هل إبليسُ منَ الملائكةِ أو منَ الجنِّ؟ لماذا ذكره القران مع الملائكة عندما امرهم الله بالسجود ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،هناكَ ثلاثُ نظريّاتٍ في جنسِ إبليس: النظريّةُ الأولى: أنّه منَ الجنِّ: إذ ذهبَ جمعٌ كثيرٌ منَ العلماءِ إلى أنَّ إبليسَ منَ الجنّ، إذ قالَ الشيخُ المُفيد (ره): إنّ الإماميّةَ على هذا الرّأي. [ ينظر: مجمعُ البيانِ للطبرسيّ (ج1/189)]. وكذلكَ قالَ الفخرُ الرّازي في تفسيرِه الكبير (ج2/ص213): إنَّ المُعتزلةَ ذهبوا إليه. وقد أقامَ هؤلاءِ العلماءُ أدلّةً، مِنها: الدليلُ الأوّل: هوَ وجودُ نصوصٍ قرآنيّةٍ تُثبِتُ أنّه منَ الجنِّ كقولِه تعالى: ﴿فَسجَدوا إِلاَّ إِبلیس کَانَ مِن الجِنِّ فَفَسقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50]، وقولِه تعالى على لسانِ إبليس لمّا سألَه اللهُ سبحانَه وتعالى عن سببِ رفضِه السجودَ لآدم لمّا أمرَه اللهُ بذلك ، فقالَ - لعنَه الله -: ( قَالَ أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ ) الأعرافُ/12 ، ص/76 ، فيدلُّ هذا على أنّه كانَ منَ الجنِّ، خصوصاً أنَّ اللهَ عزَّ وجلّ  قد بيّنَ أنّه خَلَقَ الجنَّ منَ النار ، قالَ تعالى : ( وَالجَانَّ خَلَقنَاهُ مِن قَبلُ مِن نَارِ السَّمُومِ ) [الحجر:  27]  ، وقالَ : ( وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَارِجٍ مِن نَارٍ )  [الرّحمن/15] .   الدليلُ الثاني: وجودُ بعضِ الأحاديثِ التي تؤيّدُ أنّ إبليسَ منَ الجنِّ. [ينظر: كشفُ الأسرارِ للمبيديّ (ج3/ص570)، والتبيانُ للطوسيّ (ج1/ص152)، وبحارُ الأنوارِ للمجلسي (ج60/ بابُ ذكرِ إبليس وقِصصِه)]، [وينظر: العيّاشي في تفسيرِه (ج1/ص34)، والبرهانُ (ج1/ص170)، والبحارُ ج11/ص144)]. الدليلُ الثالث: قولهم بأنّ إبليسَ لو كانَ منَ الملائكةِ لَـما عصى اللهَ سبحانَه، وذلكَ لأنّ الملائكةَ لا يعصونَ ما أمرَ اللهُ به، وقد جاءَ ذلكَ صريحاً في وَصَفِ اللهِ عزَّ وجل لملائكتِه في كتابِه الكريم إذ قالَ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ) التحريم /6 . وقالَ سبحانه : (بَل عِبادٌ مُكرَمون * لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وهُم بِأمرِهِ يَعمَلُونَ ) الأنبياءُ / 26 -27 . وقالَ : (وَلِلّهِ يَسجُدُ مَا فِي السَمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مِن دَابَّةٍ والمَلاَئِكَةُ وَهُم لاَ يَستَكبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ) النحلُ / 49 -50 . فلا يمكنُ أن يعصي الملائكةُ ربَّهم لأنّهم معصومونَ منَ الخطأ ومجبولونَ على الطاعةِ. في حينِ أنّ إبليسَ عصى أمرَ ربِّه كما تقدّمَ آنفاً في قولِه تعالى: على لسانِ إبليسَ لَمّا سألَه اللهُ سبحانَه وتعالى عن سببِ رفضِه السجودَ لآدم لمّا أمرَه اللهُ بذلك ، فقالَ - لعنَه الله -: ( قَالَ أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ ) الأعراف/12 ، ص/76 ، وقولهُ تعالى: (وَإِذ قُلنَا لِلمَلاَئِكَةِ اسجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِيَاءَ مِن دُونِي وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) الكهف / 50 . فيدلُّ هذا على أنّه كانَ منَ الجنِّ، ولم يكُن منَ الملائكة. وأمّا عن السببِ في ذكرِه بالخطابِ معَ الملائكةِ وجمعِه معهم، فقد أجابوا عن ذلكَ بما وردَ في تفسيرِ عليٍّ بن إبراهيم (ص32) بإسنادٍ مُعتبَر: عن أبيهِ عن ابنِ أبي عُمير عن جميلٍ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : سُئلَ عمّا ندبَ اللهُ الخلقَ إليه أدخلَ فيه الضُّلّالُ ؟ قال : نعَم والكافرونَ دخلوا فيه ، لأنَّ اللهَ تعالى أمرَ الملائكةَ بالسّجودِ لآدم فدخلَ في أمرِه الملائكةُ وإبليس ، فإنَّ إبليسَ كانَ منَ الملائكةِ في السّماءِ يعبدُ اللهَ وكانَت الملائكةُ تظنُّ أنّه منهم ولم يكُن منهم ، فلمّا أمرَ اللهُ الملائكةَ بالسّجودِ لآدمَ أخرجَ ما كانَ في قلبِ إبليس منَ الحسدِ فعلمَت الملائكةُ عندَ ذلكَ أنَّ إبليسَ لم يكُن منهم ، فقيلَ له : فكيفَ وقعَ الأمرُ على إبليس ، وإنّما أمرَ اللهُ الملائكةَ بالسّجودِ لآدم فقالَ : كانَ إبليسُ منهم بالولاءِ ولم يكُن مِن جنسِ الملائكة ، وذلكَ أنَّ اللهَ خلقَ خلقاً قبلَ آدم وكانَ إبليسُ فيهم حاكماً في الأرضِ فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعثَ اللهُ الملائكةَ فقتلوهم وأسروا إبليسَ ورفعوه إلى السّماءِ فكانَ معَ الملائكةِ يعبدُ اللهَ إلى أن خلقَ اللهُ تباركَ وتعالى آدم. [ينظر بحارُ الأنوار، ج ٦٠، العلّامةُ المجلسي، ص ٢٣٦].النظريّةُ الثانية: أنّه منَ الملائكة، إذ ذهبَ جمعٌ منَ العلماءِ إلى أنَّ إبليسَ منَ الملائكة، منهم الشيخُ الطوسي. [ينظرُ التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص150)]، ونسبَ الآلوسي هذا الرأيَ إلى أكثرِ الصحابةِ والتابعين. [ينظر روحُ المعاني (ج1/ص365)]، وقالَ هؤلاء: إنَّ إبليسَ كانَ قبلَ عصيانِه مِن أشرفِ الملائكةِ وأكرمِهم قبيلةً، وكانَ خازناً على الجنانِ، وكانَ له سلطانُ سماءِ الدنيا، وكانَ له سلطانُ الأرض. [ ينظر التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص151)]. وقد أقامَ القائلونَ بهذهِ النظريّةِ أدلّةً، هيَ:1- وجودُ بعضِ الرواياتِ التي تؤيّدُ ذلك. [ينظرُ نهجُ البلاغة، الخطبةُ رقم (92)، وجامعُ البيانِ للطبرسيّ (ج1/ص321)]. 2- أنّ ظاهرَ الآياتِ مثلَ قولِه تعالى: ﴿وإِذ قُلنَا لِلملَائِکةِ اسجُدوا﴾ يدلُّ على أنّه منَ الملائكة؛ وإلّا لَـما شملهُ أمرُ الله، وكانَ لإبليس ألّا يسجدَ بهذهِ الذريعة. [ينظر التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص153)]. فاستثناءُ إبليسَ منَ الملائكةِ يدلُّ على أنّه كانَ منهم، وإلّا يلزمُ أن يكونَ الاستثناءُ مُنقطِعاً وهوَ مجازٌ مُخالفٌ للظاهر. [ينظر التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص151)]. وأمّا الجوابُ عمّا يتعلّقُ باستدلالِ أصحابِ النظريّةِ الأولى بالآيةِ التي وردَ فيها أنّ إبليس: ﴿كانَ منَ الجنّ﴾، فقد أجابوا عن ذلكَ بأنَّ الجنَّ مِن أصنافِ الملائكة، ولعلَّ منشأهُ حديثُ ابنِ عبّاس، الذي ذكرَ أنَّ إبليسَ كانَ مِن قبيلةٍ منَ الملائكةِ تُسمّى بالجنِّ، ولم يُخلَق مِن نارِ السَّمومِ إلّا هذه القبيلة منَ الملائكة، والوجهُ في تسميتِهم بالجنِّ أنّهم كانوا خزنةَ الجنّةِ وقيلَ سمّوا بذلك؛ لاختفائِهم عن العيون. [ينظر التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص152)]. وأجابوا عن الاستدلالِ بعصمةِ الملائكةِ بأنَّ المُستفادَ مِن آياتِ القرآنِ عصمةُ بعضِ الملائكةِ لا كلّهم. [ينظرُ التبيانُ للطوسيّ (ج1/ص152)]. النظريّةُ الثالثة: أنّه ملكٌ ممسوخ، إذ ذهبَ بعضُهم إلى أنَّ إبليسَ كانَ قبلَ عصيانِه منَ الملائكة، وبعدَ عصيانِه مُسخَ وصارَ منَ الجن، [ينظر روحُ المعاني للآلوسي (ج1/ص365)]، وأجابَ أصحابُ هذه النظريّةِ عن معنى الآية: ﴿كانَ منَ الجنِّ﴾ أنّ كلمةَ (كانَ) هُنا بمعنى صارَ أي أنَّ إبليسَ صارَ منَ الجنِّ. ومنَ المُمكنِ أنَّ كلامَ الزمخشريّ ناظرٌ إلى هذهِ النظريّة، ومِن هُنا فُسّرَت الآيةُ: "﴿فاخرج منها﴾" بالخروجِ منَ الخلقِ الأوّليّ أي أنَّ إبليسَ كانَ في خلقِه الأوّليّ أبيضَ فاسودّ، وكانَ جميلاً فقبحَ، وكانَ نورانيّاً فأظلم. [ينظر تفسيرُ الزمخشريّ (ج4/ص107)]. ودمتُم سالِمين.