الصّمتُ أفضلُ أم الكلام

السلام عليكم شيخنا عندي سؤال هل الصمت افضل ام الكلام وماهي فؤائد الصمت وماهي الايات والاحاديث التي ترغب على الصمت وماهي الطرق للشخص كثير الكلام و للسيطرة على لسانه ويقلل من كلامه ممكن العلاج واكون ممنون

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

التوازنُ بينَ الكلامِ والسّكوتِ منَ المسائلِ المُهمّةِ التي أشارَت لها النصوصُ الإسلاميّة، فلا الكلامُ دائماً حسنٌ على إطلاقِه ولا الصمتُ كذلك، ففي بعضِ الأحيانِ يكونُ الصمتُ راجِحاً وفي بعضِها مرجوحاً، فمعَ أنَّ الأصلَ في الإنسانِ هوَ البيانُ (خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ البَيَانَ) إلّا أنّهُ مُكلّفٌ بحفظِ لسانِه منَ الذنوبِ التي قد يقعُ فيها بسببِ الفضولِ منَ الكلام، فالواجبُ على الإنسانِ أن يقودَ لسانَه بعقلِه ولا يقودَ عقلَه بلسانِه، وقد أكّدَت النصوصُ الإسلاميّةُ على أهميّةِ الصمتِ في تعميقِ الفكرِ وثباتِ العقل، فعن الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) أنّه قال: (أَكثِر صَمتَكَ يَتَوفَر فِكرُكَ ويَستَنيرُ قَلبُكَ وَيَسلَم النّاسُ مِن يَدِكَ)، وعن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (دَلِيلُ العاقِلِ التَّفَكُّرُ وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمتُ)، وعن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: (إِذا رَأَيتُم المُؤمِنَ صَمُوتاً فَادنُوا مِنهِ فَإِنَّهُ يُلقي الحِكمَةَ، وَالمُؤمِنُ قَليلُ الكَلامِ كَثِيرٌ العَمَلِ وَالمُنافِقُ كَثِيرُ الكَلامِ قَلِيلُ العَمَلِ)

وفي جانبٍ آخر تؤكّدُ الرواياتُ على أضرارِ كثرةِ الكلام، فقد وردَ عن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) أنّه قالَ: (كانَ المَسِيحُ عليه السلام يَقُولُ لا تكثروا الكَلامَ في غَيرِ ذِكرِ اللهِ فَإنَّ الَّذِينَ يكثِرُونَ الكَلامَ في غَيرِ ذِكرِ اللهِ قاسِيَةٌ قُلُوبُهُم وَلَكِن لا يَعلَمُونَ)، فمُضافاً إلى أنَّ كثرةَ الكلامِ توجبُ قسوةَ القلبِ توجبُ أيضاً البغضاءَ والمُشاحنةَ فعن الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرّضا (عليهِ السلام) قالَ: (إِنَّ الصَّمتَ بابٌ مِن أَبوابِ الحِكمَةِ، إِنَّ الصَّمتَ يَكسِبُ الَمحَبَّةَ إِنَّهُ دَليلٌ عَلَى كُلِّ خَير)، وجاءَ عن الإمامِ عليّ (عليهِ السلام): (الصَّمتُ يَكسِبُكَ الوِقارُ، وَيَكفِيكَ مَؤُونَةَ الإِعتِذارِ)، فالثّرثارُ حتماً يقعُ في الأخطاءِ بسببِ الغفلةِ والاندفاعِ العاطفيّ والانفعالِ النفسي، ولذا قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): (إِن كانَ في الكَلامِ بَلاغَةٌ فَفي الصَّمتِ سَلامَةٌ مِنَ العِثارِ)، فالصمتُ قد يكونُ أبلغَ منَ الكلامِ في مواردَ كثيرةٍ كما يقولُ الإمامُ الحسنُ المُجتبى (عليهِ السلام): (نِعمَ العَونُ الصَّمتُ في مَواطِن كَثِيرة وَإِن كُنتَ فَصِيح)

ومعَ أنَّ الرواياتِ كثيرةٌ في فوائدِ الصّمتِ إلّا أنَّ ذلكَ لا يعني أنَّ السكوتَ هوَ القاعدةُ التي يجبُ أن يلتزمَ بها الجميع، فالسّكوتُ المُطلَقُ مخالفٌ لطبيعةِ الإنسانِ وقد يتعارضُ معَ رسالةِ الإنسانِ في الحياة، فالسكوتُ في بعضِ الأحيانِ مذمومٌ أو حرامٌ مثلَ السكوتِ عن الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكَر، وعليهِ فإنَّ الغايةَ مِن مدحِ السكوتِ هيَ منعُ اللّسانِ عن الثّرثرةِ وفضولِ الكلام، وبذلكَ تكونُ القاعدةُ التي تحكمُ ذلكَ هيَ (قُل خيراً وإلاّ فاسكت)، وقد بيّنَ الإمامُ السجّادُ (عليهِ السلام) ذلكَ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ عندَما سألَه شخصٌ عن أيّهما الأفضل: الكلامُ أو السكوت؟ فقالَ (عليهِ السلام): (لِكُلِّ وَاحد مِنهُما آفاتٌ فَإذا سَلِما مَنَ الآفاتِ فَالكَلامُ أَفضَلُ مِنَ السُّكُوتِ، قِيلَ كَيفَ ذَلِكَ يا بنَ رَسُولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)؟ قَالَ: لأنّ اللهَ عَزّ َوَجَلَّ ما بَعَثَ الأَنبِياءَ وَالأَوصياءَ بِالسُّكُوتِ، إِنَّما بَعَثَهُم بِالكِلامِ، وَلا استَحَقَّتِ الجَنَّةُ بِالسُّكُوتِ وَلا استَوجَبَت وِلايَةً بِالسُّكُوتِ وِلا تِوَقِّيتِ النّارُ بِالسُّكُوتِ إِنَّما ذَلِكَ كُلُّهُ بِالكَلامِ، وَما كُنتُ لِأعدِلَ القَمَرَ بِالشَّمسِ إِنَّكَ تَصِفُ فَضلَ السُّكُوتِ بِالكَلامِ وَلَستَ تَصِفُ فَضلَ الكَلامِ بِالسُّكُوتِ)، فلكلٍّ منَ الصمتِ والكلامِ محاسنُه ومساويه، فالكلامُ حسنٌ إذا كانَ بالحقِّ وفي الحقِّ وإلّا كانَ السكوتُ هوَ الأولى.

ومِن أكثرِ المشاكلِ التي تُعاني مِنها البشريّةُ في هذا العصرِ هيَ كثرةُ الوسائلِ الإعلاميّةِ التي تبثُّ سمومَها ليلاً ونهاراً، فكثرةُ الكلامِ مِن غيرِ عقلٍ وتدبّرٍ هيَ المسؤولةُ عمّا نحنُ فيه مِن نزاعاتٍ وحروبٍ كما أنّها مسؤولةٌ أيضاً عن المشاكلِ الأسريّةِ والاجتماعيّة، ومِن هُنا فإنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عمّا يستمعُ إليه وعمّا يقوله، فعَن رسولِ الله (صلّى اللّهُ عليهِ وآله) قالَ: (مَن أَصغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَد عَبَدَهُ فَإِن كَانَ اَلنَّاطِقُ عَنِ اَللَّهِ فَقَد عَبَدَ اَللَّهَ وَ إِن كَانَ اَلنَّاطِقُ عَن إِبلِيسَ ، فَقَد عَبَدَ إِبلِيسَ)، أمّا على المُستوى الشخصي فيجبُ أن يتفكّرَ في كلِّ ما يريدُ أن يقولَه فإن كانَ فيهِ رضى للهِ فليقُله وإلّا فليصمُت.

أمّا كيفَ يتخلّصُ الإنسانُ مِن كثرةِ الثرثرةِ والكلامِ الزائد، فإنَّ ذلكَ يكونُ بالتدريبِ والمُراقبةِ المُستمرّةِ لكلِّ كلمةٍ يريدُ أن ينطقَ بها، فالصمتُ ملكةٌ يمتلكُها الإنسانُ بالتطبّع.