هل شيعةُ العراقِ قتلوا الإمامَ الحُسين (عليهِ السلام)

يحاجُجنا أهلُ السّنّةِ على أنَّ الذي قتلَ الإمامَ الحُسين (عليهِ السلام) هُم أهلُ العراقِ منهم ؟ شمرٌ بنُ ذي الجوشن و خوليٌ بنُ يزيدَ الأصبحي سنانٌ بنُ أنس. فما يكونُ الجوابُ لذلك ؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أوّلاً: فليكونوا منَ العراق، ولكنّهم لم يكونوا مِن شيعتِه، إذ التشيّعُ لهُ مَعنيان: المَعنى الأوّل: وهوَ الذي يعتقدُ بولايةِ الإمامِ الحُسين (ع) وأنّهُ الإمامُ الثالثُ المُفترَضُ الطاعةِ منَ الله، ويتبرّأ مِن أعداءِ آلِ مُحمّدٍ (عليهم السلام). المعنى الثاني: وهُم المُحبّونَ والمُدّعونَ لمَحبّتِه، ويعتقدونَ بأنّهُ صحابيٌّ وحفيدُ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). والكوفةُ في ذلكَ الزمان لَم يكُن جميعُ سُكّانِها شيعةً، بل فيهم الكثيرُ منَ النواصبِ والخوارجِ والشيعةِ والسنّةِ، والسنّةُ يُشكّلونَ الأغلبيّةَ الساحقةَ لسُكّانِ الكوفة، ونقصدُ منَ السنّةِ أتباعَ السّقيفةِ القائلونَ بأنّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) الخليفةُ الرّابع. وإنّما قُلنا بأنّهم كانوا على مذهبِ السقيفة، لأنّهُ هوَ المذهبُ السّائدُ في بلادِ الإسلامِ آنذاك. والشيعةُ بالمعنى الأوّلِ للتشيعِ كانَ عددُهم قليلاً جدّاً، بل يندرُ أن تجدَ شيعيّاً في الكوفةِ في ذلكَ الوقت، وذلكَ لأنّ معاويةَ نكّلَ بالشيعةِ فصارَ زيادٌ ابنُ أبيهِ يتتبّعُ شيعةَ عليٍّ (ع) فيقتلهم، فخافَ الشيعةُ، وتشتّتوا في البُلدان، مِن بطشِ بني أميّة، قالَ ابنُ أبي الحديد: روى أبو الحسنِ عليٌّ بنُ مُحمّدٍ بنِ أبي سيفٍ المدايني في كتابِ ( الأحداث ) قالَ : كتبَ معاويةُ نُسخةً واحدةً إلى عُمّالِه بعدَ عامِ المجاعةِ أن برئَتِ الذمّةُ ممَّن روى شيئاً مِن فضلِ أبي تُراب وأهلِ بيتِه فقامَت الخُطباءُ في كلِّ كورةٍ وعلى كلِّ مِنبرٍ يلعنونَ عليّاً ويبرأونَ مِنه ويقعونَ فيه وفي أهلِ بيتِه وكانَ أشدَّ الناسِ بلاءً حينئذٍ أهلُ الكوفةِ لكثرةِ مَن بِها مِن شيعةِ عليٍّ عليهِ السلام فاستعملَ عليهم زياداً بنَ سُميّة وضمَّ إليهِ البصرةَ فكانَ يتتبّعُ الشيعةَ وهوَ بهِم عارفٌ لأنّهُ كانَ مِنهم أيّامَ عليٍّ عليهٍ السلام فقتلَهم تحتَ كلِّ حجرٍ ومدرٍ وأخافَهم وقطعِ الأيديَ والأرجلَ وسملَ العيونَ وصلبهم على جذوعِ النخلِ وطرّفَهم وشرّدَهم عن العراقِ فلم يبقَ بها معروفٌ منهم.  وكتبَ مُعاويةُ إلى عُمالِه في جميعِ الآفاقِ إلا يجيزونَ لأحدٍ مِن شيعةِ عليٍّ وأهلِ بيتِه شهادة ... ثمَّ كتبَ إلى عُمّالِه نُسخةً واحدةً إلى جميعِ البُلدانِ انظروا مَن قامَت عليهِ البيّنةُ أنّه يُحبُّ عليّاً وأهلَ بيتِه فامحوهُ منَ الديوانِ وأسقطوا عطاءَه ورزقَه وشفعَ ذلكَ بنُسخةٍ أخرى مَن اتّهمتوهُ بموالاةِ هؤلاءِ القومِ فنكّلوا به وهدموا دارَه فلم يكُن البلاءُ أشدَّ ولا أكثرَ منهُ بالعراقِ ولا سيما بالكوفةِ حتّى إنَّ الرّجلَ مِن شيعةِ عليٍّ عليهِ السلام ليأتيهِ مَن يثقُ به فيدخلُ بيتَه فيُلقى إليهِ سِرُّه ويخافُ مِن خادمِه ومملوكِه ولا يُحدّثُه حتّى يأخذَ عليهِ الأيمانَ الغليظةِ ليكتمنَّ عليه ...  فلم يزَل الأمرُ كذلكَ حتّى ماتَ الحسنُ بنُ عليٍّ عليهِ السلام فازدادَ البلاءُ والفِتنةُ، فلم يبقَ أحدٌ مِن هذا القبيل إلّا وهوَ خائفٌ على دمِه أو طريدٌ في الأرض. (شرحُ نهجِ البلاغةِ لابنِ أبي الحديد: 11 / 46). قالَ الذهبيُّ: قالَ أبو الشعثاء : كانَ زيادٌ أفتكَ منَ الحجّاجِ لمَن يُخالِفُ هواه . قالَ الحسنُ البصري : بلغَ الحسنَ بنَ عليٍّ أنَّ زياداً يتتبّعُ شيعةَ عليٍّ بالبصرة ، فيقتلُهم ، فدعا عليه. (سيرُ أعلامِ النبلاء: 3 / 496) وعليهِ: فلم يبقَ في الكوفةِ شيعيٌّ إلّا نادراً، وهؤلاءِ إمّا خرجوا لنُصرةِ الإمامِ الحُسين (ع)، أو كانوا في السجن، أمثالَ المُختارِ وميثمَ التمّار، وغيرِهما، أو كانوا مُشرّدينَ مُتستّرينَ خارجَ الكوفةِ مِن خوفِ السّلطات، أو قُتلوا معَ مُسلمٍ بنِ عقيل.  ثانياً: إنّ الإمامَ الحُسين (عليهِ السلام) قد كشفَ عن هويّةِ قتلتِه، وقتلتُه كشفوا عن هويّةِ أنفسِهم، فخاطبَهم بشيعةِ آلِ أبي سُفيان، ولم يقُل شيعتُنا لماذا خرجتُم علينا لتقاتلونَنا، قالَ عليهِ السلام مُخاطِباً الجيشَ الذي يقاتلهُ: ويحكَم، يا شيعةَ آلِ أبي سُفيان، إن لم يكُن لكُم دينٌ، وكُنتم لا تخافونَ المعاد، فكونوا أحراراً في دُنياكم هذه، وارجِعوا إلى أحسابِكم إن كُنتم عرباً كما تزعمون. (مقتلُ الحُسينِ للخوارزمي: 2 / 38). وخاطبَهم أيضاً: ثمّ توجّهَ نحوَ القوم، وقالَ : يا وَيلَكُم ! عَلامَ تُقاتِلُوني، عَلى حَقٍّ تَرَكتُهُ، أَم عَلى سُنَّة غَيَّرتُها، أَم عَلى شَريعَة بَدَّلتُها ؟! فقالوا: بل نُقاتِلُك بُغضاً منّا لأبيك! وما فعلَ بأشياخِنا يومَ بدرٍ وحُنين! فلمّا سمعَ كلامَهم بكى. (موسوعةُ كلماتِ الإمامِ الحُسين، ص593، ومثلُه في ينابيعِ المودّةِ للقندوزي)باللهِ عليكم، فمَن يُقاتِلُ الحُسينَ (ع) بُغضاً منهُ لأميرِ المؤمنينَ (ع) هل يُعدُّ شيعيّاً! وهل رأيتَ شيعيّاً يُبغِضُ عليّاً بنَ أبي طالبٍ (ع)؟!  ثالثاً: إنَّ قتلةَ الإمامِ الحُسين عليهِ السلام لم يكونوا منَ الشيعة، أمثالَ يزيد بنِ معاوية، وعُبيدِ اللهِ بنِ زياد، وعُمرَ بنِ سعد بنِ أبي وقّاص، وسنانٍ بنِ أنس، وحرملةَ بنِ كاهل، وشمرٍ بنِ ذي الجوشن، وشبثٍ بنِ ربعي، وحجّارٍ بنِ أبجر، والحُصينِ بنِ نُميرٍ الشامي الحِمصي، وغيرِهم، لم يكونوا شيعةً. ومُجرّدُ اشتراكِ بعضِهم في جيشِ الإمامِ عليٍّ (ع) لا يدلُّ على تشيّعِه، فأغلبُهم كانوا يعتقدونَ بأنّهُ خليفةٌ رابع، ولم يعتقدوا بأنّهُ الخليفةُ الأوّلُ بعدَ رسولِ اللهِ (ص) لنقولَ عنهُ بأنّه شيعيٌّ.رابعاً:  اشتراكُ الشاميّينَ في جيشِ ابنِ زياد: روى الكُليني بسندِه عن عبدِ المَلِك قالَ : سألتُ أبا عبدِ الله ( عليهِ السلام ) عن صومِ تاسوعاء وعاشوراء مِن شهرِ المُحرّمِ فقالَ : تاسوعاءُ يومَ حُوصِرَ فيه الحُسين ( عليهِ السلام ) وأصحابُه رضيَ اللهُ عنهم بكربلاء واجتمعَ عليهِ خيلُ أهلُ الشامِ وأناخوا عليهِ وفرحَ ابنُ مرجانةَ وعُمرُ بنُ سعدٍ بتوافرِ الخيلِ وكثرتِها واستضعفوا فيهِ الحُسينَ صلواتُ اللهُ عليهِ وأصحابُه رضيَ اللهُ عَنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحُسينَ ( عليهِ السلام ) ناصرٌ ولا يمدُّه أهلُ العراق - بأبي المُستضعَفُ الغريب – (الكافي للكُليني: 4 / 147). وروى الصّدوقُ بالإسنادِ: ونظرَ الحُسينُ ( عليهِ السلام ) يميناً وشمالاً ولا يرى أحداً ، فرفعَ رأسَه إلى السّماءِ ، فقالَ : اللهمَّ إنّكَ ترى ما يُصنَعُ بولدِ نبيِّك . وحالَ بنو كلابٍ بينَه وبينَ الماء ، ورُميَ بسهمٍ فوقعَ في نحرِه ، وخرَّ عن فرسِه ، فأخذَ السهمَ فرمى به ، وجعلَ يتلقّى الدمَّ بكفِه ، فلمّا امتلأت لطّخَ بها رأسَه ولحيتَه وهوَ يقول : ألقى اللهَ عزَّ وجلَّ وأنا مظلومٌ مُتلطّخٌ بدمي . ثمَّ خرَّ على خدِّه الأيسرِ صريعاً ، وأقبلَ عدوُّ اللهِ سنانٌ بنُ أنس الأيادي ، وشمرٌ ابنُ ذي الجوشنِ العامري ( لعنَهُما الله ) في رجالٍ مِن أهلِ الشامِ حتّى وقفوا على رأسِ الحُسين ( عليهِ السلام ) ، فقالَ بعضُهم لبعضٍ : ما تنتظرونَ ؟ أريحوا الرّجلَ . فنزلَ سنانٌ بنُ أنس الأيادي ( لعنَه الله ) وأخذَ بلحيةِ الحُسين ( عليهِ السلام ) وجعلَ يضربُ بالسيفِ في حلقِه وهوَ يقول : واللهِ إنّي لأحتزُّ رأسَك ، وأنا أعلمُ أنّكَ ابنُ رسولِ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وخيرُ الناسِ أباً وأمّا. (أماليُّ الصّدوق، ص226). وغيرُها منَ الرواياتِ الدالّةِ على اشتراكِ الجيشِ الشاميّ في كربلاء، وكانَ لهم حضورٌ في الكوفةِ أيضاً صبيحةَ شهادةِ مُسلمٍ بنِ عقيل. بل كانَ في جيشِ عُمرَ بنِ سعدٍ قومٌ مِن أهلِ مِصرَ (مُضر) واليمن. (لاحِظ: بُغيةَ الطلبِ: 6 / 2571، الاستيعابُ: 1 / 394، ذخائرُ العُقبى، ص250).  خامِساً: وردَ في كثيرٍ منَ النصوصِ ثناءٌ كثيرُ مِن رجالِ جيشِ ابنِ زياد على عُثمانَ بنِ عفّان، وأنّهُ عُثمانيّ، أو على دينِ عُثمان، روى الطبريّ: ( قالَ هشامٌ ) بنُ مُحمّدٍ عن أبي مخنف قالَ حدّثني يحيى بنُ هانئ بنِ عروة أنَّ نافعاً ابنَ هلال كانَ يُقاتِلُ يومئذٍ وهوَ يقولُ * أنا الجمليُّ أنا على دينِ علي *  قالَ: فخرجَ إليهِ رجلٌ يُقالٌ لهُ مزاحمُ ابنُ حريث فقالَ: أنا على دينِ عُثمان  فقالَ له: أنتَ على دينِ شيطان، ثمَّ حملَ عليهِ فقتله. (تاريخُ الطبري: 4 / 331). وغيرُها منَ النصوصِ الكثيرة.  النتيجةُ: لم يثبُت بالدليلِ اشتراكُ الشيعةِ في قتلِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، فإنّ المُشاركينَ كانوا أمويّي الهوى، أو أهلَ دُنيا ودنانير، باعوا دينَهم وضمائرَهم بحفنةٍ منَ الأموال.  والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.