البكاءُ والجزعُ على أهلِ البيتِ عليهم السلام

السلامُ عليكم كلُّ الجزعِ حرامٌ إلّا على الحُسين عليهِ السلام فكيفَ نوفّقُ في بكائِنا وجزعِنا على النبيّ وآله الأطهرينَ الباقين؟

: سيد حسن العلوي

 وعليكم السّلام ورحمةُ الله. قبلَ الجوابِ عن هذا السؤالِ لا بدَّ مِن توضيحِ أنّ الحديثَ ليسَ بهذا المضمونِ الذي نقلتموه، وإنّما لفظُه هكذا عن الإمامِ جعفرٍ الصّادقِ (عليهِ السلام) قالَ: كلُّ الجزعِ والبكاءِ مكروهٌ، سِوى الجزعِ والبكاءِ على الحُسينِ (عليهِ السلام). (الأماليّ للطوسي، ص161). وسيأتي توجيهُ الحديث. ولتوضيحِ الجوابِ لا بدَّ مِن ذكرِ عدّةِ نقاط:  النقطةُ الأولى: أجمعَ المُسلمونَ على جوازِ البكاءِ على الميّت، ولم يُخالِف فيهِ أحدٌ، وذلكَ للأصلِ، إذ الأصلُ في كلِّ شيءٍ هوَ الإباحة، ما لم يقُم دليلٌ على الحُرمة، ولم ينهَض دليلٌ على تحريمِ البكاءِ على الميّت. وللسيرةِ المُستمرّةِ إلى زمانِ المعصومينَ معَ عدمِ الردعِ وكثرةِ الابتلاء، وللرّواياتِ الكثيرةِ مِن طرقِ الفريقين، لا مجالَ لذكرِها في هذهِ العُجالة. (لاحِظ: التنقيحَ في شرحِ العروةِ للخوئي: 9 / 341، والحدائقُ الناضرة: 4 / 162، وسائلُ الشيعة: 3 / 241 و 279). قالَ العلّامةُ الحلّي: والبكاءُ جائزٌ إجماعاً، وليسَ بمكروهٍ قبلَ خروجِ الروحِ ولا بعدَها عندَنا ... لا بأسَ بالنوحِ والندبِ بتعدادِ فضائلِه واعتمادِ الصّدق - وهوَ قولُ أحمدَ بنِ حنبل - لأنَّ فاطمةَ عليها السلام كانَت تنوحُ على النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله كقولِها : ( يا أبتاهُ مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاهُ إلى جبرئيلُ أنعاه ، يا أبتاهُ أجابَ ربّاً دعاه ) ... يجوزُ شقُّ الثوبِ في موتِ الأبِ والأخ، لأنَّ الهادي عليهِ السلام لمّا قُبضَ شقَّ العسكريُّ عليهِ السلام قميصَه مِن خلفٍ وقُدّام. (تذكرةُ الفُقهاء: 2 / 118). ويحرمُ ضربُ الخدود، ونتفُ الشعور، وشقُّ الثوب في غيرِ الأبِ والأخ، والنياحةُ بالباطل. (لاحِظ: مُنتهى المَطلَب للعلّامةِ الحلّي: 7 / 423).  وقالَ صاحبُ الجواهر: ثمَّ إنّه لا ريبَ في جوازِ البكاءِ على الميّتِ نصّاً وفتوىً للأصل، والأخبارُ التي لا تقصرُ عن التواترِ معنىً، مِن بكاءِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على حمزةَ وإبراهيم (ع) وغيرِهما، وفاطمةَ (عليها السلام) على أبيها وأختِها وعليٍّ بنِ الحُسين (عليهما السلام) على أبيه حتّى عُدَّ هوَ وفاطمةَ (عليهما السلام) منَ البكّائينَ الأربعة، إلى غيرِ ذلكَ ممّا لا حاجةَ لنا بذكرِه، بل ربّما يظهرُ مِن بعضِ الأخبارِ استحبابُه عندَ اشتدادِ الوجد. (جواهرُ الكلام: 4 / 364). وكذا بكاءُ النبيّ (ص) على جعفرٍ الطيّارِ وزيدٍ بنِ حارثة وعثمانَ بنِ مظعون وبكاءُ فاطمةَ (ع) على حمزةَ عندَ قبرِه، وغيرِهم. وقالَ السيّدُ سابق: أجمعَ العلماءُ على أنّه يجوزُ البكاءِ على الميّتِ، إذا خلا منَ الصّراخِ والنوح. (فقهُ السنّة: 1 / 505). ولاحِظ تفاصيلَ فتاوى المُخالفينَ في المجموعِ للنوويّ (الشافعي): 5 / 307، والشرحُ الكبيرُ لابنِ قُدامة (الحنبلي): 2 / 429، ومواهبُ الجليلِ للحطّابِ الرعيني (المالكي): 3 / 47، بدائعُ الصنائعِ للكاشاني (الحنفي): 1 / 310، وأحكامُ الجنائزِ لناصرِ الدينِ الألباني (الوهّابي)، ص20، ونيلُ الأوطارِ للشوكاني (السلفي): 4 / 149، وسبلُ السلامِ للكحلاني: 2 / 115، والمُحلّى لابنِ حزمٍ (الظاهري): 5 / 146، والفقهُ على المذاهبِ الأربعة: 1 / 683، ونقلَ الاتّفاقَ على الجوازِ، وشرحُ الأزهار: 1 / 402 (فقهُ زيدي)، وغيرُها.  النتيجةُ: البكاءُ على الميّتِ جائزٌ بلا كراهة، بحسبِ الأصلِ الأوليّ عندَ جميعِ المسلمين.  النقطةُ الثانية: نصَّ جُملةٌ مِن عُلمائِنا على استحبابِ البكاءِ على المؤمن. (العُروةُ الوثقى لليزدي، وسائلُ الشيعة للحر العاملي: 3 / 283، وكلمة التقوى لزين الدين: 1 / 236). وعلّق السيّدُ السبزواريُّ قائلاً: بالنصِّ والإجماعِ والسيرة. (مُهذّبُ الأحكام: 4 / 206). ثمَّ ذكرَ جُملةً منَ النصوصِ والرّوايات. فمنَ الرواياتِ الدالّةِ على الاستحباب: مِنها: صحيحةُ الحسنِ بنِ محبوب عن عليٍّ بنِ رئاب قالَ: سمعتُ أبا الحسنِ الأوّلِ (عليهِ السلام) يقولُ: إذا ماتَ المؤمنُ بكَت عليهِ الملائكةُ وبقاعُ الأرضِ التي كانَ يعبدُ اللهَ عليها، وأبوابُ السماءِ التي كانَ يصعدُ أعمالهُ فيها، وثُلمَ ثلمةٌ في الإسلامِ لا يسدُّها شيءٌ، لأنَّ المؤمنينَ حصونُ الإسلامِ كحصونِ سورِ المدينةِ لها. (وسائلُ الشيعة: 3 / 283) وفي بعضِ الطرقِ عن الحسنِ بنِ محبوب عن عليٍّ بن أبي حمزة: المؤمنونَ الفُقهاء. (المصدرُ السابق) قالَ الآمليُّ: ولا يخفى أنَّ التأسّي بالملائكةِ وببقاعِ الأرضِ وأبوابِ السماءِ مرغوبٌ فيه والبكاءُ على المؤمنِ مثلُ بكائِهم مندوبٌ، والتفجّعُ لانثلامِ الإسلامِ ثلمةً لا يسدُّها شيءٌ مُستحسَنٌ. (مصباحُ الهُدى للآملي: 6 / 493).ومِنها: ما نقلَه الصّدوقُ قال: لمّا انصرفَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن وقعةِ أحُد إلى المدينةِ سمعَ مِن كلِّ دارٍ قُتلَ مِن أهلِها قتيلٌ نوحاً وبكاءً، ولم يسمع مِن دارِ حمزةَ عمِّه، فقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): لكنَّ حمزةَ لا بواكيَ له، فآلى أهلُ المدينةِ أن لا ينوحوا على ميّتٍ ولا يبكوهُ حتّى يبدؤوا بحمزةَ فينوحوا عليهِ ويبكوه، فهُم إلى اليوم على ذلك. (وسائلُ الشيعة: 3 / 283)قالَ الآملي: ولا يخفى ما في هذا الترغيبِ منَ الدلالةِ على مطلوبيّةِ البكاءِ على حمزةَ ( واحتمالِ ) اختصاصِ الترغيبِ به لأنّهُ عمُّ النبيّ صلّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلّم أو لأنّهُ كانَ شهيداً ضعيفاً بل الظاهرُ أنّه إنّما كانَ لأجلِ أنّهُ مُؤمنٌ فيعمُّ كلَّ مؤمن . (مصباحُ الهُدى للآملي: 6 / 493).  ومِنها: ما رواهُ القُطبُ الراوندي في دعواتِه قالَ: وقالَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): يا ربِّ، أيُّ عبادِك أحبُّ إليك؟ قالَ الذي يبكي لفقدِ الصّالحين، كما يبكي الصبيُّ لفقدِ أبويه. (مُستدرَكُ الوسائل: 2 / 469). فاللهُ تعالى يحبُّ الذي يبكي على فقدِ الصّالحين. ومِنها: ما رواهُ المُفيدُ بسندِه عن هشامٍ بنِ مُحمّد قالَ: ولمّا بلغَ أميرَ المؤمنينَ عليهِ السلام وفاةُ الأشترِ جعلَ يتلهّفُ ويتأسّف عليهِ ويقول: للهِ درُّ مالكٍ لو كانَ مِن جبلٍ لكانَ أعظمَ أركانِه، ولو كانَ مِن حجرٍ كانَ صلداً. أما واللهِ ليهدنَّ موتُك عالماً، فعلى مثلِك فلتبكِ البواكي. ثمَّ قالَ: إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. (الأمالي للمُفيد، ص83، ولاحِظ: تاريخَ اليعقوبي: 2 / 194). ومِنها: ما رواهُ الصّدوقُ بسندِه عن الحسنِ بنِ زيدٍ قالَ : ماتَت ابنةٌ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام فناحَ عليها سنةً، ثمَّ ماتَ له ولدٌ آخر فناحَ عليهِ سنةً، ثمَّ ماتَ إسماعيلُ فجزعَ عليهِ جزعاً شديداً فقطعَ النوح، قالَ : فقيلَ لأبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام: أصلحكَ اللهُ أيُناحُ في دارِك؟ فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ لمّا ماتَ حمزة: لكنَّ حمزةَ لا بواكيَ له. (كمالُ الدينِ للصّدوق، ص73) ومِنها: ما رواهُ المفيدُ بسندِه عن محمّدٍ بنِ أبي عمارةَ الكوفي قالَ: سمعتُ جعفراً بنَ محمّدٍ عليهما السلام يقولُ: مَن دمعَت عينُه فينا دمعةً لدمٍ سُفكَ لنا، أو حقٍّ لنا نقصناهُ، أو عرضٍ انتُهكَ لنا، أو لأحدٍ مِن شيعتِنا بوّأهُ اللهُ تعالى بها في الجنّةِ حقباً. (أمالي المُفيد، ص175). ومنها: ما رواهُ الصدوقُ عن الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: إنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله حينَ جاءَته وفاةُ جعفرٍ بنِ أبي طالب عليهِ السلام وزيدٍ بنِ حارثة كانَ إذا دخلَ بيتَه كَثُرَ بكاؤه عليهما جدّاً ويقولُ: كانا يُحدّثاني ويؤانساني فذهبا جميعاً. (مَن لا يحضرُه الفقيه: 1 / 177). ومِنها: ما رواهُ الكُليني بسندِه عن أبي بصيرٍ، عن أحدِهما (عليهما السلام) قالَ: لمّا ماتَت رُقيّةُ ابنةُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): الحقي بسلفِنا الصالحِ عثمانُ بنُ مظعون وأصحابه قالَ: وفاطمةَ (عليها السّلام) على شفيرِ القبرِ تنحدرُ دموعُها في القبر. (الكافي للكُليني: 3 / 241). ومِنها: رواياتُ بكاءِ النبيّ (ص) على ابنِه إبراهيم وعمِّه حمزة، وعثمان بنِ مظعون، ومداومةُ فاطمةَ (ع) على زيارةِ قبرِ حمزةَ والبكاءِ عليه عندَه. ومِنها: رواياتُ استحبابِ البكاءِ على شهداءِ كربلاءَ ومنَ المعلومِ أنّهم منَ المؤمنينَ الأولياء، وليسوا منَ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، وقد أبكَت مظلوميّتُهم الإنسَ والجن، ولم يقُل أحدٌ بعدمِ جوازِها.  النتيجةُ: هذهِ الرواياتُ وغيرُها تدلُّ على استحبابِ البكاءِ على المؤمن.  النقطةُ الثالثة: وأمّا البكاءُ على أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، فمندوبٌ شرعاً، للرواياتِ الكثيرةِ الدالّةِ على الاستحباب، مِنها: ما رواهُ ابنُ قولويه بسندِه عن الربيعِ بنِ مُنذر، عن أبيه، قالَ: سمعتُ عليّاً بنَ الحُسين (عليهما السلام) يقولُ: مَن قطرَت عيناهُ فينا قطرةً ودمعَت عيناهُ فينا دمعةً، بوّأهُ اللهُ بها في الجنّةِ غُرفاً يسكنُها أحقاباً. (كاملُ الزّيارات، ص202). ومنها: ما رويَ بسندٍ صحيحٍ عن محمّدٍ بنِ مُسلم، عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام)، قالَ: كانَ عليٌّ بنُ الحُسين (عليهما السلام) يقولُ: أيّما مؤمنٍ دمعَت عيناهُ لقتلِ الحُسينِ بنِ علي (عليهما السلام) دمعةً حتّى تسيلَ على خدِّه بوّأهُ اللهُ بها في الجنّةِ غُرفاً يسكنُها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعَت عيناهُ حتّى تسيلَ على خدِّه فينا لأذىً مسّنا مِن عدوّنا في الدنيا بوّأهُ اللهُ بها في الجنّةِ مبوّأ صدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مسَّهُ أذىً فينا فدمعَت عيناهُ حتّى تسيلَ على خدِّه مِن مضاضةِ ما أوذيَ فينا صرفَ اللهُ عن وجهِه الأذى وآمنَه يومَ القيامةِ مِن سخطِه والنار. (كاملُ الزيارات، ص201، ثوابُ الأعمالِ للصّدوق، ص83، وتفسيرُ القُمّي: 2 / 291).ومِنها: ما رواهُ أيضاً بإسنادِه عن مسمعٍ بنِ عبدِ الملك عن الصّادقِ (ع) (في حديثٍ) قال: الحمدُ للهِ الذي فضّلنا على خلقِه بالرّحمةِ، وخصّنا أهلَ البيتِ بالرّحمة، يا مسمعُ إنَّ الأرضَ والسماءَ لتبكي منذُ قُتلَ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام) رحمةً لنا، وما بكى لنا منَ الملائكةِ أكثر وما رقأت دموعُ الملائكةِ منذُ قُتِلنا، وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولِما لقينا إلّا رحمَهُ اللهُ قبلَ أن تخرُجَ الدمعةُ مِن عينِه، فإذا سالَت دموعُه على خدِّه فلو أنَّ قطرةً مِن دموعِه سقطَت في جهنّمَ لأطفأت حرَّها حتّى لا يوجدَ لها حرٌّ، وإنَّ الموجعَ قلبُه لنا ليفرَحُ يومَ يرانا عندَ موتِه فرحةً لا تزالُ تلكَ الفرحةُ في قلبِه حتّى يردَ علينا الحوض، وإنَّ الكوثرَ ليفرحُ بمُحبِّنا إذا وردَ عليه حتّى أنّه ليُذيقُه مِن ضروبِ الطعامِ ما لا يشتهي أن يصدرَ عنه ... أما إنّكَ يا كردين ممَّن تروي منه ، وما مِن عينٍ بكَت لنا إلّا نُعّمَت بالنظرِ إلى الكوثر وسقيَتَ منه مَن أحبّنا. (كاملُ الزيارات، ص204).ومِنها: ما رواهُ البُرقي بسندٍ صحيحٍ عن فُضيلٍ بنِ يسار، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام، قالَ: مَن ذُكِرنا عندَه، ففاضَت عيناهُ ولو مثلَ جناحِ الذباب، غفرَ اللهُ ذنوبَه ولو كانَت مثلَ زبدِ البحر. (المحاسنُ للبُرقي: 1 / 63، ومثله: كاملُ الزيارات، ص207). ومِنها: ما رواهُ أيضاً بإسنادِه إلى الفُضيلِ بنِ فضالة، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام)، قالَ: مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَت عيناهُ حرّمَ اللهُ وجهَه على النار. (كاملُ الزيارات، ص207). ومنها: ما رواهُ الصّدوقُ بسندِه عن عليٍّ بنِ الحسنِ بنِ عليٍّ بنِ فضّال، عن أبيه، قالَ: قالَ الرّضا (عليهِ السلام): مَن تذكّرَ مُصابنا وبكى لِما ارتُكِبَ مِنّا كانَ معنا في درجتِنا يومَ القيامة، ومَن ذكّرَ بمُصابِنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينُه يومَ تبكي العيون، ومَن جلسَ مجلِساً يُحيى فيهِ أمرُنا لم يمُت قلبُه يومَ تموتُ القلوب. (الأماليّ للصّدوق، ص131). ومِنها: ما رويَ في كتابِ فضائلِ الصّحابةِ لأحمدَ بنِ حنبل: حدّثنا أحمدُ بنُ إسرائيل قالَ: رأيتُ في كتابِ أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ حنبل رحمَه اللهُ بخطِّ يدِه: نا أسودُ بنُ عامر أبو عبدِ الرحمنِ ثنا الربيعُ بنُ مُنذر، عن أبيهِ قال: كانَ حسينٌ بنُ علي يقولُ: مَن دمعت عيناهُ فينا دمعةً، أو قطرَت عيناهُ فينا قطرةً، أثواهُ اللهُ عزَّ وجل الجنّة. (فضائلُ الصّحابة: 2 / ٦٧٥ رقمُ 1154) ومِنها: ما رواهُ المفيدُ بسندِه عن محمّدٍ بنِ أبي عمارةَ الكوفي قالَ: سمعتُ جعفراً بنَ مُحمّدٍ عليهما السلام يقولُ: مَن دمعَت عينُه فينا دمعةً لدمٍ سُفكَ لنا، أو حقٍّ لنا نقصناه، أو عرضٍ انتُهكَ لنا، أو لأحدٍ مِن شيعتِنا بوّأهُ اللهُ تعالى بها في الجنّةِ حقباً. (أماليُّ المُفيد، ص175). ومِنها: ما رواهُ القُمّي بسندٍ صحيحٍ قالَ: وحدّثني أبي، عن بكرٍ بنِ مُحمّد، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: مَن ذكَرنا أو ذُكِرنا عندَه فخرجَ مِن عينِه دمعٌ مثلَ جناحِ بعوضةٍ غفرَ اللهُ لهُ ذنوبَه ولو كانَت مثلَ زبدِ البحر. (تفسيرُ القُمّي: 2 / 292). ومِنها: ما رواهُ الخزّارُ القُمّي بالإسنادِ إلى الكُميتِ عن أبي جعفرٍ الباقرِ (عليهِ السلام) قالَ: – في حديثٍ – ما مِن رجلٍ ذكرَنا أو ذُكِرنا عندَه فخرجَ مِن عينيهِ ماءٌ ولو قدرَ مثلِ جناحِ البعوضةِ إلّا بنى اللهُ له بيتاً في الجنّةِ وجعلَ ذلكَ حجاباً بينَه وبينَ النار. (كفايةُ الأثرِ للخزّارِ القُمّي، ص249). ومِنها: ما رواهُ المُفيدُ بسندِه عن أبانَ بنِ تغلب، عن أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ مُحمّد عليهما السلام قالَ: نَفسُ المهمومِ لظُلمِنا تسبيحٌ، وهمُّه لنا عبادةٌ، وكتمانُ سرّنا جهادٌ في سبيلِ الله. ثمَّ قالَ أبو عبدِ الله عليهِ السلام: يجبُ أن يُكتبَ هذا الحديثُ بالذهبِ. (أماليُّ المُفيد، ص338). ومِنها: ما رواهُ الحِميريّ بالإسنادِ عن بكرٍ بنِ مُحمّد، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام قالَ: قالَ لفُضيلٍ: تجلسونَ وتحدّثون؟ قالَ: نعم، جعلتُ فداك. قالَ: إنَّ تلكَ المجالسَ أحبُّها، فأحيوا أمرَنا يا فُضيل، فرحمَ اللهُ مَن أحيا أمرَنا. يا فُضيل، مَن ذكرَنا - أو ذُكِرنا عندَه - فخرجَ مِن عينِه مثلُ جناحِ الذباب، غفرَ اللهُ له ذنوبَه ولو كانَت أكثرَ مِن زبدِ البحر. (قربُ الإسنادِ للحِميري، ص36، ومثله في ثوابِ الأعمالِ للصّدوق، ص187). ومِنها: قالَ ابنُ طاووس: وروى أيضاً عن آلِ الرّسولِ عليهم السلام أنّهم قالوا مَن بكى أو أبكى فينا مائةً ضمِنّا له على اللهِ الجنّة ، ومَن بكى أو أبكى خمسينَ فلهُ الجنّة ، ومَن بكى أو أبكى ثلاثينَ فلهُ الجنّة ، ومَن بكى أو أبكى عشرةً فلهُ الجنّة ، ومَن بكى أو أبكى واحداً فلهُ الجنّة ومَن تباكى فلهُ الجنّة. (اللهوفُ لابنِ طاووس، ص10) وقالَ ابنُ نما: فقد رويتُ عن والدي رحمةُ اللهِ عليه أنَّ الصّادقَ (ع) قالَ مَن ذُكِرنا عندَه في مجلسٍ فقد غيبنا بشطرِ كلمةٍ أو فاضَت عيناهُ رحمةً لنا ورقّةً لمُصابِنا مثلَ جناحِ بعوضةٍ غُفرَت ذنوبُه ولو كانَت مثلَ زبدِ البحر. (مثيرُ الأحزانِ لابنِ نما، ص5). وغيرُها منَ الرواياتِ الكثيرة. وهذهِ الرواياتُ عامّةٌ تشملُ جميعَ أهلِ البيتِ عليهم السلام، وغيرُ مُختصّة بأبي عبدِ اللهِ الحُسين (عليهِ السلام)، فعباراتٌ مثلَ: [مَن دمعَت عيناهُ فينا] و [وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولِما لقينا] و [وإنَّ المُوجعَ قلبُه لنا] و [مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَت عيناهُ] و [مَن تذكّرَ مُصابَنا وبكى لِما ارتُكِبَ مِنّا] و [ومَن ذُكّرَ بمصابِنا فبكى وأبكى]. تدلُّ على العموم.ومِنها: ما رويَ أنّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بكى على مظلوميّةِ أميرِ المؤمنين وابنتِه فاطمةَ وابنيهما الحسنِ والحُسين (عليهم السلام) فيما رواهُ الصّدوقُ بسندِه عن عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام)، قالَ: بينا أنا وفاطمةُ والحسنُ والحُسين عندَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، إذا التفتَ إلينا فبكى، فقلتُ: ما يُبكيكَ يا رسولَ الله؟ فقالَ: أبكي ممّا يُصنَعُ بِكُم بعدي. فقلتُ: وما ذاكَ يا رسولَ الله؟ قالَ: أبكي مِن ضربتِك على القرن، ولطمِ فاطمةَ خدَّها، وطعنةِ الحسنِ في الفخِذ، والسمِّ الذي يُسقى، وقتلِ الحُسين. قالَ : فبكى أهلُ البيتِ جميعاً ، فقلتُ : يا رسولَ الله ، ما خلقَنا ربُّنا إلّا للبلاءِ ! قالَ : ابشِر يا عليّ ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَ قد عهدَ إليَّ أنّه لا يحبُّك إلّا مؤمنٌ ، ولا يُبغِضُك إلّا مُنافقٌ. (أماليُّ الصّدوق، ص197).  النتيجةُ: هذهِ الرواياتُ تدلُّ على استحبابِ البكاءِ وذرفِ الدموعِ على مصائبِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام).النقطةُ الرّابعة: دلّت جملةٌ منَ الرواياتِ على استحبابِ الجزعِ على أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، عموماً. والجزعُ ضدَّ الصبرِ، وذلكَ كالبكاءِ بصوتٍ عالٍ، والنياحةِ والصياحِ والصّراخِ والعويل، وشقِّ الثياب، ولطمِ الوجوهِ والصدورِ وخمشِهما، والندبةِ بتفجّعٍ، وكلُّ هذا جائزٌ على الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام) قالَ الشيخُ التبريزي: ثمَّ إنّه كما تقدّمَ أنّ البكاءَ بل الجزعُ لمُصابِ النبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وأهلِ البيتِ والمُتعلّقينَ بهم (عليهم السلام) أمرٌ مُستحبٌّ يعدُّ منَ العباداتِ التي يتقرّبُ بها إلى اللّهِ سُبحانَه. (تنقيحُ مباني العروة: 7 / 403). وذلكَ للرّواياتِ العديدة:  مِنها: ما رويَ بأسانيدَ عديدةٍ بعضُها صحيحٌ عن معاويةَ بنِ وهب عن الإمامِ جعفرٍ الصّادقِ (ع) أنّهُ كانَ يدعو لزوّارِ قبرِ أبي عبدِ الله (ع): وارحَم تلكَ العيونَ التي جرَت دموعُها رحمةً لنا، وارحَم تلكَ القلوبَ التي جزعَت واحترقَت لنا، وارحَم تلكَ الصرخةَ التي كانَت لنا. (ثوابُ الأعمالِ للصّدوق، ص95، كاملُ الزياراتِ لابنِ قولويه، ص229، الكافي للكُليني: 4 / 583) وهذهِ الروايةُ وإن كانَ موردُها خاصّاً بأبي عبدِ اللهِ الحُسين (عليهِ السلام)، ولكنَّ لفظَها عامٌّ شاملٌ لجميعِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، والعبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ المورِد. ومِنها: ما وردَ أنَّ يعقوبَ جزعَ على فراقِ ولدِه يوسف، وظلَّ باكياً حزيناً عليهِ حتّى عميَت عيناه! { وَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا أَسَفى عَلى يوسُفَ وَابيَضَّت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظيمٌ ، قالوا تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يوسُفَ حَتّى تَكونَ حَرَضًا أَو تَكونَ مِنَ الهالِكينَ ، قالَ إِنَّما أَشكو بَثّي وَحُزني إِلَى اللَّهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ [يوسف: ٨٤-٨٦] هذا وهوَ يعلمُ أنّ ابنَه يوسف حيٌّ يُرزَق، ولكنّه جزعَ على فراقِه، وسياقُ الآياتِ فيها مدحٌ لصنيعِ نبيِّ اللهِ يعقوب المعصومِ منَ الخطأ والزلل. فإذا جازَ واستحبَّ الجزعُ على نبيٍّ منَ الأنبياء، فهوَ جائزٌ في أئمّتِنا (عليهم السلام) بطريقِ أولى. ومِنها: ما وردَ في دُعاءِ الندبة: فعلى الأطائبِ مِن أهلِ بيتِ محمّدٍ وعليٍّ صلّى اللهُ عليهما وآلهما، فليبكِ الباكون، وإيّاهُم فليندِب النادبونَ، ولمثلِهم فلتُذرَف الدموع، وليصرِخ الصارخونَ، ويضجَّ الضاجّون، ويعجَّ العاجّون. (المزارُ الكبيرُ لابنِ المشهدي، ص578). ومِنها: ما وردَ جزعُ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) على غيبةِ صاحبِ العصرِ والزمان (عجّلَ اللهُ فرجَه) حيثُ روى الصدوقُ بسندِه عن سديرٍ الصيرفي قالَ: دخلتُ أنا والمُفضّلُ بنُ عُمر، وأبو بصيرٍ، وأبانُ بنُ تغلب على مولانا أبي عبدِ اللهِ الصّادقِ عليهِ السلام فرأيناهُ جالساً على الترابِ وعليهِ مسحٌ خيبريٌّ مطوّقٌ بلا جيب، مُقصّرُ الكُمّين، وهوَ يبكي بكاءَ الوالهِ الثكلى، ذاتِ الكبدِ الحرّى، قد نالَ الحزنُ مِن وجنتيه، وشاعَ التغييرُ في عارضيه، وأبلى الدموعُ مِحجريه وهوَ يقول: سيّدي غيبتُك نفَت رُقادي ، وضيّقَت عليَّ مِهادي ، وابتزَّت منّي راحةَ فؤادي سيّدي غيبتُك أوصلَت مُصابي بفجائعِ الأبد وفقدُ الواحدِ بعدَ الواحدِ يُفني الجمعَ والعدد، فما أحسُّ بدمعةٍ ترقى مِن عيني وأنينٍ يفترُ مِن صدري عن دوارجِ الرزايا وسوالفِ البلايا إلّا مثّلَ بعيني عن غوابرَ أعظمُها وأفظعُها، وبواقي أشدُّها وأنكرُها، ونوائبَ مخلوطةٍ بغضبك، ونوازلَ معجونةٍ بسخطِك. قالَ سدير: فاستطارَت عقولُنا ولهاً، وتصدّعَت قلوبُنا جزعاً مِن ذلكَ الخطبِ الهائل، والحادثِ الغائِل، وظننّا أنّهُ سمتٌ لمكروهةٍ قارعة، أو حلَّت به منَ الدهرِ بائقة، فقُلنا: لا أبكى اللهُ يا ابنَ خيرِ الورى عينيكَ مِن أيّةِ حادثةٍ تستنزفُ دمعتَك وتستمطِرُ عبرتَك؟ وأيّةُ حالةٍ حتّمَت عليكَ هذا المأتم؟ قالَ: فزفرَ الصّادقُ عليهِ السلام زفرةً انتفخَ مِنها جوفُه، واشتدَّ عَنها خوفُه، وقالَ: ويلُكم نظرتُ في كتابِ الجفرِ صبيحةَ هذا اليوم وهوَ الكتابُ المُشتمِلُ على علمِ المنايا والبلايا والرزايا وعلمِ ما كانَ وما يكونُ إلى يومِ القيامةِ الذي خصَّ اللهُ به محمّداً والأئمّةَ مِن بعدِه عليهم السلام، وتأمّلتُ منهُ مولدَ غائبِنا وغيبتَه وإبطاءَه وطولَ عُمرِه وبلوى المؤمنينَ في ذلكَ الزمان، وتولّدَ الشكوكِ في قلوبِهم مِن طولِ غيبتِه وارتدادِ أكثرِهم عَن دينِهم، وخلعِهم ربقةَ الإسلام مِن أعناقِهم التي قالَ اللهُ تقدّسَ ذكرُه: { وكلُّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرَه في عنقِه } - يعني الولاية - فأخذَتني الرقّةُ، واستولَت عليَّ الأحزانُ. (كمالُ الدينِ للصّدوق، ص352).ومِنها: ما رويَ أنَّ البكّائين خمسةٌ، وقد وصلَ بكاؤهم إلى أعلى المراتبِ، وهوَ الجزعُ، حتّى عدَّ البكّائينَ خمسةً، فيما رواهُ الصّدوقُ بسندِه عن محمّدٍ بنِ سهلٍ البحراني، رفعَه إلى أبي عبدِ اللهِ الصّادقِ جعفرٍ بنِ مُحمّد (عليهِ السلام)، قالَ: البّكاؤونَ خمسةٌ: آدمُ ويعقوبُ ويوسفَ وفاطمةُ بنتُ محمّد (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وعليٌّ بنُ الحُسين (عليهما السلام). فأمّا آدمُ فبكى على الجنّةِ حتّى صارَ في خدّيهِ أمثالُ الأودية، وأمّا يعقوبُ فبكى على يوسفَ حتّى ذهبَ بصرُه، وحتّى قيلَ له ( تاللهِ تفتؤا تذكرُ يوسفَ حتّى تكونَ حرضاً أو تكونَ منَ الهالكين ). وأمّا يوسفَ فبكى على يعقوبَ حتّى تأذّى بهِ أهلُ السجن، فقالوا: إمّا أن تبكي بالنهارِ وتسكتَ بالليل، وإمّا أن تبكي بالليلِ وتسكتَ بالنهار، فصالحَهم على واحدٍ مِنهما.وأمّا فاطمةُ بنتُ مُحمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فبكَت على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) حتّى تأذّى بها أهلُ المدينة، وقالوا لها: قد آذيتِنا بكثرةِ بكائِك، فكانَت تخرجُ إلى المقابرِ مقابرِ الشهداءِ فتبكي حتّى تقضي حاجتَها ثمَّ تنصرفُ، وأمّا عليٌّ بنُ الحُسين فبكى على الحُسينِ (عليهما السلام) عشرينَ سنةً أو أربعينَ سنةً، وما وضعَ بينَ يديهِ طعامٌ إلّا بكى، حتّى قالَ له مولىً له: جُعِلتُ فداكَ يا بنَ رسولِ الله، إنّي أخافُ عليكَ أن تكونَ منَ الهالكين. قالَ: إنّما أشكو بثّي وحزَني إلى الله، وأعلمُ منَ اللهِ مالا تعلمون، إنّي لم أذكُر مصرعَ بني فاطمةَ إلّا خنقَتني لذلكَ عبرةٌ. (الأماليّ للصّدوق، ص204، والخِصال، ص272). ولا شكَّ أنَّ فاطمةَ (عليها السلام) كانَت جازعةً بفقدِ ورحيلِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وغيرُها منَ الروايات. النتيجةُ: هذهِ الرواياتُ تدلُّ على جوازِ، بل رجحانِ الجزعِ على أهلِ البيت (عليهم السلام).  النقطةُ الخامسة: استحبابُ الجزعِ على مُصيبةِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين (ع)، للرواياتِ الكثيرةِ، ولا يبعدُ تواترُها.  النقطةُ السادسة: بعدَ أن ثبتَ جوازُ البكاءِ على الأمواتِ، واستحبابُ البكاءِ على الميّتِ المؤمِن، واستحبابِ البكاءِ على أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، واستحبابِ الجزعِ على أهلِ البيت (عليهم السلام) أيضاً. فيتولّدُ هُنا سؤالٌ: ما معنى ما رويَ عن معاويةَ بنِ وهب، عن جعفرٍ بنِ محمّدٍ الصادقِ (عليهِ السلام): كلُّ الجزعِ والبكاءِ مكروهٌ سِوى الجزعِ والبكاءِ على الحُسين (عليهِ السلام). (الأماليُّ للطوسي، ص161). ولكِن رواهُ ابنُ قولويه بزيادةِ فقرةِ (فإنّهُ فيهِ مأجورٌ) حيثُ روى بالإسنادِ عن الحسنِ بنِ عليٍّ بنِ أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السلام)، قالَ: سمعتُه يقول: إنَّ البكاءَ والجزعَ مكروهٌ للعبدِ في كلِّ ما جزع، ما خلا البكاءَ والجزعَ على الحُسينِ بنِ عليّ ( عليهما السلام )، فإنّهُ فيهِ مأجور. (كاملُ الزيارات، ص201). وهذا الحديثُ بظاهرِه أنَّ جميعَ أفرادِ البكاءِ والجزعِ مكروه، على غيرِ الحُسين (ع)، سواءٌ على الأئمّةِ المعصومينَ والأنبياءِ وعمومِ الناس. وهذا بظاهرِه يتنافى معَ جميعِ ما تقدّمَ منَ الرواياتِ الكثيرةِ مِن جوازِ البكاءِ بلا كراهةٍ، وجوازُه مع الاستحبابِ بالنسبةِ إلى المؤمنِ، واستحبابِ البكاءِ والجزعِ على الأئمّةِ المعصومينَ عليهم السلام. ويتنافى أيضاً معَ السيرةِ القائمةِ عندَ الشيعةِ على البكاءِ والجزعِ على الأئمّةِ المعصومينَ، بلا كراهة.   نقولُ في الجواب: هذا الحديثُ لا يُحمَلُ على ظاهرِه، وإنّما "محمولٌ على ضربٍ منَ التأويل" كما قالَ عُلماؤنا. (جواهرُ الكلام: 4 / 365، شرحُ العُروةِ كتابُ الطهارةِ، للسيّدِ الخوئي: 9 / 342). فقد ذكروا وجوهاً منَ التأويل:  الوجهُ الأوّل: حملُ الكراهةِ على أقليّةِ الأجرِ بالنسبةِ إلى الغير، بمعنى أنّ البكاءَ على الحُسين (ع) أكثرُ ثواباً وأعظمُ أجراً منَ البكاءِ على غيرِه، والبكاءُ على غيرِ الحُسين (ع) أقلُّ ثواباً منَ البكاءِ على الحُسين (ع). ولعلَّ السرَّ فيه أنّه (ع) أعظمُهم مُصيبةً، كما يُشعِرُ بهذا التعليلِ بعضُ الروايات، ومِنها نفسُ روايةِ معاويةَ بنِ وهب حيثُ رويَ في بعضِ فقراتِها المُتقدّمة: قالَ الإمامُ (ع): يا شيخ، ذاكَ دمٌ يطلبُ اللهُ (تعالى) به، ما أصيبَ ولدُ فاطمةَ ولا يصابونَ بمثلِ الحُسين (عليهِ السلام). (الأماليُّ للطوسي، ص173) ولسانِها لسانُ روايةِ الريّانِ بنِ شبيب عن الرّضا عليهِ السلام (في حديثٍ) أنّه قالَ له: يا بنَ شبيب، إن كُنتَ باكياً لشيءٍ، فابكِ للحُسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام). (أماليُّ الصّدوق، ص192). قالَ السيّدُ السبزواري: وأمّا ما وردَ عن الصّادقِ عليهِ السّلام: مِن أنَّ كلَّ الجزعِ والبكاءِ مكروهٌ سوى الجزعِ والبكاءِ لقتلِ الحُسينِ عليهِ السّلام. فلا بدَّ مِن تأويلِه، كالإرشادِ إلى أقليّةِ ثوابِ البكاءِ على غيرِه عليهِ السّلام عن البكاءِ عليهِ أو نحو ذلك. (مُهذّبُ الأحكام: 4 / 242). وقالَ النراقي: وما في بعضِ أخبارِنا مِن أنَّ كلَّ بكاءٍ مكروهٌ سِوى البكاءِ على الحُسين (عليهِ السلام) مُبالغةً في عظمِ أجرِه. (مُستنَدُ الشيعة: 3 / 318).  الوجهُ الثاني: حملُ الكراهةِ على الكراهةِ العُرفيّةِ لا الشرعيّة، والحديثُ غيرُ ناظرٍ إلى البكاءِ والجزعِ على الأئمّةِ المعصومينَ، إذ المُقايسةُ في الروايةِ بينَ البكاءِ والجزعِ على الحُسين (عليهِ السلام)، وبينَ عمومِ الناسِ – غيرِ المعصومين –قالَ السيّدُ الخوئي: لا بدَّ مِن تأويلِ الكراهةِ فيها بحملِها على كونِ البكاءِ مكروهاً عُرفيّاً لعدمِ مُناسبتِه معَ الوقارِ والعِظَمةِ والمنزلةِ ومِن ثمّةَ لم يرَ بعضُ الأعاظم (قدّسَ سرُّهم) باكياً على ولدِه المقتولِ لدى الناسِ وقالوا: إنّهُ كانَ يبكي عليهِ في الخلواتِ في دارِه لا أنّهُ مكروهٌ شرعيّ، أو يُحمَلُ على أنَّ مجموعَ الجزعِ والبكاءِ مكروهٌ، فإنَّ الجزعَ غيرُ مرغوبٍ فيه شرعاً إلَّا على أبي عبدِ اللهِ الحُسين (عليهِ السلام) . (شرحُ العُروةِ كتابُ الطهارة: 9 / 342).  الوجهُ الثالث: حملُ الكراهةِ على عدمِ ترتّبِ الأجر، فالبكاءُ والجزعُ على غيرِ الحُسين (ع) وأهلِ البيتِ (ع) لا يترتّبُ عليهِ الأجرُ والثواب، بينَما البكاءُ على الحُسينِ وأهلِ البيتِ عليهم السلام يترتّبُ عليهِ الأجرُ والثوابُ العظيم.قالَ المُحقّقُ البحراني: فالظاهرُ أنَّ المُرادَ بالكراهةِ هُنا عدمُ ترتّبِ الثوابِ والأجرِ عليه مجازاً لا الكراهةَ الموجِبةَ للذمِّ، وذلكَ فإنّه ليسَ في شيءٍ مِن أفرادِ البكاءِ ما يوجبُ الثوابَ الجزيلَ والأجرَ الجميلَ مثلَ البكاءِ عليهِ والبكاءِ على آبائِه وأبنائِه (عليهم السلام) وقُصارى البكاءِ على غيرِهم أنَّ سبيلَه سبيلُ المُباحاتِ. (الحدائقُ الناضرة: 4 / 164). قالَ الآمليُّ: بل المرويُّ في الأمالي يُحمَلُ على عدمِ ترتّبِ الثوابِ والأجرِ على البكاءِ فيما عدا مصائبِ الحُسينِ عليهِ السلام وسائرِ آلِ الرّسولِ صلواتُ اللَّهِ عليهم أجمعينَ لا الكراهةَ المُصطلحةَ بمعنى المرجوحيّةِ لمرتبةٍ منَ الذم، فتكونُ سبيلُ البكاءِ على غيرِهم سبيلَ سائرِ المُباحات. (مصباحُ الهُدى في شرحِ العروة: 6 / 492). والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.