مامعنى الآية ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومِئذ ثمانية) من هم الثمانية الذين فوق الملائكة... ومن هم الكروبيّين ؟

: السيد رعد المرسومي

أمّا الجواب عن الشقّ الأوّل من السؤال، فقد ورد في تفسير قوله تعالى: (ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) عدّة روايات وأقوال مختلفة المضامين، ولكن ننقل منها ما توصّل إليه الشيخ الصدوق (ره) في كتابه اعتقادات الشيعة الإماميّة الذي عليه جمهور علماء الإماميّة. ففي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ  (2/384 ): قال : حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأمّا الآخرين : فمحمّد وعليّ والحسن والحسين . ومعنى يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ، يعني : العلم .وفي تأويل الآيات الباهرة ( 2/716 ) :  روى محمّد بن العبّاس ، عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن أحمد بن الحسين العلويّ ، عن محمّد بن حاتم ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر - عليه السّلام - يقول في قول الله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ قال : يعني : محمّد وعليّا والحسن والحسين ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، يعني : أنّ هؤلاء الَّذين حول العرش.ولذا قال الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب الاعتقادات (75) : وأمّا العرش الَّذي هو العلم، فحملته أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأمّا الأربعة من الآخرين : محمّد وعليّ والحسن والحسين .وروي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّة - عليهم السّلام - . [ينظر: تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، للمشهديّ (ج13/ص413) ].وأمّا الجواب عن الشقّ الثاني من السؤال، فقد ورد في (بحار الأنوار للعلامة المجلسي، (ج13/ص ٢٢٦)، نقلاً عن كتاب بصائر الدرجات  للصفّار عن أحمد بن محمد السياري، عن عبيد بن أبي عبد الله الفارسي وغيره رفعوه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش ، لو قُسِّمَ نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ، ثم قال : إن موسى عليه السلام لما أن سأل ربه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا .والملائكة الكروبيّون موجودون في السماء السادسة بناءً على ما ذكره ما ذكره العلّامة المجلسيّ، في بحار الأنوار، (ج18/ ص ٣٨٤) عن أبي بصير قال : سمعته يقول : إن جبرئيل احتمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى انتهى به إلى مكان من السماء ، ثم تركه ، وقال له : ما وطئ نبي قط مكانك . وروي أنه رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى ، وفي الثالثة يوسف ، وفي الرابعة إدريس ، وفي الخامسة هارون ، وفي السادسة الكروبيين، وفي السابعة خلقا وملائكة.ومن أخبار الكروبيّين ما تقرُّ به عيون المؤمنين من الشيعة الإماميّة ما ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار، (ج ٤٣/ص ٣١٥) عن سلمان الفارسي قال : أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قطف من العنب في غير أوانه فقال لي : يا سلمان ائتني بولدي الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب ، قال سلمان الفارسي : فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما فلم أرهما فأتيت منزل أختهما أم كلثوم فلم أرهما فجئت فخبرت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك . فاضطرب ووثب قائما وهو يقول : وا ولداه ، وا قرة عيناه ، من يرشدني عليهما فله على الله الجنة فنزل جبرئيل من السماء وقال : يا محمد علام هذا الانزعاج ؟ فقال : على ولدي الحسن والحسين ، فإني خائف عليهما من كيد اليهود ، فقال جبرئيل : يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين فإن كيدهم أشد من كيد اليهود ، واعلم يا محمد أن ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح فصار النبي ( صلى الله عليه وآله) من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتى دخلنا الحديقة وإذا هما نائمان وقد اعتنق أحدهما الاخر ، وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجهيهما . فلما رأى الثعبان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألقى ما كان في فيه فقال : السلام عليك يا رسول الله لست أنا ثعبانا ، ولكني ملك من ملائكة [ الله ] الكروبيين ، غفلت عن ذكر ربي طرفة عين ، فغضب علي ربي ومسخني ثعبانا كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض وإني منذ سنين كثيرة أقصد كريما على الله فأسأله أن يشفع لي عند ربي عسى أن يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت أولا إنه على كل شئ قدير . قال : فجثا النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقبلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) : انظرا يا ولدي هذا ملك من ملائكة الله الكروبيين ، قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين ، فجعله الله هكذا وأنا مستشفع بكما إلى الله تعالى فاشفعا له ، فوثب الحسن والحسين ( عليهما السلام) فأسبغا الوضوء ، وصليا ركعتين وقالا : اللهم بحق جدنا الجليل الحبيب محمد المصطفى وبأبينا علي المرتضى وبأمنا فاطمة الزهراء ، إلا ما رددته إلى حالته الأولى . قال : فما استتم دعاءهما فإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة ، وبشر ذلك الملك برضى الله عنه، وبرده إلى سيرته الأولى ثم ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبحون الله تعالى . ثم رجع جبرئيل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو متبسم وقال : يا رسول الله إن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم : من مثلي وأنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن والحسين .وقد ورد ذكر الكروبيّين في ثواب من زار الحسين (صلوات الله عليه ) ، إذْ أورد المجلسيّ في بحار الأنوار، (ج ٤٥/ص ٢٢٦)، نقلاً كتاب كامل الزيارة للثقة الجليل ابن قولويه بإسناده إلى أبي عبد - الله عليه السلام قال : إذا زرتم أبا عبد الله عليه السلام فالزموا الصمت إلا من خير ، وإن ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر ، فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء ، فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر ثم يكلمونهم ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء ، فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء ، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنهم شغلهم بكم إذا نطقتم قلت : جعلت فداك ، وما الذي يسألونهم عنه ، وأيهم يسأل صاحبه : الحفظة أو أهل الحائر ؟ قال : أهل الحائر يسألون الحفظة لان أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون ، والحفظة تنزل وتصعد ، قلت : فما ترى يسألونهم عنه ؟ قال : إنهم يمرون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء فربما وافقوا النبي صلى الله عليه وآله عنده وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من مضى منهم فيسألونهم عن أشياء وعمن حضر منكم الحائر ، ويقولون : بشروهم بدعائكم ، فتقول الحفظة : كيف نبشرهم وهم لا يسمعون كلامنا ؟ فيقولون لهم : باركوا عليهم وادعوا لهم عنا فهي البشارة منا وإذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتى يحسوا مكانكم وإنا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه ولو يعلموا ما في زيارته من الخير ، ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف ، ولباعوا أموالهم في إتيانه وإن فاطمة عليها السلام إذا نظرت إليهم ومعها ألف نبي وألف صديق ، وألف شهيد ومن الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء وإنها لتشهق شهقة فلا تبقى في السماوات ملك إلا بكى رحمة لصوتها ، وما تسكن حتى يأتيها النبي فيقول: يا بنية قد أبكيت أهل السماوات ، وشغلتهم عن التقديس والتسبيح ، فكفي حتى يقدسوا فان الله بالغ أمره ، وإنها لتنظر إلى من حضر منكم ، فتسأل الله لهم من كل خير ولا تزهدوا في إتيانه فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يحصى. ودمتم غانمين.