كيفَ نُدخلُ السرورَ على قلبِ الإمامِ المهدي (عج)؟ كيفَ نجعلهُ يرضى عنّا؟

السلام عليكم ..كيف ندخل السرور على قلب الامام المهدي (عج)كيف نجعله يرضى عنا؟ وهل الإمامُ المهديّ عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف يتنقّلُ بينَ الدول؟ هل هوَ وحيدٌ أم يلتقي بالناس؟ وكيفَ تُعرضُ عليهِ أعمالُنا؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الذي يسعى لكسبِ رضى الإمامِ المهدي (عليهِ السّلام) لا بدَّ أن يسعى لكسبِ رِضى اللهِ تعالى، فكلُّ عملٍ يستوجبُ رضاهُ سُبحانَه وتعالى يستوجبُ بالضرورةِ رِضا وسرورِ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام)، وكذلكَ ما يكونُ محلّاً لغضبِ اللهِ وسخطِه يكونُ أيضاً محلّاً لغضبِ الإمامِ وسخطِه، وهذا ما صرّحَ بهِ الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) بقولِه: (رِضا الله رِضانا أهلَ البيت)، ويقولُ الإمامُ الباقر (عليهِ السلام): (لا تَذهَب بِكُمُ المَذاهِبُ، فَوَاللهِ ما شيعَتُنا إلاّ مَن أَطَاعَ اللهَ)، وعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): (هيهات! لا يُخدَعُ اللهُ عن جنّتِه، ولا تُنالُ مرضاتُه إلّا بطاعتِه) وعليهِ فإنَّ الإسلامَ بكلِّ ما فيهِ مِن عقائدَ وتشريعاتٍ يُمثّلُ خُطّةَ عملٍ كاملةً لتحقيقِ رِضا اللهِ تعالى، ومِن ثمَّ رضا رسولِه والأئمّةِ مِن بعدِه. وقد صرّحَت الكثيرُ منَ الآياتِ القُرآنيّةِ بالأعمالِ التي تستوجبُ رِضا اللهِ تعالى، والمُتدبّرُ لآياتِ الكتابِ يجدُ أنَّ التقوى هيَ العملُ الجامعُ لكلِّ ما يُوجبُ رِضا اللهِ تعالى، قالَ تعالى: (وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، ويقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) في هذهِ الآية: (وأوصاكُم بالتقوى، وجعلَها مُنتهى رضاهُ وحاجتَه مِن خلقه)، حيثُ جعلَ التقوى هيَ مُنتهى رِضى اللهِ تعالى، وعليهِ لا يكونُ العبدُ مقبولاً عندَ اللهِ ومرضيّاً عنه عندَ رسولِه والأئمّةِ مِن أهلِ بيتِه إلّا بالتقوى، قالَ تعالى: (قُل أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيرٍ مِن ذَلِكُم لِلَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ)، وقد تحدّثَ أميرُ المؤمنينَ بالتفصيلِ عن صِفاتِ المُتّقينَ في حديثِه معَ همّام، فالذي يُجسّدُ تلكَ الصفاتِ أو يسعى في أن يكونَ منَ المُتّقينَ سيكونُ بالحتمِ مرضيّاً عندَ صاحبِ العصرِ والزمان، وليسَ ذلكَ بالأمرِ السهلِ وإنّما يحتاجُ إلى بذلِ قُصارى الجهدِ وتمامِ الوسع، فرِضا اللهِ تعالى عن عبدٍ ليسَ منحةً مجانيّةً يُقدّمُها المولى تعالى بلا ثمنٍ وبلا سعيٍ وجهدٍ منَ العبد. كيفَ؟ وقد صرّحَ القرآنُ الكريمُ بوجوبِ السعي في قولِه: (وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ * وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) فلكَي يكونَ العبدُ في حزبِ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام) لابدَّ أن يكونَ في حزبِ الله، قالَ تعالى: (لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءهُم أَو أَبنَاءهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحُون)، فعندَما يصبحُ حُبُّ اللهِ هوَ المحورَ الذي يقيمُ عليهِ الإنسانُ علاقاتِه ويضبطُ عليهِ أفعالَه حينَها يكونُ مِن حزبِ اللهِ الذينَ رضيَ عنهم.وقد وردَ رِضا اللهِ في كثيرٍ منَ الآياتِ القُرآنيّةِ ومِن خلالِها يمكنُنا الوقوفُ على الأفعالِ التي تجعلُنا مرضيّينَ عندَ صاحبِ الزمانِ (عليهِ السلام)، ومِن ذلكَ التحلّي بالصدقِ حيثُ قالَ تعالى عنه: (هَذَا يَومُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ)، والصِّدقُ هُنا أعمُّ منَ الصّدقِ في الحديثِ حيثُ يشملُ الصدقَ في جميعِ المواقفِ القلبيّةِ والسلوكيّةِ، وكذلكَ الشكرُ يوجبُ الرضوانَ، قالَ تعالى: (وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم)، وكذلكَ الجهادُ في سبيلِ اللهِ بالأموالِ والأنفس، حيثُ بشّرَ اللهُ المُجاهدينَ بالرّحمةِ والرّضوان، قالَ تعالى: (يُبَشِّرُهُم رَبُّهُم بِرَحمَةٍ مِنهُ وَرِضوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُم فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ)، وقد رضيَ اللهُ أيضاً عن المؤمنينَ والمؤمناتِ الآمرينَ بالمعروفِ والناهينَ عن المُنكرِ والمُقيمينَ الصّلاةَ والمؤتينَ الزكاةَ بقولِه: (وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ)، وهكذا لو تتبّعنا آياتِ القرآنِ لوجدنا أنَّ رضا اللهِ ليسَ شيئاً آخرَ غيرَ العملِ بما جاءَ في كتابِه.وفي المُحصّلةِ، إنَّ مقدارَ الطاعةِ والقربِ منَ اللهِ وهوَ الذي يُحدّدُ مقدارَ القُربِ مِن صاحبِ العصرِ والزمان، ففي الحديثِ: (مَن سرَّه أن يكونَ مِن أصحابِ القائمِ فلينتظِر، وليعمَل بالورع، ومحاسنِ الأخلاقِ وهوَ مُنتظِر، فإن ماتَ وقامَ القائمُ بعدَه كانَ له منَ الأجرِ مثلَ أجرِ مَن أدركَه، فجِدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتُها العصابةُ المرحومة)، فكلّما اقتربَ العبدُ منَ اللهِ كلّما اقتربَ مِن صاحبِ الزمانِ وكلّما اقتربَ مِن صاحبِ الزمانِ اقتربَ منَ اللهِ تعالى، وعليهِ منَ الضروريّ لكلِّ شيعيٍّ الرجوعُ إلى الرواياتِ التي تُحدّدُ صفاتِ الشيعةِ ليعرفَ مكانَه مِنها، وقد كتبَ الشيخُ الصّدوقُ كتاباً خاصّاً جمعَ فيهِ تلكَ الرواياتِ تحتَ عنوان (صفاتُ الشيعة)، وأوُّل تلكَ الأحاديثِ التي جمعَها هوَ قولُ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام): (شِيعَتُنَا أَهلُ اَلوَرَعِ وَاَلاِجتِهَادِ وَأَهلُ اَلوَفَاءِ وَاَلأَمَانَةِ وَأَهلُ اَلزُّهدِ وَاَلعِبَادَةِ أَصحَابُ إِحدَى وَخَمسِينَ رَكعَةً فِي اَليَومِ وَاَللَّيلَةِ اَلقَائِمُونَ بِاللَّيلِ اَلصَّائِمُونَ بِالنَّهَارِ يُزَكُّونَ أَموَالَهُم وَيَحُجُّونَ اَلبَيتَ وَيَجتَنِبُونَ كُلَّ مُحَرَّمٍ)، نسألُ اللهَ أن يُعينَنا على أنفسِنا وأن يوفّقنا للاقتداءِ بهم والسيرِ على هُداهم. أمّا بالنسبةِ للسؤالِ الثاني، فإنَّ الإمامَ المهديَّ حيٌّ موجودٌ وهوَ مُطّلعٌ على كلِّ ما يجري في الحياة، ولا علمَ لنا بتفاصيلِ ذلكَ وكيفيّةِ حدوثِه. أمّا عرضُ أعمالِ العبادِ على الإمامِ المهدي (عليهِ السلام)، فقد أجَبنا عنهُ سابقاً بشكلٍ مُفصّلٍ، ونشيرُ هُنا إلى بعضِ الرواياتِ التي تؤكّدُ حدوثَه، ففي الكافي بسندِه عن يعقوبَ بنِ شُعيب قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله (عليهِ السلام) عن قولِ اللهِ (عزّ وجل): (اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ) قالَ: «هُم الأئمّة». وفي تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم القُمّي بسندِه عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) في قولِه: (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ) قالَ: المؤمنونَ هَهُنا الأئمّةُ الطاهرونَ صلواتُ اللهِ عليهم). وقد جاءَت أخبارٌ كثيرةٌ تُبيّنُ عرضَ الأعمالِ على الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ بشكلٍ خاصٍّ مِنها، ما في الكافي بسندِه عن عبدِ اللهِ بنِ أبان الزيّاتِ وكانَ مكيناً عندَ الرّضا (عليهِ السلام) قالَ: قلتُ للرّضا: ادعُ اللهَ لي ولأهلِ بيتي فقالَ: (أو لستُ أفعل؟! واللهِ إنَّ أعمالَكم لتُعرَضُ عليَّ في كلِّ يومٍ وليلة. قالَ: فاستعظمتُ ذلك، فقالَ لي: أما تقرأ كتابَ اللهِ (عزّ وجل): (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ). قالَ: «هوَ واللهِ عليٌّ بنُ أبي طالب (عليهِ السلام)». والروايةُ وإن ذكرَت في آخرِها أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) فقط إلّا أنّ الإمامَ الرّضا (عليهِ السلام) قد ذكرَ عرضَ الأعمالِ عليهِ أيضاً، فأرادَ الإمامُ الرّضا (عليهِ السلام) مِن ذِكرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): أنَّ الآيةَ نزلَت في حقِّ أميرِ المؤمنينَ وهُم مشاركونَ له في عرضِ الأعمال.وبما أنَّ الإمامَ الحُجّةَ هوَ بقيّةُ اللهِ منَ الحُججِ فلابدَّ أن تُعرضَ عليهِ الأعمالُ أيضاً، بل إنَّ الإمامَ الحُجّةَ هوَ الذي تتنزّلُ عليهِ الملائكةُ والرّوحُ في ليلةِ القدر بأقدارِ العبادِ في كلِّ سنةٍ، ومنَ المؤكّدِ أنَّ ليلةَ القدرِ مُتكرّرةٌ كلَّ عام، ومنَ المؤكّدِ أيضاً أنَّ الروحَ والملائكةَ التي تنزلُ مِن عندِ اللهِ بكلِّ أمرٍ لا تنزلُ إلّا على معصوم؛ وإلّا اختلفَت أوامرُ اللهِ مِن شخصٍ لآخر، فعن أبي الحسنِ (عليهِ السلام)، في قولِه: تنزّلُ الملائكةُ والروحُ فيها، قالَ: تنزّلُ الملائكةُ وروحُ القُدس على إمامِ الزمانِ ويدفعونَ إليهِ ما قد كتبوهُ مِن هذهِ الأمور)، وفي روايةٍ أخرى قيلَ لأبي جعفرٍ (عليهِ السلام): تعرفونَ ليلةَ القدر؟ فقالَ: وكيفَ لا نعرفُ والملائكةُ يطوفون بنا بها). ولأجلِ ذلكَ كانَت ليلةُ القدرِ شاهدًا واضِحاً ودليلًا ساطعًا على حقيقةِ الإمامةِ وضرورةِ استمرارِها كما رويَ عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) أنّه قالَ: (يا معشرَ الشيعةِ خاصِموا بسورةِ (إِنَّا أَنزَلنَاهُ) تُفلِحوا؛ فواللهِ إنّها لحُجّةُ اللهِ تباركَ وتعالى على الخلقِ بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وإنّها لسيّدةُ دينِكم وإنّها لغايةُ علمِنا، يا معشرَ الشيعةِ خاصِموا بـ(حم (1) وَالكِتَابِ المُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ (4))، فإنّها لولاةِ الأمرِ خاصّةً بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).وعليهِ يكونُ الإمامُ المهدي مُطّلعاً على أعمالِ العبادِ أوّلاً في صورةِ التقديرِ في ليلةِ القدر، وثانياً يكونُ مُطّلعاً عليها بعدَ عملِ العبادِ حيثُ تُعرَضُ عليه، ولا يجوزُ مُخالفةُ ذلكَ انطلاقاً مِن مقاييسِ عالمِ المادّةِ والشهود، فإنَّ الإمامَ الحُجّةَ وإن كانَ بشراً إلّا أنّهُ حُجّةُ اللهِ على خلقِه وخليفتُه على أرضِه.