خطابُ خالدٍ بنِ الوليد

ذكر الطبري خطابا لخالد بن الوليد جاء فيه؟ لو لم يلزمنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إلى الله عز وجل لم يكن الا المعاش لكن الرآي أن تقارع هذا ؟ ما هي الدوافع؟ لهذه

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  جاءَ في تاريخِ الطبريّ: (إنَّ خالداً بنَ الوليد وقفَ يخاطبُ جموعَ القبائلِ قبلَ فتحِ العراقِ قائِلاً: ألا ترونَ إلى الطعامِ كرفغِ التراب، وباللهِ لو لم يلزمنا الجهادُ في اللهِ والدعاءُ إلى اللهِ عزَّ وجل ولم يكُن إلاّ المعاشُ لكانَ الرأيُ أن نقارعَ على هذا الريفِ حتّى نكونَ أولى بهِ ونولّيَ الجوعَ والإقلالَ مَن تولّاه ممّا أثّاقلَ عمّا أنتم فيه) (الطبريُّ: ج 2، ص 255)، وقد جاءَ هذا الخطابُ في سياقِ ما يُسمّى بالفتوحاتِ الإسلاميّة، الأمرُ الذي يُقرّبنا مِن فهمِ الدوافعِ التي تقفُ خلفَه، فالفتوحاتُ في حقيقتِها لا تخرجُ عن كونِها عملاً سياسيّاً يهدفُ إلى صرفِ أنظارِ القبائلِ التي بدأت تطمعُ في السلطةِ بعدَ أن استفردَت قريشُ بالأمرِ في سقيفةِ بني ساعدة، حيثُ تمرّدَت تلكَ القبائلُ على السلطةِ القرشيّةِ وبدأت بالزحفِ نحوَ المدينة، ولذا كانَ الخيارُ الأفضلُ لصرفِ تفكيرِ هذه القبائلِ عن المُنافسةِ السياسيّةِ هوَ أن تتبنّى سلطةُ المدينةِ سياسةَ الغزوِ والفتوحاتِ لأراضٍ جديدةٍ خارجةٍ عن حدودِ الجزيرةِ العربيّة، فإنّ ذلكَ يُمثّلُ منَ الناحيةِ السياسيّةِ خياراً استراتيجيّاً يعملُ على توحيدِ هذه القبائلِ على أهدافٍ جديدة، كما يعملُ على استغلالِ الطاقاتِ القتاليّةِ للعربِ وتوجيهِها لتحقيقِ مكاسبَ جديدةٍ غير معهودةٍ لديهم، مُضافاً إلى أنَّ ذلكَ يوسّعُ سُلطانَهم ويكسبُهم مصادرَ دخلٍ وثرواتٍ جديدةً، وعليهِ فإنَّ الحربَ والمغانمَ هيَ الخيارُ الأمثلُ لصرفِ القبائلِ عن التفكيرِ في السلطةِ السياسيّة، والذي يؤكّدُ وجودَ مثلَ هذا التفكيرِ هو قولُ عبدِ اللهِ بنِ عامرٍ لعُثمانَ بنِ عفّان عندَ بدايةِ الثورةِ عليهِ حيثُ قالَ له: (رأيي لكَ يا أميرَ المؤمنين أن تأمرَهم بجهادٍ يشغلُهم عنكَ وأن تجمرَهم في المغازي حتّى يذلّوا لكَ فلا يكونُ همّةُ أحدِهم إلاّ نفسَه وما هوَ فيهِ مِن دبرةِ دابتِه وقملِ فروه...) (تاريخُ الطبري ج2 ص 643). وعليهِ فالمسارُ السياسيُّ وحدُه يجبُ أن تُقرأ بهِ حركةُ الفتوحاتِ الإسلاميّة، حتّى وإن كانَت المُحصّلةُ انتشاراً للإسلامِ في المناطقِ المفتوحة، وإلاّ كيفَ يمكنُ أن نتفهّمَ انشغالَ السلطةِ الحاكمةِ بحركاتِ ردّةٍ داخلَ الجزيرةِ العربيّةِ الحاضنِ الطبيعيّ للإسلام، وفي نفسِ الوقتِ تفكّرُ في نشرِ الإسلامِ في مناطقَ جديدةٍ خارجَ نطاقِها الجُغرافي؟ فإذا كانَ مقصدُها هوَ الدعوةُ فالأولى هوَ العملُ على نشرِ الإسلامِ في مناطقِ المُرتدّينَ ومُعالجةِ شُبهاتِهم والقيامِ بتثبيتِ الإسلامِ بينَ هذه القبائل، ومعَ هذه الأولويّةِ نجدُ أنَّ الجيوشَ التي خرجَت لحربِ (المُرتدّينَ) هيَ ذاتُها الجيوشُ التي اتّجهَت نحوَ العراقِ دونَ أن ترجعَ إلى المدينة. فقد جاءَ في فتوحِ البلدانِ للبلاذري: (قَالُوا: لمّا فرغَ مِن أمرِ أهلِ الردّةِ رأى توجيهَ الجيوشِ إِلَى الشام، فكتبَ إِلَى أهلِ مكّةَ والطائفِ واليمنِ وجميعِ العربِ بنجدٍ والحجازِ يستنفرُهم للجهادِ ويُرغّبُهم فيه وفي غنائمِ الروم، فسارعَ الناسُ إليهِ مِن بَينِ مُحتسبٍ وطامعٍ وأتو المدينةَ مِن كلِّ أوبٍ، فعقدَ ثلاثةَ ألويةٍ لثلاثةِ رجال...) (البلاذريّ فتوحُ البلدان: ج1 ص 128) وقد شكّكَ البعضُ في هذهِ الكلمةِ (بينَ مُحتسبٍ وطامع) بأنّها تقييمٌ خاصٌّ بالبلاذريّ وليسَ نقلاً تاريخيّاً وهوَ اجتهادٌ مردود، وليسَ في هذا الكلامِ تحاملٌ على البلاذري وحدَه وإنَّما تجاوزٌ للحقيقةِ الواضحةِ التي تعكسُ طبيعةَ البشر، فالتقييمُ الموضوعيُّ لمثلِ هذا الحدثِ كاشفٌ عن وجودِ المُخلصِ والطامع، بينَما الحكمُ عليهم جميعاً بالإخلاصِ هو الذي يتجاوزُ الموضوعيّةَ والطبيعةَ البشريّة. أمّا الترغيبُ في الغنائمِ فأمرٌ ضروريٌّ لأنَّ الجيوشَ لا تحاربُ بالمجّان وقد كانَ مُعظمُ العربِ يكسبونَ معاشَهم منَ الحروب، فالنظرةُ التي ترتفعُ بالمُجتمعِ الإسلاميّ الأوّلِ إلى مستوى الملائكةِ نظرةٌ غيرُ علميّةٍ وتتجاوزُ أبسطَ الأسسِ المنطقيّة، وقد شهدَ الجميعُ كيفَ أنَّ مُعظمَ المُسلمينَ ارتدّوا بسببِ الزكاة، فترغيبُهم في مغانمِ الرومِ والفُرس أفضلُ علاجٍ لكبحِ هذه المطامعِ التي منعَتهم مِن دفعِ الزكاة.  وممّا يدلّلُ على أنَّ الفتوحاتِ جاءَت مِن أجلِ تداركِ وضعٍ سياسيٍّ متأزّم، نجدُ أنَّ البداياتِ الأولى لفتحِ العراقِ بدأت بانتهاءِ (حروبِ الردّة)، فقد وجدَ المسلمونَ أنفسَهم على حدودِ هذهِ البلدان، حيثُ طاردَ المُثنّى بنُ حارثة الشيباني فلولَ المُرتدّينَ حتّى دخلَ جنوبيَّ العراق، فاستأذنَ أبا بكرٍ في غزوِه، وطلبَ منهُ أن يؤَمِّرهُ على قومِه ليقاتلَ بهم الفرس، فكانَ له ما أراد.فكتبَ إلى خالدٍ بنِ الوليد، وكانَ آنذاكَ في اليمامةِ، يأمرُه بالتوجّهِ إلى العراقِ لمُحاربةِ الفُرس على أن يبدأ بالأبلة، كما كتبَ إلى عياضٍ بنِ غنم وكانَ بالفراضِ - بينَ البصرةِ واليمامة - يأمرُه بغزوِ العراقِ مِن أعلاه، على أن يبدأ بالمصيخِ حتّى يلقى خالداً، على أن تكونَ القيادةُ لمَن يصلُ إلى الحيرةِ أوّلاً.  وفي المُحصّلةِ فإنَّ كلماتِ خالدٍ في الجُندِ تكشفُ عن بعضِ الدوافعِ التي كانَت تحرّكهُم لغزوِ تلكَ البلاد.