ما الغايةُ مِن اختلافِ دورِ الأئمّةِ (ع) هل يستطيعُ كلُّ إمامٍ أن يقومَ بدورِ الإمامِ الآخر؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: منَ الطبيعيّ أن تكونَ هناكَ أدوارٌ مُختلِفةٌ للائمّةِ مِن أهلِ البيت (عليهم السلام)، فلكلِّ إمامٍ سيرتُه الخاصّةُ بحسبِ ظرفِه التاريخيّ، فاختلافُ الأدوارِ لا يعني أبداً اختلافَ الأهداف، وإنّما يعني تكاملَ الأدوارِ في إطارِ المشروعِ المُشترَك، ولذلكَ عندَما كتبَ الشهيدُ الصدرُ حولَ سيرةِ أهلِ البيتِ جاءَ كتابُه تحتَ عنوانِ (أئمّةُ أهلِ البيتِ وحدةُ هدفٍ وتعدّدُ أدوار)، فالعِصمةُ والإمامةُ يُشكّلانِ ضماناً لوحدةِ الهدف، واختلافُ المراحلِ وتباينُ الظروفِ يُشكّلانِ أساساً لتباينِ الأدوار، وعليهِ فإنَّ النظرةَ الكُلّيّةَ لتاريخِ الائمّةِ تكشفُ بالضرورةِ عن وجودِ مسارٍ واحدٍ لجميعِ الأئمّةِ، بينَما النظرةُ التجزيئيّةُ لتاريخِ كلِّ إمامٍ تكشفُ عن وجودِ سيرةٍ خاصّةٍ تُميّزُ كلَّ إمامٍ عن الآخر. وقد ذهبَ الشهيدُ الصدرُ إلى أنَّ أدوارَ الأئمّةِ كانَت وفقَ خُطّةٍ إلهيّةٍ، ولم تكُن مُجرّدَ ردودِ أفعالٍ أملَتها عليهم الظروفُ التاريخيّة، فكلُّ إمامٍ كانَ يعلمُ سلفاً ما يجبُ القيامُ به، ويمكنُ الاستدلالُ على ذلكَ ببعضِ الرواياتِ مثلَ ما جاءَ في الكافي، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) أنّهُ قالَ: (إنَّ الوصيّةَ نزلَت منَ السماءِ على محمّدٍ كتاباً، لم ينزِل على مُحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله كتابٌ مختومٌ إلّا الوصيّة، فقالَ جبرئيلُ عليهِ السلام: يا مُحمّدُ هذهِ وصيّتُك في أمّتِك عندَ أهلِ بيتِك، فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: أيُّ أهلِ بيتي يا جبرئيل؟ قالَ: نجيبُ اللهِ مِنهم وذُرّيّتُه، ليرثكَ علمَ النبوّةِ كما ورثَه إبراهيمُ عليهِ السلام وميراثُه لعليٍّ عليهِ السلام و ذُرّيّتِك مِن صُلبِه، قالَ: وكانَ عليها خواتيم، قالَ: ففتحَ عليٌّ عليهِ السلام الخاتمَ الأوّلَ ومضى لِما فيها ثمَّ فتحَ الحسنُ عليهِ السلام الخاتمَ الثاني ومضى لِما أمرَ به فيها، فلمّا توفّيَ الحسنُ ومضى فتحَ الحُسينُ عليهِ السلام الخاتمَ الثالثَ فوجدَ فيها أنَّ قاتل فاقتُل وتُقتَل واخرُج بأقوامٍ للشهادةِ، لا شهادةَ لهم إلّا معك، قالَ: ففعلَ عليهِ السلام، فلمّا مضى دفعَها إلى عليٍّ بنِ الحُسين عليهما السلام قبلَ ذلك، ففتحَ الخاتمَ الرّابعَ فوجدَ فيها أن اصمُت وأطرِق لِما حُجبَ منَ العلم، فلمّا تُوفّيَ ومضى دفعَها إلى محمّدٍ بنِ عليٍّ عليهما السلام ففتحَ الخاتمَ الخامسَ فوجدَ فيها أن فسِّر كتابَ اللهِ تعالى وصدِّق أباكَ وورِّث ابنَك واصطنِع الأمّةَ وقُم بحقِّ اللهِ عزِّ وجل وقُل الحقَّ في الخوفِ والأمنِ ولا تخشَ إلّا الله، ففعلَ، ثمَّ دفعَها إلى الذي يليه، قالَ: قلتُ له: جُعلتُ فداكَ فأنتَ هو؟ قالَ: فقالَ: ما بي إلّا أن تذهبَ يا مُعاذُ فتروي عليَّ قالَ: فقلتُ: أسألُ اللهَ الذي رزقَك مِن آبائِك هذهِ المنزلةَ أن يرزقَك مِن عقبِك مثلَها قبلَ الممات، قالَ؟ قد فعلَ اللهُ ذلكَ يا مُعاذ، قالَ: فقلتُ: فمَن هوَ جُعلتُ فداك؟ قالَ: هذا الراقدُ - وأشارَ بيدِه إلى العبدِ الصّالحِ وهوَ راقد. وهناكَ رواياتٌ أخرى جمعَها الكُلينيُّ تحتَ عنوانِ (بابُ: أنَّ الأئمّةَ عليهم السّلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلونَ إلّا بعهدٍ منَ الله)، وعلى ذلكَ تكونُ أدوارُ الأئمّةِ هيَ إعدادٌ إلهيٌّ وخارطةٌ مرسومةٌ سلفاً مِن أجلِ تحقيقِ هدفٍ مُحدّد. والإيمانُ بمثلِ هذهِ الرواياتِ لا يتعارضُ معَ تأثيرِ الظرفِ التاريخيّ على مسيرةِ كلِّ إمامٍ، فمُقتضى العِصمةِ ومُقتضى علمِ الإمامِ بما هوَ كائنٌ يتطلّب تخطيطاً مُسبقاً، وفي نفسِ الوقتِ يجبُ أن يكونَ هذا التخطيطُ بحسبِ ما تُمليهِ الظروفُ التاريخيّةُ للأحداث، فمثلاً قد أخبرَ رسولُ اللهِ بما يجري على الإمامِ الحُسين وما يجبُ أن يقومَ به، وقد كانَت سيرةُ الإمامِ الحُسين ومسيرتُه بحسبِ تلكَ الظروفِ التي لم يصنَعها ولكنّهُ كانَ عالماً بها، فبنو أميّة هُم الذينَ صنعوا تلكَ الظروفُ التي أملَت على الإمامِ الحُسينِ الثورةَ والشهادةَ، وعليهِ لا تعارضَ بينَ وجودِ تخطيطٍ مُسبَقٍ وبينَ تأثيرِ الظروفِ على ذلكَ التخطيط.  وعليهِ فإنَّ الغايةَ مِن تعدّدِ أدوارِ الأئمّةِ هوَ تحقيقُ الأهدافِ بالمقدارِ الذي تسمحُ به الظروفُ التاريخيّة، فمثلاً أسّسَ الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) للمشروعِ السياسيّ الثوري، وأسّسَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السلام) للمشروعِ العِلمي والفقهيّ، وأسّسَ الإمامُ الرّضا (عليهِ السلام) للمشروعِ المَعرفيّ والعقائدي، وأسّسَ الإمامُ السّجّادُ (عليهِ السلام) للمشروعِ الرّوحي، وهكذا حركةٌ تكامليّةٌ جسّدَت في صورتِها الكُليّةِ الإسلامَ في أكملِ معانيه.أمّا السؤالُ الافتراضيُّ الذي يقولُ إذا وضعَ كلُّ إمامٍ موضعَ الآخرِ هل يقومُ بما يقومُ به الآخر؟ فمنَ المؤكّدِ أنَّ أفعالَهم ستتطابقُ إذا افترَضنا تطابقَ الظروفِ، فمثلاً لو كانَ كلٌّ منَ الإمامِ الحسنِ والحُسين (عليهما السلام) مكانَ الآخرِ لصالحَ الحُسينُ وثارَ الحسنُ، لأنّهم نورٌ واحدٌ ومِن معدنٍ واحد.