بهِ نحوَ السماء، وقالَ:  اللهمَّ إن حبستَ عنّا النصرَ فاجعَل ذلكَ لِما هوَ خيرٌ لنا، ثمَّ نزلَ الحسينُ عن فرسِه وحفرَ للصبيّ بجفنِ سيفِه وزمّلَه بدمِه وصلّى عليه. (مقتلُ الحُسين للخوارزمي: 2 / 32، وقريبٌ منهُ ابنُ أعثم في الفتوح: 5 / 115، والشيخُ المفيدُ في الإرشاد: 2 / 108، والسيّدُ ابنُ طاووس في اللهوف، ص168، وإعلامُ الورى للطبرسي: 1 / 466، والاحتجاجُ للطبرسي: 2 / 25، وغيرُها منَ المصادر). قالَ الطبري: ( قالَ أبو مخنفٍ ) قالَ عقبةُ بنُ بشيرٍ الأسدي قالَ لي أبو جعفرٍ محمّدٌ بنُ عليٍّ بنِ الحُسين إنَّ لنا فيكُم يا بني أسدٍ دماً قالَ قلتُ فما ذنبي أنا في ذلكَ رحمَك الله يا أبا جعفرٍ وما ذلكَ قالَ أتى الحسينُ بصبيٍّ له فهوَ في حجرِه إذ رماهُ أحدُكم يا بني أسدٍ بسهمٍ فذبحَه فتلقّى الحسينُ دمَه فلمّا ملأ كفّيه صبَّه في الأرضِ ثمَّ قالَ ربِّ إن تكُ حبستَ عنّا النصرَ منَ السماءِ فاجعَل ذلكَ لِما هوَ خيرٌ وانتقِم لنا مِن هؤلاءِ الظالمينَ. (تاريخُ الطبري: 4 / 342). قالَ الباقرُ (عليهِ السلام): فلم يسقُط مِن ذلكَ الدمِ قطرةٌ إلى الأرض. (اللهوفُ لابنِ طاووس، ص169). ووردَ في زيارةِ الناحيةِ المُقدّسة: السلامُ على عبدِ اللهِ بنِ الحُسين، الطفلِ الرضيعِ، المرميّ الصريعِ، المُتشحّطِ دماً، المُصعدِ دمَه في السماء، المذبوحِ بالسهمِ في حجرِ أبيه، لعنَ اللهُ راميَه حرملةَ بنَ كاهلٍ الأسدي وذويه. (الإقبالُ لابنِ طاووس: 3 / 74). وللحادثةِ تفاصيلُ يرجعُ إلى كتابِ مقتلِ الحُسين للمقرّم، ص272.  أمّا بالنسبةِ إلى عرسِ القاسم: فقد ذكرَه بعضُ العلماءِ، أمثالِ الملّا حُسين الكاشفي (ت 910 هـ) في كتابِ روضةِ الشهداء، ص622، والشيخِ فخرِ الدينِ الطريحي (ت 1085 هـ) في كتابِه المُنتخَب، ص341، المجلسُ السابعُ منَ الجُزءِ الثاني، في الليلةِ التاسعةِ مِن عشرِ المُحرّم، والسيّدُ ضامنٌ بنُ شدقم ( ق 11 هـ ) في تُحفةِ لبِّ اللباب، ص216 – 217 رقم 76.  وأمّا بالنسبةِ إلى طلبِ عليٍّ الأكبرِ الماءَ مِن أبيه: فقد روى ذلكَ المؤرّخونَ وأربابُ المقاتل، قالَ ابنُ أعثم (ت 314 هـ): ثمَّ تقدّمَ مِن بعدِه عليٌّ بنُ الحُسين بنِ عليٍّ رضيَ اللهُ عنه وهوَ يومئذٍ ابنُ ثمانيَ عشرةَ سنة ، فتقدّمَ نحوَ القومِ ورفعَ الحسينُ شيبتَه نحوَ السماء وقالَ : اللهمَّ اشهَد على هؤلاءِ القوم ! فقد برزَ إليهم غلامٌ أشبهُ القومِ خلقاً وخُلقاً ومنطِقاً برسولِك محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم ... قالَ : ثمَّ تقدّمَ عليٌّ بنُ الحُسين بنِ عليّ عليهما السّلام وهوَ يقول : أنا عليٌّ بنُ الحُسينِ بنِ علي * مِن عصبةِ جدِّ أبيهم النبي  و اللهِ لا يحكمُ فينا ابنُ الدّعي * أطعنُكم بالرمحِ حتّى ينثني أضربُكم بالسيفِ أحمي عَن أبي * ضربَ غلامٍ علويٍّ قرشي ثمَّ حملَ رضيَ اللهُ عنه ، فلم يزَل يقاتلُ حتّى ضجَّ أهلُ الشامِ مِن يدِه ومِن كثرةِ مَن قتلَ منهم ، فرجعَ إلى أبيهِ وقد أصابَته جراحاتٌ كثيرة ، فقالَ : يا أبَهْ ! العطشُ قد قتلني ، وثقلُ الحديدِ قد أجهدَني ، فهل إلى شربةٍ منَ الماءِ سبيل . قالَ : فبكى الحسينُ ثمَّ قال : يا بُني ! قاتِل قليلاً فما أسرعَ ما تلقى جدّكَ مُحمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم فيسقيكَ بكأسِه الأوفى ! قالَ : فرجعَ عليٌّ بنُ الحُسين إلى الحربِ وهوَ يقول : الحربُ قد بانَت لها حقائقُ * وظهرَت مِن بعدِها مصادق واللهِ ربِّ العرشِ لا نفارقُ * جموعَكم أو تغمدوا البوارق ثمَّ حملَ ، فلم يزَل يقاتلُ حتّى قُتلَ - رحمَه الله – (الفتوحُ لابنِ أعثم الكوفي: 5 / 115، وقريبٌ منهُ الخوارزمي في مقتلِ الحُسين: 2 / 30، والسيّدُ ابنُ طاووس في اللهوف، ص166، وغيرُها منَ المصادر).وبناءً على ذلكَ: فلا يصحُّ وصفُ هذهِ الحوادثِ التاريخيّةِ المؤلمةِ بالخُرافات، فإنّها قد وردَت في كتبِ المؤرّخين.  والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.