ما هوَ الإعجازُ البيانيُّ لهاتينِ الآيتين من سورتي البقرة والاعراف ؟

{وَإِذ قُلنَا ادخُلُوا هَذِهِ القَريَةَ فَكُلُوا مِنهَا حَيثُ شِئتُم رَغَدًا وَادخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغفِر لَكُم خَطَايَاكُم وَسَنَزِيدُ المُحسِنِينَ} [البقرةُ : 58] {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَولًا غَيرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم فَأَنزَلنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ} [البقرة : 59]. مدنيّة. {وَإِذ قِيلَ لَهُمُ اسكُنُوا هَذِهِ القَريَةَ وَكُلُوا مِنهَا حَيثُ شِئتُم وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادخُلُوا البَابَ سُجَّدًا نَغفِر لَكُم خَطِيئَاتِكُم سَنَزِيدُ المُحسِنِينَ} [الأعرافُ : 161] {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم قَولًا غَيرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم فَأَرسَلنَا عَلَيهِم رِجزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظلِمُونَ} [الأعراف : 162].مكيّة

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إنَّ الآيةَ في سورةِ الأعرافِ مكيّةٌ، وكما تلاحظُ فإنَّ هذهِ الآيةَ قد مرَّت بلفظِها في سورةِ البقرةِ المدنيّةِ معَ تغييرِ قليلٍ مِن جهةِ بعضِ ألفاظِها. ولا بأسَ بوجودِ اختلافٍ بينَ العبارتينِ ما لم يكُن هناكَ تناقضٌ كما هوَ الحالُ هاهُنا، إذ لا تناقضَ بينَ قولِه: «اسكنوا هذهِ القريةَ وكُلوا منها» وبينَ قولِه: «فكُلوا»، لأنّهم إذا سكنوا القريةَ، فسيكونُ ذلكَ سبباً للأكلِ مِنها، فقد جمعوا في الوجودِ بينَ سُكناها والأكلِ مِنها. وسواءٌ قدّموا الحطّةَ على دخولِ البابِ أو أخّروها فهُم جامعونَ في الإيجادِ بينَهما. وتركُ ذكرِ الرغدِ لا يناقضُ إثباتَه كما لا يخفى على أهلِ العلم. وفي هذهِ الآيةِ ضربٌ منَ البلاغةِ دقيقُ المسلَك وهوَ وضعُ الظاهرِ موضعَ المُضمرِ زيادةً في تقبيحِ أمرِ بني إسرائيل. إذ في خصوصِ قولِه تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَولًا غَيرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم فَأَنزَلنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجزًا من السماء..)، نلاحظُ أنَّ القرآنَ الكريمَ كرّرَ عبارةَ (ظلموا) الثانية، وكانَ يمكنُ الاستغناءُ عنها بالضمير، فيقولُ: (فأنزلنا عليهم رِجزاً منَ السماء)، ولكنَّه عمدَ إلى أسلوبٍ معروفٍ في لغةِ العرب، يُسمّى بوضعِ الظاهرِ موضعَ المُضمرِ زيادةً في تقبيحِ أمرِ بني إسرائيل لـمّا تجاوزوا كلَّ حد. وممّا يؤيّدُ هذا الأسلوبَ ما تراهُ في شعرِ البُحتري في مطلعِ سينيّتِه، إذ يقول: (صِنتُ نفسي عمّا يُدنّسُ نفسي ... وترفّعتُ عن جَدَا كلِّ جبس). فلاحِظ أنّه كرّرَ كلمةَ نفسي الثانية، فلم يقُل يدنّسُها؛ وإنّما وضعَ الظاهرَ موضعَ المُضمرِ لهذا الغرضِ الجليل، وهوَ الزيادةُ في صيانةِ نفسِه والترفّع عن عطيّةِ كلِّ جبان. ودمتُم سالِمين.