هل النبيُّ موسى (ع) نافى العصمةَ عندَما سُئلَ هل هناكَ أعلمُ مِنك؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،أصلُ هذهِ القضيّةِ مرويّةٌ مِن طريقِ الفريقين، فمِن طرقِ العامّةِ أخرجَها البُخاريُّ ومُسلم والترمذيّ والنسائيّ وابنُ جرير وابنُ المُنذر وابنُ أبي حاتم وابنُ مردويه والبيهقيّ في الأسماءِ والصفاتِ مِن طريقِ سعيدٍ بنِ جبير قالَ قلتُ لابنِ عبّاس : إنَّ نوفاً البكالي يزعمُ أنَّ موسى صاحبَ الخضرِ ليسَ موسى صاحبَ بني إسرائيل؟ قالَ ابنُ عبّاس كذبَ عدوّ اللَّه حدّثنا أبيُّ بنُ كعب أنّه سمعَ رسولَ اللَّهِ (صلّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلّم ) يقولُ : إنَّ موسى قامَ خطيباً في بني إسرائيل فسُئلَ أيُّ الناسِ أعلمُ؟ فقالَ : أنا ! فعتبَ اللَّهُ عليهِ إذ لم يردَّ العلمَ إليه فأوحى اللَّهُ إليه أنَّ لي عبداً بمجمعِ البحرينِ هوَ أعلمُ منك ...إلخ. ومِن طرقِ الخاصّةِ ، أخرجَها الحرُّ العاملي، في كتابِه (الجواهرُ السنيّةُ ص ٦٨)، وفي تفسيرِ نورِ الثقلين 3 : 27 وفي تفسيرِ العيّاشي، وفي تفسيرِ القميّ عن أبي عبدِ الله (ع) ، قالَ لمّا كلّمَ اللهُ موسى وأنزلَ عليهِ الألواحَ رجعَ إلى بني إسرائيل فصعدَ المنبرَ، فأخبرَهم أنَّ اللهَ كلّمَه وأنزلَ عليهِ التوراةَ ثمَّ قالَ في نفسِه ما خلقَ اللهُ خلقاً أعلمَ منّي فأوحى اللهُ إلى جبرائيل أدرِك موسى فقد هلكَ وأعلِمه أنَّ عندَ مُلتقى البحرين عندَ الصّخرةِ الكبيرةِ رجلٌ أعلمُ منك فصِر إليهِ وتعلّم مِن علمِه فنزلَ جبرائيلُ على موسى فأخبرَه بذلكَ وذكرَ الحديث. وتوجيهُ مثلِ هذه الأمورِ هو بحسبِ ما يراهُ علماؤنا الأعلام، إذ بيّنوا أنّ كلَّ آيةٍ أو روايةٍ فيها عتابٌ أو تحذيرٌ للأنبياءِ فهيَ تجري مِن بابِ (إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة)، ليعلمَ أنّهم بشرٌ مخلوقون، فلا يغلو الناسُ في أمرِهم فيتّخذونَهم أرباباً يُعبدونَ مِن دونِ اللهِ تعالى. فهذهِ الرواياتُ وأمثالُها هيَ نظيرُ ما وردَ في القرآنِ الكريم كقولِه تعالى : لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ « 2 » ، وفي مثلِ قولِه تعالى : لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ « 3 » ، ومثلِ قوله: وَلَو لا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَماتِ « 4 » ، وما أشبهَ ذلك ، فاعتقادُنا فيه أنّه نزلَ على إيّاكَ أعني واسمعي يا جارة الخ . . فراجِع الاعتقادات ( تحقيقُ مؤسّسةِ الهادي ع )، الشيخُ الصّدوق، ص ٤٨٨،  وكتابَ آراء حولَ القرآن، للسيّدِ عليٍّ الفاني الأصفهاني، ص ١٣٧، والأربعونَ حديثاً، للشيخِ البهائيّ العاملي، ص ٤١٣، وغيرها منَ الكتبِ التي نبّهَت على ذلك.  فإذن: ليسَ هناكَ ما يستدعي نفيَ العصمةِ عن نبيّ اللهِ موسى (ع)، ولا عن غيرِه، وإن كانَ ما تكلّمَ به نبيُّ اللهِ موسى (ع) حقّاً باعتبارِه في زمانِه كانَ هوَ الأعلم، ولكن مع ذلكَ فاللهُ سُبحانَه وتعالى عاتبَه على ذلك، ليكونَ درساً له ولغيرِه مِن أبناءِ قومِه، ليتذكّروا دائماً أنّ فوقَ كلِّ ذي علمٍ عليم، فيبتعدوا عن لغةِ الأنا. ودمتُم سالِمين.