منشأُ تقسيمِ الدينِ إلى فروعٍ وأصول

ما هو منشأ تقسيم الدين إلى (فروع وأصول) وهل لهذا التقسيم علاقة بـ (ضروريات الدين) وما هي الثمرة المترتبة على هذه التقسيمات؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله بركاته : لا وجودَ لمنشأٍ شرعيٍّ لتقسيمِ الدينِ إلى أصولٍ وفروع، فالدينُ في لسانِ النصوصِ مجموعةٌ منَ الحقائقِ المُتجانسةِ والمُتكاملةِ دونَ تفريقٍ بينَ أصلٍ وفرع، ومعَ ذلكَ لا ضيرَ مِن قبولِ هذا التقسيمِ على نحوِ الاصطلاحِ العلميّ طالما لم تترتَّب عليهِ لوازمُ فاسدةٌ، فهناكَ بعضُ الفوارقِ التي استدعَت العلماءَ لتقسيمِ المعارفِ الدينيّةِ إلى أصولٍ وفروع، فما كانَ مِنها مُتعلّقاً بالجانبِ العمليّ والتشريعيّ اُعتبرَ منَ الفروع، وما كانَ مُتعلّقاً بجانبِ الاعتقادِ القلبيّ والدليلِ العقليّ اعتبرَ منَ الأصولِ، وقالَ بعضُهم أنَّ الفروعَ هيَ ما اشتركَ في إثباتِها العقلُ والنقلُ، والأصولُ هيَ ما استقلَّ بها العقلُ، وبذلكَ اعتبرَت العقائدُ منَ الأصولِ بينَما اُعتبرَ الفقهُ منَ الفروع، ومن الواضح ان هذه الضابطة لا تنطبق على كل العقائد، بل الرئيسي منها، كالتوحيد والنبوة والامامة والمعاد، وقد يترتّبُ على ذلكَ بعضُ الآثارِ التي لا يمكنُ قبولُها بإطلاقِها، مثلَ القولِ أنَّ الجاهلَ بالأصولِ غيرُ معذورٍ بالمُطلَق بينَما يكونُ معذوراً بجهلِه في الفروع، فإن صحَّ ذلكَ في بعضِ المسائلِ الاعتقاديّةِ إلّا أنّه لا يصحُّ في جميعِ مسائلِ العقيدةِ، فلازمُ ذلكَ أنَّ الجاهلَ بمسألةٍ مثلَ عذابِ القبرِ ونعيمِه أعظمُ منَ الجهلِ بمسألةِ الصلاةِ والحجِّ والصيامِ وهذا ما لا يمكنُ إثباتُه بالأدلّةِ الشرعيّة، ومِن هُنا يمكنُ قبولُ ذلكَ في بعضِ الأصولِ الاعتقاديّةِ مثلَ التوحيدِ والنبوّةِ والمعادِ فإنَّ المُنكرَ لها خارجٌ عن الإسلامِ جاهِلاً كانَ أم غيرَ جاهلٍ، بينَما مَن يُنكِرُ العدلَ والإمامةَ لا يكفرُ بذلكَ معَ أنّها منَ الأصولِ عندَ الشيعةِ، وفي المقابلِ مَن ينكرُ ضرورةً كالصلاةِ لا يكونُ معذوراً بالمُطلَق، فمثلاً هناكَ بعضُ القرآنيّينَ الذينَ لا يعترفونَ بسنّةِ النبيّ وتجدُهم يجاهرونَ بعدمِ اعترافِهم بالصلاةِ والصومِ والحجِّ بالشكلِ الذي تعارفَ عليهِ المُسلمونَ فإنَّ مثلَ هؤلاءِ لا يمكنُ إعذارُهم بحُجّةِ أنّهم لم يُنكروا أصلاً منَ الأصولِ، ومِن هُنا يجبُ الاشتراطُ لقبولِ هذا الاصطلاحِ عدمُ التفريقِ بينَ حقائقِ الدينِ مِن جهةِ القبولِ والانقيادِ والتصديق، فلسانُ النصوصِ لم يُفرِّق مِن هذهِ الجهةِ بينَ أصلٍ وفرع، ولذلكَ ذهبَ بعضُهم إلى معيارٍ آخرٍ للتمييزِ بينَ الأصلِ والفرع، مثلَ الشيخِ المُفيد في أوائلِ المقالاتِ حيثُ يقول: إن كانَ لشخصٍ أو جماعةٍ آراءٌ شاذّةٌ قليلةٌ في أمورٍ مِن فروعِ الدينِ أو في جُزئيّاتِ أصولِ الدينِ لا في أصلِها بحيثُ لا يلزمُ إنكارُ ضروريٍّ الدينِ فهُم ليسوا مِن أصحابِ البِدع، وإن كانَ لهم آراءٌ مُخالفةٌ في فروعِ الدينِ أو أصولِه في الأمورِ الضروريّة، فهؤلاءِ مِن أصحابِ البدعِ سواءٌ صدقَ عليهم اسمُ فرقةٍ منَ الفرقِ الموجودةِ أو لا.   كما أنَّ الريشهريّ في كتابِه القيادةُ في الإسلامِ وضعَ معياراً آخرَ للتفريقِ بينَ الأصلِ والفرعِ حيثُ يقول: إذا كانَ لعقيدةٍ أو عملٍ دورٌ أساسٌ مُهمّ في بثِّ القيمِ الإسلاميّةِ في المُجتمعِ- بحيثُ أنَّ الإسلامَ يفقدُ مفهومَه الحقيقيَّ بدونِ ذلك- فإنَّ تلكَ العقيدةَ أو العملَ هُما منَ الأصولِ الأساسيّة لهذا النظامِ الربّانيّ، وإذا لم يكُن لهما مِثلُ هذا الدَّورِ فهُما مِن فروعِ الدين.