لماذا لم تكُن السيدة زينب (ع) معصومةً وهيَ بنتُ المعصومين؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،أوّلاً: لا شكّ أنّه لا مُلازمةَ بينَ أن يكونَ الإنسانُ ذا صفةٍ كماليّةٍ مُعيّنةٍ وبينَ أن يكونَ ولدُه مُتّصفاً بتلكَ الصفةِ أيضاً، فلو كانَ الإنسانُ عالِماً أو مؤمِناً مُتديّناً لا يلزمُ منه أن يكونَ ولدهُ عالِماً أو مؤمِناً مُتديّناً أيضاً، ولو كانَ نبيّاً أو إماماً لا يشترطُ أن يكونَ أبوهُ أو أخوهُ أو ابنُه نبيّاً أو إماماً، وهكذا الحالُ بالنسبةِ للعِصمة؛ فإنّه لا مُلازمةَ بينَ أن يكونَ الإنسانُ معصوماً وبينَ أن يكونَ ولدُه معصوماً أيضاً.  فهذا قابيلُ ابنُ النبيّ آدم والسيّدةِ حوّاء (عليهما السلام)، تولّدَ مِن أبوينِ كريمين، ومعَ ذلكَ لم يكُن نبيّاً ولا معصوماً ولا وصيّاً، بل كانَ مُشرِكاً بالله تعالى. وهكذا الحالُ بالعكس، فلو كانَ الإنسانُ كافراً أو فاسقاً، لا يلازمُ منه أن يكونَ ولدُه كذلك، فهذا مُحمّدٌ بنُ أبي بكر، حالهُ معروفٌ في الإيمانِ والولاءِ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، ومعَ ذلكَ فهذا حالُ أبيه وحالُ أختِه وحالُ أسرتِه، يقولُ اللهُ تعالى: { يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ } [سورة الروم: 19].  نعم، حالُ والدِ الإنسانِ ووالدتِه مؤثّرٌ في صياغةِ شخصيّةِ الإنسانِ بمقدارٍ ما، سواءٌ بالجيناتِ الوراثيّة، أو العاداتِ المُكتسبةِ، ومقدارُ هذا التأثيرِ متفاوتٌ مِن شخصٍ لشخص.  إذن: لا مُلازمةَ بينَ أن يكونَ الإنسانُ معصوماً وبينَ أن يكونَ ولدُه معصوماً، فقد يكونُ الولدُ معصوماً وقد لا يكونُ معصوماً، بل ربّما كانَ فاسِقاً أو كافراً، كما هوَ حالُ قابيل ابنِ النبيّ آدم (عليهِ السلام).   ثانياً: توجدُ نصوصٌ خاصّةٌ يُستفادُ مِنها: وجودُ خصوصيّةٍ لأولادِ السيّدةِ فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإنّها (عليها السلام) لا تلدُ إلّا صفيّاً، ولا تلدُ إلّا مَن يدخلُ الجنّة.  مِنها: الرواياتُ الواردةُ عندَ الفريقين: « إنّ فاطمةَ أحصنَت فرجَها فحرَّمَ اللهُ ذريَّتَها عَلى النَّارِ »، وقد وردَت رواياتٌ معصوميّةٌ عن الإمامينِ الصادقِ والرضا (عليهما السلام) تبيّنُ أنّ المُرادَ بـ (ذريّتها) هُم ولدُ بطنِها خاصّة، مِنها ما رواهُ الشيخُ الصّدوق في [معاني الأخبار ص106] بالإسنادِ عن حمّادٍ بنِ عثمان، قالَ : قلتُ لأبي عبدِ الله (عليهِ السلام) : جُعلتُ فداكَ، ما معنى قولِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) : « إنَّ فاطمةَ أحصنَت فرجَها فحرّمَ اللهُ ذُريّتَها على النار » ؟ فقالَ : « المُعتقونَ منَ النارِ هُم ولدُ بطنِها: الحسنُ ، والحُسين ، وزينبُ ، وأمُّ كلثوم ». [وينظر: معاني الأخبار ص105، عيونُ أخبارِ الرضا ج2 ص258].  فإنّه وإن لم تكُن ملازمةٌ بينَ اصطفاءِ شخصٍ واصطفاءِ ولده، إلّا أنّ الحالَ بالنسبةِ للسيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) هوَ وجودُ نحو اصطفاءٍ في أولادِها (عليهم السلام)؛ كرامةً منَ اللهِ تعالى لها ولأبيها وبعلِها (سلامُ اللهِ عليهم).   ثالثاً: إنّ السيّدةَ زينبَ (عليها السلام) هيَ بنتُ أميرِ المؤمنينَ وفاطمةَ الزهراء (عليهما السلام)، وقد حازَت على كمالاتٍ شريفةٍ ومناقبَ سنيّة.  وذهبَ بعضُ الأعلامِ إلى أنّها معصومةٌ، والعصمةُ لها ليسَت منَ العصمةِ الواجبة، وإنّما هيَ عصمةٌ جائزة؛ إذ العصمةُ ليسَت محصورةً في الأنبياءِ والأئمّةِ (عليهم السلام) فقط، فإنّها واجبةٌ فيهم وشرطٌ في منصبِهم، وأمّا غيرُهم فليسَت شرطاً فيهم، ولكن لا مانعَ مِن اتّصافِهم بها. ويستفاد من جملة من الأدلّة أنّ السيّدة زينب (عليها السلام) معصومة، فلا مانعَ ـ حينئذٍ ـ منَ البناءِ عليها، بعدَ عدمِ وجودِ محذورٍ فيها، وقد يُعبّر عنها في كلماتِهم بـ(العِصمةِ الصُّغرى).  قالَ العلّامةُ عبدُ اللهِ المامقانيّ في [تنقيحِ المقال ج3 ص79] ـ عندَ ذكرِ السيّدةِ زينب (عليها السلام): « ولو قلنا بعصمتِها لم يكُن لأحدٍ أن يُنكرَ إن كانَ عارِفاً بأحوالِها في الطفِّ وما بعدَه، كيفَ؟ ولولا ذلكَ لَمَا حمّلها الحسينُ (عليهِ السلام) مِقداراً مِن ثقلِ الإمامةِ أيّامَ مرضِ السجّادِ (عليهِ السلام)، وما أوصى إليها بجُملةٍ مِن وصاياه، ولَمَا أنابها السجّادُ نيابةً خاصّةً في بيانِ الأحكامِ وجُملةٍ مِن آثارِ الولايةِ ». وممَّن صرّحَ بذلكَ أيضاً: الفقيهُ السيّدُ نورُ الدينِ الجزائريّ في [الخصائصِ الزينبيّةِ ص56]، والعلّامةُ الدربنديّ في [إكسيرِ العِبادات ج2 ص634]، والفقيهُ السيّدُ مُحمّد صادِق الروحانيّ في [قربانِ الشهادةِ ص63]، وغيرُهم.الحاصلُ: لا مُلازمةَ بينَ اصطفاءِ شخصٍ وعصمتِه وبينَ اصطفاءِ وعصمةِ ولدِه، لكنَّ لأولادِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) خصوصيّةً وشأناً عظيماً عندَ الله تعالى، وقد ذهبَ بعضُ الأعلامِ إلى أنّ السيّدةَ زينب (عليها السّلام) معصومةٌ بالعِصمةِ الجائزة؛ استناداً لبعضِ الأدلّة.