معتز المصري/: إن قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) هذه الآية جاءت مخاطبة للنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه, وكان الأمر بأن يشاورهم في الأمور الدنيوية كالحروب مثلاً, وهذا لا خلاف فيه إطلاقاً, فهل يمكن أن يكون التشاور في أمور الدين !! كأن يقول صلى الله عليه وسلم: ما رأيكم هل نجعل صلاة الظهر أربعة ركعات أم ستة ؟؟! أو يقول: ما هو الأنسب لكم أن تصوموا شهر رمضان أم شعبان !!؟ ولكن هناك شيء يجب التنبه عليه، وهو أن الرافضة جعلوا من منصب الخلافة أمراً دينياً وليس دنيوياً !! ولنترك الإمام علياً يرد عليهم من أصح كتبهم وهو نهج البلاغة حيث يقول: (( وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنِ اجتمعوا على رجُلٍ، وسَمَّوْهُ إماماً، كانَ ذلك لله رِضي، فإن خرج من أمرِهِم خارجٌ بِطَعْنٍ، أو بِدعةٍ، رَدُّوه إلى ما خَرَجَ منه، فإنْ أبَى قاتلوهُ على اتِّباعهِ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه الله ما تولَّى )) نهج البلاغة ص ( 137 ) فقد أثبت الإمام علي أن الإمامة هي منصب دنيوي، ومن يقوم باختيار صاحبه هم الناس أنفسهم، والذين كانوا في ذاك الوقت هم المهاجرون والأنصار ؟
قبل الجواب على ماورد في كتاب (نهج البلاغة)، هنا نود الإشارة إلى هذه النقطة، وهي :
أن كتاب (نهج البلاغة) ليس هو أصح كتب الشيعة كما يدعي صاحب السؤال هنا، فلا يوجد عندنا كتاب صحيح من الغلاف إلى الغلاف سوى كتاب الله عز وجل، ولا توجد عندنا - كما هو الحال عند أهل السنة السنة لغة:
السنة هي: الطريقة , مرضية كانت أو غير مرضية , و العادة(1).
السنة : السيرة و الطريقة , و الجمع سنن(2).
السنة : الطريقة , و السنة السيرة حميدة كانت أو ذميمة , و الجمع سنن(3).
السنة : السيرة , حسنة كانت أو قبيحة(4).
السنة : الطريقة و السيرة , حميدة كانت أو ذميمة(5).
يقول أبن فارس : و السنة : مفرد سنن , و سنة الوجه طريقته , و سنة النبي ( ص ) طريقته التي كان يتحراها(6).
أما سنة الله تعالى في تطلق على ( حكمته ) نحو قوله تعالى : ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا )(7).
و السنة في المجمع و في الصناعة : هي طريقة النبي ( ص ) قولاً و فعلاً و تقريراً , أصالة أو نيابة(8).
المزيد-كتب صحيحة من الغلاف إلى الغلاف بعد كتاب الله كصحيح البخاري ونحوه، فكل كتبنا - بعد كتاب الله - خاضعة للتحقيق والبحث والتنقيب، فنقبل منها ما ثبتت صحته بطرقنا المعتبرة، ونرد ما لم تثبت صحته، حسب القواعد الرجالية والحديثية المعمول بها عند محققي المذهب .
أما هذه الرسالة التي بعثها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى معاوية، الواردة في (نهج البلاغة)، فهي قد وردت وفق قاعدة الإلزام، وهي القاعدة التي تستعمل في مقام الإحتجاج على الخصوم، وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، بمعنى: أن الإمام (عليه السلام) كان يخاطب معاوية ويقول له: إن كنت يا معاوية ترى صحة الخلافة الخلافة في اللغة:
الخلافة: ـ بالكسر ـ تأتي بمعنى الإمارة(1)، ويقال: خلف فلان مكان أبيه، إذا جاء بعده فصار مكانه، فهو خليفة(2)، وتأتي أيضاً بمعنى الإمامة(3)، والفرق بينهما أن الإمامة مأخوذة من التقدم، فهو المتقدم فيما يقتضي وجوب الاقتداء الاقتداء: بمعنى الاتباع، تقول اقتدى به: فعل مثل فعله؛ تشبهاً به(1).
وفي التنزيل العزيز: ((فبهداهم اقتده))، سواء كان ذلك في صلاة أم غيرها، فالمأموم يقتدي بالإمام ويتأسى به، فيعمل مثل عمله. ويطلق على المقتدى به أنه قدوة وأسوة(2). كما يطلق عليه إمام الجماعة؛ لأنه قدوة للناس(3).
___________________
(1) المعجم الوسيط، ج2، ص720.
(2) الصحاح، ج6، ص 2459.
(3) معاني الأخبار، ص 64، مجمع البحرين، ج1، ص77.
المزيدبغيره، وفرض طاعته فيما تقدم فيه(4).
المزيدبالشورى، وأن الذين سبقوني بايعهم المهاجرون والأنصار، فأنا أيضاً بايعني المهاجرون والأنصار، وهم أهل الشورى، فما كان لك يا معاوية أن تحتال على صحة خلافتي من هذه الناحية أيضاً .
وكلامه (عليه السلام) هنا قد جرى وفق مقتضى الحال، وحسب القواعد البلاغية التي تلزم الإتيان للمنكر بكل الوسائل الممكنة للإثبات، وقاعدة الإلزام هي إحدى الوسائل النافعة في المقام، بل وجدنا من يذكر هذا الإلزام الذي أشرنا إليه هنا، بصريح العبارة عنه (عليه السلام) .
قال الخوارزمي الحنفي في كتابه (المناقب) ص 208، حيث قال ما نصه:
(( ومن كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى معاوية، قبل نهضته إلى صفين لأخذ الحجة عليه: أما بعد .. فإنه لزمتك بيعتي بالمدينة وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ... إلى آخر الكتاب )) .