مساعدةُ الفقيرِ أم الثوابُ والطبخُ للإمامِ الحُسين(ع)؟

مَن الأولى مساعدةُ الفقيرِ أم الثوابُ والطبخُ للإمامِ الحُسين عليهِ السلام؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلٌّ له فضلٌ عندَ اللهِ تعالى، فمساعدةُ الفقراءِ والمُحتاجينَ مطلوبٌ ومُستحبٌّ وله أجرٌ وثوابٌ وفضيلة، كذلكَ الطبخُ وإطعامُ الطعامِ بثوابِ الإمامِ الحُسين (ع)، ترويجاً للقضيّةِ الحُسينيّةِ أمرٌ مطلوبٌ ومحبوبٌ ولهُ ثوابٌ عظيم. 

والإنسانُ القادرُ والمُتمكّنُ يمارسُ كِلا الأمرين، فمَن يبذلُ مالَه لثوابِ الإمامِ الحُسين (ع) ويطبخُ لهم، فهوَ يبذلُها أيضاً لمساعدةِ الفقراءِ والمُحتاجين أيضاً، وقد شهِدنا ذلكَ بأمِّ أعينِنا في العراقِ وغيرِها منَ الدولِ أنَّ الشبابَ الحُسينيَّ كانَ لهُم الحضورُ في جميعِ ميادينِ الخيرِ كالجهادِ أيّامَ داعش ولازالوا بحمدِ اللهِ تعالى، وكذلكَ شهِدنا وجودَهم وظهورَهم القويَّ أيّامَ كورونا، فكانَت السلّاتُ الغذائيّةُ توزّعُ بمئاتِ الآلافِ منَ المواكبِ الحُسينيّةِ إلى بيوتِ الفُقراءِ والمُحتاجين، هذا فضلاً عن أنَّ المواكبَ الحُسينيّةَ قد امتلأت بالمُهجّرينَ أيّامَ داعش، فحلّت مُشكلةً كُبرى لم تستطِع حتّى الدولةُ القيامَ بها.

ولكِن لا ننسى أنَّ الإطعامَ الحسينيَّ غالباً ما يأكلُه الفقراء، فيعدُّ مُساعدةً للفُقراءِ أيضاً، وسفرةُ الإمامِ الحُسين (ع) ليسَت ببعيدةٍ عن الفُقراءِ والمَعوزين على مرِّ التاريخِ بحمدِ اللهِ تعالى، حتّى يقارنَ بينَها وبينَ مُساعدةِ الفُقراء.

والإطعامُ والطبخُ للإمامِ الحُسين (ع) يعدُّ مِصداقاً مِن مصاديقِ ثوابِ ورجحانِ الإطعام، والتي تُعدُّ سُنّةً مُؤكّدةً في جميعِ الشرائعِ الإلهيّة، وكانَ نبيُّ اللهِ إبراهيم مُتميّزاً بهذهِ السنّةِ، فقد وردَ في الحديثِ عن جابرٍ الأنصاري قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقول: ما اتّخذَ اللهُ إبراهيمَ خليلاً إلّا لإطعامِه الطعام، وصلاتِه بالليلِ والناسُ نيام. (عللُ الشرائع: 1 / 35) 

قالَ السيّدُ السبزواري مُعلِّقاً على الحديث: فإنَّ إطعامَ الطعامِ مِن مظاهرِ صِفاتِه تعالى، أي: الجود. (مواهبُ الرّحمن: 9 / 328).

وهوَ مِن مُوجباتِ المغفرةِ ودخولِ الجنّة، فعن أَبِي الحَسَنِ (ع) قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَقُولُ‌ مِن مُوجِبَاتِ مَغفِرَةِ الرَّبِّ إِطعَامُ الطَّعَامِ.

وعَن مُعَمَّرِ بنِ خَلَّادٍ قَالَ: رَأَيتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضَا (ع) يَأكُلُ فَتَلَا هَذِهِ الآيَةَ: { فَلَا اقتَحَمَ العَقَبَةَ وَ ما أَدراكَ مَا العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَو إِطعامٌ فِي يَومٍ ذِي مَسغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقرَبَةٍ أَو مِسكِيناً ذا مَترَبَةٍ } ثُمَّ قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ أَن لَيسَ كُلُّ خَلقِهِ يَقدِرُ عَلَى عِتقِ رَقَبَةٍ فَجَعَلَ لَهُم سَبِيلًا إِلَى الجَنَّةِ بِإِطعَامِ الطَّعَامِ‌. 

وعَن أَبِي عَبدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)‌ الرِّزقُ أَسرَعُ إِلَى مَن يُطعِمُ الطَّعَامَ مِنَ السِّكِّينِ فِي السَّنَامِ‌.

وعن رَسُولُ اللَّهِ (ص‌): الخَيرُ أَسرَعُ إِلَى البَيتِ الَّذِي يُطعَمُ فِيهِ الطَّعَامُ مِنَ الشَّفرَةِ فِي سَنَامِ البَعِير. 

وعَن أَبِي جَعفَرٍ (ع) قَالَ: لَأَن أُطعِمَ رَجُلًا مُسلِماً أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أُعتِقَ أُفُقاً مِنَ النَّاسِ. قُلتُ: وَ كَمِ الأُفُقُ؟ قَالَ: عَشَرَةُ آلَافٍ‌. (المحاسن للبرقي: 2 / 389 – 390 - 391)

وهذه الرواياتُ وغيرُها منَ الرواياتِ المتواترةِ الدالّةِ على رجحانِ واستحبابِ إطعامِ الطعام، وإشباعِ الجياع، ولا شكَّ أنَّ الإطعامَ والطبخَ الحُسينيَّ داخلٌ تحتَ هذا العموم. هذا أوّلاً.

وثانياً: إنَّ الإطعامَ والطبخَ الحُسيني يعدُّ إحياءً لأمرِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، وترويجاً للقضيّةِ الحُسينيّةِ ومداولتِها وانتشارِها وتذكيرِ الناسِ بها، فهيَ منَ الشعائرِ الحُسينيّةِ، ولذا نرى أنَّ الإمامَ زينَ العابدين (ع) كانَ بنفسِه يطبخُ ويعدُّ الطعامَ للنّساءِ المُشتركاتِ في مأتمِ ومجلسِ سيّدِ الشهداء عليهِ السلام، كما رواهُ البُرقي بسندِه عن عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام لَبِسنَ نِسَاءَ بَنِي هَاشِمٍ السَّوَادَ وَ المُسُوحَ وَ كُنَّ لَا يَشتَكِينَ مِن حَرٍّ وَ لَا بَردٍ وَ كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَعمَلُ لَهُنَّ الطَّعَامَ لِلمَأتَمِ. (المحاسنُ للبُرقي: 2 / 420، وسائلُ الشيعة: 3 / 238). 

فالخُلاصة: أنَّ الإطعامَ والطبخَ لأبي عبدِ اللهِ الحُسين (ع) يعدُّ مِن مصاديقِ استحبابِ الإطعام، ومِصداقاً بارزاً مِن مصاديقِ إحياءِ الشعائرِ الحُسينيّة، وإحياءِ أمرِ أهلِ البيت (ع)، وتأسّياً بالإمامِ زينِ العابدين عليهِ السلام، وإبرازاً لمودّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام.

فالإطعامُ الحُسيني مطلوبٌ مِن جهاتٍ عديدة، فيكونُ لهُ الرّجحان.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.