كيفَ يكونُ الزمانُ في العوالمِ المُجرّدةِ عِلماً أنَّ الزمانَ يُقاسُ بمِقدارِ الحركةِ ولا حركةَ في المُجرّدات؟

:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  يقسمُ الفلاسفةَ الوجودَ بلحاظِ التجرّدِ عن المادّةِ وعدمِه إلى ثلاثةِ عوالمَ كلّيّةٍ. العالمُ الأوّل: عالمُ المادّة. وهوَ العالمُ الذي لا يخلو ما فيه منَ الموجوداتِ مِن تعلّقٍ ما بالمادّةِ وتستوعبُه الحركةُ والتغيّرُ جوهريّةً كانَت أو عرضيّة. العالمُ الثاني: عالمُ التجرّدِ عن المادّةِ دونَ آثارِها منَ الشكلِ والمقدارِ والوضعِ وهوَ المُسمّى بعالمِ المثالِ والبرزخ. وعالمُ المثالِ هذا مُجرّدٌ عن المادّةِ دونَ آثارِها منَ الأبعادِ والأشكالِ والأوضاعِ وغيرِها ففيهِ أشباحٌ جسمانيّةٌ مُتمثّلةٌ في صفةِ الأجسامِ التي في عالمِ المادّةِ على نظامٍ يُشبهُ نظامَها في عالمِ المادّةِ غيرَ أنَّ تعقّبَ بعضِها لبعضٍ بالترتّبِ الوجوديّ بينَها لا بتغيّرِ صورةٍ إلى صورةٍ أو حالٍ إلى حال بالخروجِ منَ القوّةِ إلى الفعلِ مِن طريقِ الحركةِ على ما هوَ الشأنُ في عالمِ المادّةِ فحالُ الصّورِ المثاليّةِ في ترتّبِ بعضِها على بعضٍ حال الصّورِ الخياليّةِ منَ الحركةِ والتغيّرِ والعلمُ مُجرّدٌ لا قوّةَ فيهِ ولا تغيّرَ فهوَ علمٌ بالتغيّرِ لا تغيّرَ في العلمِ.                                                                                         بدايةُ الحكمةِ (ص: 17) العالمُ الثالث: عالمُ التجرّدِ عن المادّةِ وآثارِها، ويُسمّى بعالمِ العقلِ، وهوَ عالمٌ مُجرّدٌ تجرّداً تامّاً ذاتاً وفِعلاً عن المادّةِ وآثارِها. والتوهّمُ ينشأ مِن حملِ معنى الزمانِ على الزمانِ العُرفي، أي الوقتِ، وهوَ الظرفُ الذي تتوالى فيهِ الأحداثُ بنحوِ الترتّبِ، بأن يقعَ حدثٌ ثمَّ يليهِ آخرُ وهكذا، والزمانُ بهذا المعنى أي الظرفِ الذي تتوالى فيهِ الأحداثُ مُشترَكٌ بينَ المادّيّ والمُجرّد، بينَما المرادُ منَ الزمانِ المُمتنعِ على المُجرّد، هوَ التغيّرُ التدريجيُّ للموجودِ، بأن يخرُجَ الموجودُ مِن مرحلةِ القوّةِ إلى مرحلةِ الفعلِ تدريجاً وهوَ ـ أي التغيّرُ التدريجيّ ـ يتوقّفُ على المادّة، فلا يجري في المُجرّداتِ، وهذا لا يمنعُ وجودَ ظرفٍ تتوالى فيه الأحداثُ لكنّهُ دفعيٌّ، بأن يحصلَ اللاحقُ بعدَ السّابقِ دفعةً، لا بالتدريجِ  ودمتُم في رعايةِ اللهِ تعالى وحِفظه.