سلسلة سؤال وجواب حول العدل الإلهي (4)

دليل المتكلمين في إثبات عدله تعالى

: اللجنة العلمية

س1: ما دليل المتكلمين (علماء الكلام والعقائد) في إثبات عدله تعالى؟

ج: سلك المتكلمون طريقاً آخراً في إثبات العدل الإلهي, غير طريق الحكماء وهو يعتمد على قاعدة التحسين والتقبيح العقلية, فما لم نثبت صحة هذه القاعدة, لا يمكن أنْ نثبت عدله تعالى بواسطة هذا الطريق, ولذا نجد أنّ الحكماء سلكوا طريقاً مختصراً وبعيداً عن الإشكالات, وأما هذه القاعدة التي اعتمدها المتكلمون, وقع الخلاف فيها, وقد أثبتنا صحتها كما تقدم, فيأتي الكلام في إثبات عدل الله سبحانه عن طريق هذه القاعدة.

وهذه القاعدة غير مختصة بالبشر, بل ممكن أنْ تسرى على أفعال الباري سبحانه وتعالى, بمعنى أنّ العقل البشري له الصلاحية أنْ يكشف عن حقيقة فعله تعالى, فلو فرضنا أنّ هناك من يقول سوف يدخل الله تعالى المؤمن النار, فالعقل يكشف أنّ هذا الفعل ظلمٌ, يستحيل أنْ يصدر منه سبحانه وتعالى, نعم نحن نُجزم أنّ جميع أفعال الله سبحانه حسنة, ويستحيل صدور الظلم والقبح منه تعالى, لكن الله سبحانه أعطانا عقلاً أولياً بديهياً نستطيع من خلاله أنْ نكشف عن الأفعال القبيحة والحسنة.  

إنْ قلت: لكن كيف يمكن أنْ نحكم على أفعال الله تعالى  كونها عادلة, وهل هذا إلا تعيين الوظيفة لله سبحانه, ولذا بعض الحكماء لم يستدلوا في إثبات عدله تعالى بهذه القاعدة لهذا المحذور. 

قلتُ: ذكرنا بأنّ العقل يحكم على حسن بعض الأفعال أو قبحها  كما قلنا, بمعنى أنه يُدرك ويكشف عن وجود الحسن والقبح, فلذا إذا قلنا أنّ الله تعالى عادل, كما في قولنا أنّ الأربعة زوج, فسواء حكمنا على الأربعة بالزوجية أو لا فهي قطعاً زوج, فلذا دور العقل هو الإدراك والكشف ليس إلا, وهذه نعمةٌ منه سبحانه وتعالى أعطاها لبني البشر, ولا يختلف فيها, أسود أو أبيض, مسلم أو غير مسلم, سواء أكان يعيش في المدينة, أم القرى والأرياف, لذا فما أدركه العقل من حسن العدل, ويستحق فاعله المدح, وقبح الظلم, ويستحق فاعله الذم, فهو معلوم لله سبحانه وتعالى, ويستحيل أنْ يعمل على خلافه, فما كان حسناً يفعله, وما كانَ قبيحاً, لا يفعله, وبالتالي فهو سبحانه وتعالى, لا يترك الحسن ولا يفعل القبيح, والعقل الإنساني, هو من اكتشف ذلك, بلا أي محذور, وليس هذا تحديداً للوظيفة الإلهية, بل هو إدراكٌ لما هو ثابت.  

فمن خلال هذه القاعدة,أمكن إثبات أنّ العدل والحكمة, هي صفاتٌ لأفعال حسنةٌ, ونستطيع أنْ نثبتهما عقلاً -من خلال القاعدة - فنقول أنّ الله سبحانه عادل وحكيمٌ وكذلك أنّ الظلمَ والسفه, هي صفاتٌ لأفعالٍ قبيحة, ونستطيع أنْ ننفيهما عقلاً- من خلال القاعدة - فنقول أنّ الله سبحانه لا يرتكب الظلم أو السفه.

وفي القرآن الكريم مما يثبت عدله تعالى:

* قوله تعالى: ((شهد اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (آل عمران: 18).

* قوله تعالى: ((ولا نكلف نفساً إلا وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحق وهم لا يظلمون)) (المؤمنون: 62).