لماذا سيحاسب السفياني مع إن الله (سبحانه وتعالى) اختاره منذ صغره؟

لماذا سيحاسب السفياني مع إن الله سبحانه وتعالى اختاره منذ صغره وذكر فيه علامات تدل عليه منذ صغر سنه مثل بوجه جدي او شي من هذا منذ صغره فلماذا سيحاسب السفياني مع إن الله اختاره ؟؟؟؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

أكّدَت كثيرٌ منَ الرواياتِ على أنَّ خروجَ السفيانيّ منَ العلاماتِ الحتميّةِ لظهورِ الإمامِ المَهدي عليهِ السلام، ففي الكافي للكُلينيّ بسندِه إلى عُمرَ بنِ حنظلة قالَ سمعتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام يقول: (خمسُ علاماتٍ قبلَ قيامِ القائم، الصيحةُ، والسفيانيُّ، والخسفُ، وقتلُ النفسِ الزكيّة، واليمانيّ، فقلتُ جُعلتُ فداكَ إن خرجَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِك قبلَ هذه العلاماتِ أنخرجُ معَه قالَ لا)، وفي روايةِ الفُضيلِ بنِ يسار عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: (إنَّ منَ الأمورِ أموراً موقوفةً وأموراً مَحتومة، وإنَّ السفيانيَّ منَ المحتومِ الذي لابدَّ مِنه)، وكذلكَ روايةُ حمرانَ بنِ أعين أنّه قالَ للإمامِ أبي جعفرٍ الباقرِ عليهِ السلام: (إنّي لأرجو أن يكونَ أجلُ السفيانيّ منَ الموقوفِ فقالَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام: لا واللهِ إنّه لمنَ المَحتوم) وبحسبِ هذه الرواياتِ فإنَّ ظهورَ المهديّ عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه لن يكونَ إلّا بظهورِ السفياني.

وقد فصّلَت رواياتٌ أخرى اسمَه ونسبَه وأوصافَه الجسمانيّةَ وحركةَ سيرِه والحروبَ التي يقومُ بها ومدّةَ حُكمِه في بلادِ الشام ونهايتَه المحتومةَ بخسفِه هوَ وجيشُه في البيداء.

وأمّا وقتُ خروجِه المشؤوم فهوَ شهرُ رجب كما في بعضِ الروايات، فعَن المُعلّى بنِ خنيس، عن أبي عبدِ الله الصّادقِ عليهِ السلام قالَ: (إنَّ أمرَ السفيانيّ منَ الأمرِ المَحتوم وخروجَه في رجب) وصرّحَت رواياتٌ أخرى بأنَّ خروجَ السفيانيّ في نفسِ السنةِ التي يخرجُ فيها الإمامُ المهدي عليهِ السلام، فعَن مُحمّدٍ بنِ مُسلم عن أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليّ عليهِ السلام أنّه قال: (السفيانيُّ والقائمُ في سنةٍ واحدة).

وممّا لا شكَّ فيه أنَّ جميعَ هذه الرواياتِ أخبرَت عن أمرٍ سيقعُ حتماً في المُستقبَل، ويبدو أنَّ إشكالَ السائلِ نشأ بسببِ لسانِ بعضِ الرواياتِ التي وصفَت خروجَ السفيانيّ بالوعدِ الإلهي الذي لا يمكنُ أن يتخلَّف، مثلَ روايةِ الإمامِ عليٍّ بنِ الحُسين عليهما السلام التي جاءَ فيها: (إنَّ أمرَ القائمِ حتمٌ منَ الله، وأمرُ السفيانيّ حتمٌ منَ الله، ولا يكونُ قائمٌ إلّا بسُفياني)، ومنَ الواضحِ أنَّ الإشكالَ يرتكزُ على تفسيرٍ خاطئٍ لعلمِ اللهِ بما هوَ كائن، فمنَ الطبيعيّ أن يقعَ الإنسانُ في حيرةٍ إذا تصوّرَ أنَّ القولَ بأنَّ اللهَ عالمٌ بما يفعلهُ السفيانيّ، مساوٍ للقولِ أنَّ اللهَ أرادَ ما يفعلهُ السفياني، وبعبارةٍ أخرى إنَّ الفعلَ صدرَ عن السفيانيّ بإرادةِ اللهِ وليسَ بإرادةِ السّفياني، ومَن يتصوّرُ ذلكَ لابدَّ أن يُشكَلَ عليهِ كيفَ يحاسبُه اللهُ على فعلٍ كانَ هوَ يريدُه؟ وعليهِ فإنَّ الداعي لهذا الإشكالِ هوَ تفسيرُ العلمِ بالإرادةِ وهوَ تفسيرٌ خاطئٌ بالضرورة، فمثلاً إذا أخبرَنا اللهُ عن طريقِ أوليائِه بأنَّ يزيد عليهِ اللعنة سوفَ يقتلُ الإمامَ الحُسين عليهِ السلام في المُستقبل، فهل هذا يعني أنَّ يزيد غيرُ مسؤولٍ عن هذهِ الجريمة؟ ممّا لا شكَّ فيه أنَّ العلمَ المُسبقَ بوقوعِ حدثٍ ما لا ينزعُ إرادةَ الإنسانِ المُباشر لفعلِ ذلكَ الحَدث، بل يظلُّ الإنسانُ هوَ المسؤولُ طالما اختارَ هوَ الفعلَ بمحضِ إرادتِه ولم يُجبِرهُ اللهُ عليه، ولو كانَ الأمرُ غيرَ ذلكَ لَما توقّفَ الإشكالُ عندَ رواياتِ السّفياني وإنّما كانَ الإشكالُ يشملُ جميعَ أفعالِ الإنسان؛ وذلكَ لأنَّ اللهَ عالمٌ بأفعالِ جميعِ العبادِ قبلَ حدوثِها، ولا فرقَ بينَ أن يُخبرَنا اللهُ عن طريقِ أوليائِه بذلكَ العلمِ أو يحتفظَ بهِ لنفسِه، ففي كِلا الحالتينِ علمُ اللهِ سابقٌ لِما هوَ كائن، وعليهِ لابدَّ أن نُفرّقَ بينَ علمِ اللهِ بما هوَ كائنٌ وبينَ إرادةِ اللهِ لِما هوَ كائن، ففي رواياتِ السفيانيّ هناكَ إخبارٌ وعلمٌ مُسبَقٌ بما يفعلهُ السفيانيّ وليسَ هناكَ إرادةٌ لِما يفعلهُ.

وعليهِ فإنَّ إشكالَ السائلِ يقومُ على أنَّ العلمَ المُسبقَ هوَ المسؤولُ والمُتحكّمُ بمُجرياتِ ما يحدثُ فعلاً، وهذا خلطٌ بينَ العلمِ والإرادة، فالعلمُ كشفٌ عن الواقعِ بينَما الإرادةُ هيَ المسؤولةُ عن إيجادِ الواقع، فمثلاً الإنسانُ يعلمُ بأنَّ البذرةَ إذا وضعَت في الأرضِ تصبحُ شجرةً إلّا أنَّ علمَ الإنسانِ لم يكُن هوَ المسؤولَ عن تحويلِ تلكَ البذرةِ إلى شجرة، ولكي يكونَ الإشكالُ حقيقيّاً يجبُ أن يكونَ على هذا النحو، لماذا أرادَ اللهُ أن يكونَ السفيانيُّ بهذا الضلالِ والظّلمِ والتعدّي؟ وحينَها تكونُ الإجابةُ أنَّ اللهَ لم يُرِد ذلكَ مِنه ولكنّه كانَ يعلمُ بضلالِه وظُلمِه وتعدّيه، والفرقُ كبيرٌ بينَ الأمرين، فالسفيانيُّ مسؤولٌ عن فعلِه ومُحاسبٌ عليه طالما لم يُجبِره اللهُ عليه ولم يُصادِر إرادتَه واختيارَه.

وفي المُحصّلةِ لابدَّ أن نؤكّدَ على أنَّ فعلَ الإنسانِ في هذه الدنيا متعلّقٌ بإرادتِه، وبالتالي هوَ المسؤولُ عن كلِّ ما يصدرُ مِنه إن كانَ خيراً يثابُ عليه وإن كانَ شرّاً يحاسبُ عليه، أمّا علمُ اللهِ المُسبَق بما يفعلهُ الإنسانُ فلا علاقةَ له بنفسِ حدوثِ الفعلِ منَ الإنسان، فكونُ اللهِ عالماً به لا يعني أنَّ اللهَ هوَ الذي يفعلُه نيابةً عَن الإنسان.