(تهدّمَت واللهِ أركانُ الهُدى) كيفَ عرف الشيعة أن جبرائيلَ (ع) ناداها بليلةِ جرحِ الإمامِ عليٍّ (ع)؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنَّ المنهجَ العلميَّ المُتّفقَ عليهِ في نقدِ التراثِ هوَ تتبّعُ رواةِ الحديثِ لمعرفةِ الصّادقِ مِنهم والثقةِ مِن غيره، فإن ثبتَت صحّةُ الروايةِ مِن ناحيةِ السّندِ كانَت صالحةً للإثباتِ التاريخيّ بلا خِلاف، وروايةُ سماعِ صوتِ مُنادٍ يُنادي (تهدّمَت واللهِ أركانُ الهُدى ...)، عندَ ضربةِ اللعينِ ابنِ ملجم لأميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام تحقّقَ بهذا هذا الشرطُ العلمي، فقد صرّحَ العلّامةُ المجلسي رحمَه اللهُ في بحارِه بصحّةِ الحديثِ، حيثُ قال: (والروايةُ الصحيحةُ أنّه باتَ [ أي عبدُ الرحمنِ بنُ ملجم ] في المسجدِ ومعَه رجلان: أحدُهما شبيبٌ بنُ بحيرة, والآخرُ وردانُ بنُ مجالد، يساعدانِه على قتلِ عليٍّ عليهِ السلام ..... فاصطفقَت أبوابُ الجامع، وضجَّت الملائكةُ في السماءِ بالدّعاء، وهبَّت ريحٌ عاصفٌ سوداءُ مُظلمة، ونادى جبرئيلُ عليهِ السلام بينَ السماءِ والأرض بصوتٍ يسمعُه كلُّ مُستيقظ: " تهدّمَت واللهِ أركانُ الهُدى، وانطمسَت واللهِ نجومُ السماءِ وأعلامُ التقى، وانفصمَت واللهِ العروةُ الوثقى، قُتِلَ ابنُ عمِّ محمّدٍ المُصطفى، قُتِلَ الوصيُّ المُجتبى، قُتِلَ عليٌّ المُرتضى، قُتِلَ واللهِ سيّدُ الأوصياء، قتلَه أشقى الأشقياء "). انتهى بحارُ الأنوار 42: 279. وصيحةُ جبرائيلَ عليهِ السلام لم تكُن الأولى التي سمعَها البشرُ العاديّون، فقد اتّفقَ الفريقانِ على روايةِ حديثِ سماعِ صوتِه عليهِ السلام في معركةِ أُحد فقد أخرجَ الطبريُّ في تاريخِه 3 ص 17 عن أبي رافعٍ قالَ: لمّا قتلَ عليٌّ بنُ أبي طالب (يومَ أحُد) أصحابَ الألويةِ أبصرَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله جماعةً مِن مُشركي قُريش فقالَ لعليٍّ: أحمِل عليهم. فحملَ عليهم ففرّقَ جمعَهم وقتلَ عمرو بنَ عبدِ الله الجمحي قالَ: ثمَّ أبصرَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله جماعةً مِن مُشركي قُريش فقالَ لعليٍّ: احمِل عليهم. فحملَ عليهم ففرّقَ جماعتَهم وقتلَ شيبةَ بنَ مالك فقالَ جبريل: يا رسولَ الله؟ إنَّ هذا للمواساةِ فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: إنّه منّي وأنا مِنه. فقالَ جبريلُ: وأنا مِنكما. قالَ فسمعوا صوتاً      لا سيفَ إلّا ذو الفقارِ      ولا فتى إلّا علي. وأخرجَه أحمدُ بنُ حنبل في الفضائلِ عن ابنِ عبّاس وابنِ هشام في سيرتِه 3 ص 52 عن ابنِ أبي نجيح والخثعمي في (الروضِ الأنف 2 ص 143) وابنِ أبي الحديدِ في (شرحِ النهج 1 ص 9) وقالَ: إنّه المشهورُ المروي وفي ج 2 ص 236 وقالَ: إنَّ رسولَ الله قالَ: هذا صوتُ جبريلَ وج‍ 3 ص 281, والخوارزميّ في (المناقبِ ص 104) عن محمّدٍ بنِ إسحاق بنِ يسار قالَ: هاجَت ريحٌ في ذلكَ اليومِ فسمعَ مُنادٍ يقول:  لا سيفَ إلّا ذو الفقار                 ولا فتى إلّا علي فإذا ندبتُم هالِكاً                       فابكوا الوفيَّ أخا الوفي.  ومِنها: صيحةُ جبريل في شهرِ رمضان قبلَ ظهورِ القائمِ عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه والتي تُعدُّ منَ العلاماتِ الحتميّةِ للظهورِ فقد روى نعيمٌ بنُ حمّادَ المروزي في كتابِ الفتن، ص62: حدّثنا أبو عُمر عن ابنِ لهيعةَ قالَ حدّثني عبدُ الوهابِ بنِ حُسين عن محمّدٍ بنِ ثابت البناني عن أبيهِ عن الحارثِ الهمداني عن ابنِ مسعود رضيَ اللهُ عنه عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قالَ (إذا كانَت صيحةٌ في رمضان فإنّه يكونُ معمعةٌ في شوّال وتمييزُ القبائلِ في ذي القعدةِ وتُسفَكُ الدّماءُ في ذي الحجّةِ والمُحرّم وما المُحرّمُ يقولُها ثلاثاً هيهات هيهات يُقتَلُ الناسُ فيها هرجاً هرجاً قالَ قُلنا وما الصيحةُ يا رسولَ الله ؟ قالَ هدّةٌ في النصفِ مِن رمضان ليلةَ جُمعةٍ فتكونُ هدّةٌ توقِظُ النائمَ وتُقعدُ القائمَ وتُخرِجُ العواتقَ مِن خدورهنَّ في ليلةِ جُمعةٍ في سنةٍ كثيرةِ الزلازلِ فإذا صلّيتم الفجرَ مِن يومِ الجُمعةِ فادخلوا بيوتَكم وأغلقوا أبوابَكم وسدّوا كواكُم ودثّروا أنفسَكم وسدّوا آذانَكم فإذا أحسَستم بالصيحةِ فخرّوا للهِ سُجّداً وقولوا سبحانَ القدّوسِ سُبحانَ القدّوس ربّنا القدّوسُ فإنَّ مَن فعلَ ذلكَ نجا ومَن لم يفعَل ذلكَ هلك).إذَن نرى مِن خلالِ هذهِ الشواهدِ أنّه لا مانعَ مِنها عقلاً ولا شرعاً مِن سماعِ صوتِ جبريل عليهِ السلام مِن قِبلِ عامّةِ الناسِ والمُلاحَظُ مِن خلالِ ما ذكَرنا أنَّ نزولَ جبريل عليهِ السلام وهتافَهُ كانَ في بيانِ مراحلَ مفصليّةٍ ومُهمّةٍ وهيَ بيانُ أنَّ المُؤمنَ الحقَّ والوصيَّ الحقَّ والوليَّ الحقَّ هوَ عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ أكّدَ هذا في معركةِ أحُد حينَ فرَّ القومُ وتركوا الرّسولَ وحيداً يجابِهُ الأعداءَ وكسرِ رُباعيّتِه صلواتُ اللهِ عليهِ وآله وأكّدَ ذلكَ حينَ قامَ المنافقونَ الخارجونَ على تضليلِ الناسِ فبيّنَ لهم مرّةً أخرى أنَّ الوليَّ الحقَّ هوَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليهِ السلام حينَما وقعَ في محرابِه ثمَّ يرجعُ مرّةً أخرى جبريلُ الأمينُ يُبيّنُ هذهِ الحقيقةَ للعالمِ مِن خلالِ النداءِ الأخير أنَّ الحقَّ في عليٍّ وشيعتِه حيثُ لا معذريّةَ بعدَ ذلك .    ودمتُم سالِمين.