كيف نفهم روايات سقوط الخمس عن الشيعة في زمن الغيبة؟

:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هنالكَ ثلاثُ طوائفَ منَ الأخبار: الطائفةُ الأولى: دلَّت على تحليلِ وإباحةِ الخُمسِ لشيعتِهم مُطلقاً. الطائفةُ الثانية: دلّت على عدمِ الإباحةِ مُطلقاً. الطائفةُ الثالثة: دلّت على إباحةِ الخُمسِ بالنسبةِ إلى مَن انتقلَ إليه الخُمس. أمّا الطائفةُ الأولى فجُملةٌ منَ الرّواياتِ سأقتصرُ على أهمِّها سنداً. الروايةُ الأولى: سعدٌ بنُ عبدِ الله عن أبي جعفرٍ عن العبّاسِ بنِ معروفٍ عن حمّاد بنِ عيسى عن حريزٍ بنِ عبدِ الله عن أبي بصيرٍ وزرارةَ ومحمّدٍ بنِ مُسلم عن أبي جعفرٍ (ع) قالَ: قالَ أميرُ المؤمنينَ (ع) هلكَ الناسُ في بطونِهم وفروجِهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ألا وإنَّ شيعتَنا مِن ذلكَ وآباءهم في حلٍّ. (التهذيبُ ج 4/ ص 182/ ح386 كتابُ الجِزية -بابُ الزياداتِ -باب 39-ح8) (وأوردَه في الاستبصارِ أيضاً). وهذهِ الروايةُ صحيحةُ السّندِ بلا ريب. الروايةُ الثانية: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ رضيَ اللهُ عنه قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّارِ عن العبّاسِ بنِ معروفٍ عن حمّاد بنِ عيسى عن حريزٍ عن زرارةَ عن أبي جعفرٍ (ع) أنّه قالَ: إنَّ أميرَ المؤمنينَ (ع) حلّلَهم منَ الخُمسِ -يعني الشيعةَ- ليطيبَ مولدُهم. (عللُ الشرائعِ للشيخِ الصّدوق/ ج2/ عله 106) أقولُ: والمُشكلةُ في هذهِ الطائفةِ منَ الرواياتِ في جهاتٍ عدّة. الجهةُ الأولى:  أنّها مُعارضةٌ برواياتِ الطائفةِ الثانيةِ والثالثةِ التي سأذكرُها فيما بعد. وعليهِ لا يصحُّ العملُ بها اعتماداً عليها. الجهةُ الثانية:  أنّها منافيةٌ لِما دلَّ على ثبوتِ حُكمِ الخُمس بإجماعِ مَن صلّى إلى القِبلة، والرواياتُ التي هذا شأنُها لا قيمةَ لها. الجهةُ الثالثة:  أنّها مُنافيةٌ للحِكمةِ التي مِن أجلِها شُرّعَ الخُمس وهيَ سدُّ حاجةِ بني هاشم والفقراءِ مِنهم، إذ بعدَ جحدِ العامّةِ لحقِّهم وتحريمِ الزكاةِ عليهم فمِن أينَ تسدُّ حاجاتُهم ؟. الجهةُ الرّابعة:  معارضتُها بجُملةٍ منَ الرواياتِ الآمرةِ بدفعِ الخُمس في كثيرٍ منَ الموارد. مِنها ما في التهذيبِ عن أحمدَ بنِ محمّدٍ عن عليٍّ بنِ الحكمِ عن فضالةَ عن سيفٍ عن أبي بكرٍ عن المُعلّى بنِ خنيس قالَ: قالَ أبو عبدِ الله (ع): خُذ مالَ الناصبِ حيثُ ما وجدتَ وادفَع إلينا خُمَسه. (تهذيبُ الأحكامِ للشيخِ الطوسي/ ج6/ ص 9/ح274). تهذيبُ الأحكامِ في شرحِ المُقنعة -الشيخُ المُفيد (127/ 1) محمّدٌ بنُ عليٍّ بنِ محبوب عن العبّاسِ بنِ معروف عن حمّادَ ابنِ عيسى عن حريزٍ عن زرارةَ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: سألتُه عن المعادنِ ما فيها؟ فقالَ: كلّما كانَ ركازاً ففيهِ الخُمس، وقالَ: ما عالجتَه بمالِك ففيهِ ممّا أخرجَ اللهُ مِنه مِن حِجارتِه مصفّى الخُمس. (تهذيبُ الأحكامِ للشيخِ الطوسي/ ج4/ ص 156/ح4 أو كتابُ الزكاةِ/ بابُ الخُمسِ والغنيمة/ ح 4). فلو كانَ مُباحاً للشيعةِ كما تقولُ الطائفةُ الأولى، إذن لأيّ شيءٍ يدفعونَ الخُمس ؟؟.  الطائفةُ الثانية: وهيَ جُملةٌ منَ الأخبارِ تدلُّ على نفي التحليلِ مُطلقاً خِلافاً للطائفةِ الأولى التي ذكرتُها. وهُنا سأقتصرُ على روايةٍ واحدةٍ صحيحةٍ رعايةً للاختصار.  محمّد بن يعقوبَ عن عَلِيٍّ بنِ إِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ قَالَ كُنتُ عِندَ أَبِي جَعفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) إِذ دَخَلَ عَلَيهِ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهلٍ وَ كَانَ يَتَوَلَّى لَهُ الوَقفَ بِقُمَّ فَقَالَ يَا سَيِّدِي اجعَلنِي مِن عَشَرَةِ آلَافٍ فِي حِلٍّ فَإِنِّي أَنفَقتُهَا فَقَالَ لَهُ أَنتَ فِي حِلٍّ فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ (عليه السلام) أَحَدُهُم يَثِبُ عَلَى أَموَالِ حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَيتَامِهِم وَ مَسَاكِينِهِم وَ فُقَرَائِهِم وَ أَبنَاءِ سَبِيلِهِم فَيَأخُذُهُ ثُمَّ يَجِي ءُ فَيَقُولُ اجعَلنِي فِي حِلٍّ أَتَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ لَا أَفعَلُ وَ اللَّهِ لَيَسأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ عَن ذَلِكَ سُؤَالًا حَثِيثاً. (الكافي كتابُ الحُجّة/ بابُ الفيءِ والأنفال/ ح 27). أقولُ: والروايةُ أوضحُ مِن أن تخفى على أحدٍ في التحريمِ المُطلَقِ وتحديداً عندَ قولِه عليهِ السلام (أَحَدُهُم يَثِبُ عَلَى أَموَالِ حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ) و(وَاللَّهِ لَيَسأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ عَن ذَلِكَ سُؤَالًا حَثِيثاً). حيثُ اعتبرَت هذهِ الروايةُ أنَّ الخُمسَ هيَ أموالٌ لهم عليهم السلام أي مُختصّةٌ بهم بنحوِ المُلك، ثمَّ عقّبَ بعدَ ذلكَ بأنَّ اللهَ تعالى سائلُهم عن الخُمسِ سؤالاً حثيثاً، ولا معنى لذلكَ (سؤالاً حثيثاً) إلّا لكونِ الناسِ قد أكلوا أموالَ آلِ مُحمّدٍ عليهم السلام. الطائفةُ الثالثة: وهيَ جُملةٌ منَ الرواياتِ التي مفادُها إباحةُ الخُمسِ لخصوصِ مَن انتقلَ إليهِ الخُمسُ وأفضلُها سنداً روايةُ الفقيه.قالَ الصدوقُ رحمَه اللهُ في الفقيه: ورويَ عن يونسَ بنِ يعقوب قالَ: " كنتُ عندَ أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام فدخلَ عليه رجلٌ منَ القمّاطينَ فقال: جعلتُ فداكَ تقعُ في أيدينا الأرباحُ والأموالُ وتجاراتٌ نعرفُ أنَّ حقّكَ فيها ثابتٌ وإنّا عن ذلكَ مُقصّرون؟ فقالَ عليهِ السلام: ما أنصفناكُم إن كلّفناكم ذلكَ اليوم.  (الفقيهُ للشيخِ الصّدوق / ج 2/ ص23/ح 15). الجمعُ بينَ الطوائف: أوّلاً: جمعُ شيخِ الحدائقِ رحمَه الله:عن شيخِ الحدائقِ رحمَه الله أنّه اختارَ أنَّ السّاقطَ إنّما هوَ حِصّةُ الإمامِ عليهِ السلام، وهيَ نصفُ الخُمسِ دونَ الباقي. (كتابُ الخُمس، الأوّلُ السيّدُ الخوئي (ص: 338)) قالَ السيّدُ الخوئي رحمَه اللهُ تعقيباً على كلامِ الحدائقِ ما هذا لفظُه (وهذا كما ترى مُجرّدُ اقتراحٍ مِن غيرِ أن يُعرفَ لهُ أيُّ وجهٍ). (كتابُ الخُمس، الأوّلُ السيّدُ الخوئي (ص: 339)). ومفادُه رحمَه الله أنَّ جمعَ شيخ الحدائقِ تبرّعيٌّ لا شاهدَ عليهِ ولا دليلَ فهو جمعٌ باطل. الثاني: جمعُ السيّدِ الخُوئي رحمَه الله: قالَ السيّدُ الخوئي رحمَه اللهُ (والأقوى في مقامِ الجمعِ حملُ نصوصِ التحليلِ على ما انتقلَ إلى الشيعةِ ممَّن لا يعتقدُ الخُمسَ – أو لا يخمّسُ وإن اعتقدَ كما ستعرف – وأمّا ما وجبَ على المُكلّفِ نفسُه فلا موجبَ لسقوطِه، ولم يتعلَّق بهِ التحليلُ فتكونُ نصوصُ التحليلِ ناظرةً إلى الأوّل، ونصوصُ العدمِ إلى الثاني). ومرادُه رحمَهُ الله أنَّ الطائفةَ الأولى وهيَ الطائفةُ المُحلّلةُ تُحمَلُ على صورةِ عدمِ اعتقادِ الشخصِ بأصلِ وجوبِ الخُمس. والطائفةُ الثانيةُ وهيَ المُحرّمةُ تحملُ على فرضِ الشخصِ الذي يعتقدُ بوجوبِ الخُمسِ غيرَ أنّه لا يُخمّس. ودليلُ الجمعِ هوَ رواياتُ الطائفةِ الثالثة، وعلى هذا سيكونُ جمعُ السيّدِ الخوئي ليسَ منَ الجمعِ التبرّعيّ الذي لا شاهدَ عليهِ ولا دليلَ، بل منَ الجمعِ الصّحيحِ الذي تقتضيهِ قواعدُ الجمعِ العُرفي. والشاهدُ على هذا الجمعِ روايةُ الفقيهِ حيثُ قالَ الشيخُ الصّدوقُ أعلى اللهُ مقامَه الشامخَ ما هذا لفظه: (ورويَ عن يونسَ بنِ يعقوب قالَ: " كنتُ عندَ أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام فدخلَ عليهِ رجلٌ منَ القمّاطينَ فقالَ: جُعلتَ فداكَ تقعُ في أيدينا الأرباحُ والأموالُ وتجاراتٌ نعرفُ أنَّ حقّكَ فيها ثابتٌ وإنّا عن ذلكَ مُقصّرون؟ فقالَ عليهِ السلام: ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلكَ اليوم). (الفقيهُ للشيخِ الصّدوق / ج 2/ ص23/ح 15).