لِمَاذَا صَالَحَ الإمَامُ الحَسَنُ (ع) مُعَاوِيَةَ، بَيْنَمَا قَاتَلَ الإمَامُ الحُسَيْنُ (ع) يَزِيدَ؟!!

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.. لِمَاذَا الإمَامُ الحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَمْ يَخْرُجْ ضِدَّ مُعَاوِيَةَ، وَالإمَامُ الحُسَيْنُ خَرَجَ ضِدَّ يَزِيدَ؟

: اللجنة العلمية

      الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     إِنَّ الظُّرُوفَ الَّتِي كَانَتْ تُحِيطُ بِأَحَدِهِمَا هِيَ غَيْرُ الظُّرُوفِ الَّتِي تُحِيطُ بِالآَخَرِ، فَالإِمَامُ الحَسَنُ (عَلَيْهِ السَلَامُ) كَانَتْ مَعْنَوِيَّاتُ جَيْشِهِ مُنْهَارَةً، وَقَدْ نَجَحَ مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ مِنْ المَعْرُوفِينَ بِالمَكْرِ وَالدَّهَاءِ) فِي تَفْكِيكِ هَذَا الجَيْشِ وَقَتْلِ مَعْنَوِيَّاتِهِ بِشَتَّى الطُّرُقِ وَالوَسَائِلِ، حَتَّى كَانَتْ السَّرَايَا مِنْ جَيْشِ الإِمَامِ الحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تَتَسَلَّلُ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ هِيَ وَقِيَادَاتُهَا إِلَى جِهَةِ الشَّامِ نَتِيجَةَ التَّرْغِيبِ الَّذِي كَانَ يَبْذُلُهُ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ، وَالنَّاسُ عَبِيدُ المَالِ وَالدُّنْيَا، كَمَا يَقُولُ الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلَى ألْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَائِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ. وَمِنْ هُنَا كَانَ الإسْتِمْرَارُ فِي مَعْرَكَةٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يُعَدُّ خَسَارَةً مُحَتَّمَةً فِي جَانِبَيْهَا العَسْكَرِيِّ وَالمَعْنَوِيِّ.

      وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ الإِمَامُ الحَسَنُ (عَلَيْهِ السَلَامُ) بِقَوْلِهِ: (وَاللهِ لَوْ قَاتَلْتُ مُعَاوِيَةَ لَأَخَذُوا بِعُنُقِي حَتَّى يَدْفَعُونِي إِلَيْهِ سُلَّماً، فَوَاللهِ لِأَنْ أُسَالِمَهُ وَأَنَا عَزِيزٌ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْتُلَنِي وَأَنَا أَسِيرُهُ، أَوْ يَمُنَّ عَلَيَّ فَتَكُونَ سبةً عَلَى بَنِي هَاشِمٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ) الإحْتِجَاجُ للطَّبرْسِي 2: 10)

     إِذَنْ: لَمْ يَبْقَ أَمَامَ الإِمَامِ الحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ طَرِيقٍ سِوَى الصُّلْحِ لِيَحْقُنَ بِهِ دِمَاءَ البَقِيَّةِ البَاقِيَةِ مِنْ جَيْشِهِ ومُنَاصِرِيهِ، وَلِيُعِيدَ تَرْتِيبَ الأَوْضَاعِ بِمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ مُوَاجَهَةِ مُعَاوِيَةَ وَبَنِي أُمَيَّةَ بِوَسَائِلَ وَظُرُوفٍ أُخْرَى.. فَمِثْلُ هَذَا الصُّلْحِ فِي وَاقِعِهِ يُعَدُّ حُنْكَةً سِيَاسِيَّةً بَالِغَةَ الأَهَمِّيَّةِ.

       أَمَّا الظُّرُوفُ الَّتِي كَانَتْ تُحِيطُ بِالإِمَامِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ تَمَاماً، فَلَئِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يَتَظَاهَرُ بِالإِسْلَامِ وَهُوَ قَدْ حَافَظَ عَلَى وُجُودِهِ المَعْنَوِيِّ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، فَيَزِيدُ ابْنُهُ مُتجَاهِرٌ بِالفِسْقِ وَالفُجُورِ، وَمُبَايَعَتُهُ أَوْ مُسَالَمَتُهُ تُعَدُّ مِنْ المُحَرَّمَاتِ والكَبَائِرِ المُوبِقَةِ، وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَناً حِينَ أَرَادَ الوَلِيدُ (وَالِي المَدِينَةِ) أَخْذَ البَيْعَةِ مِنْهُ لِيَزِيدَ، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَلَامُ): (إنّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفِ المَلَائِكَةِ، وَمَحَلِّ الرَّحْمَةِ، وَبِنَا فَتَحَ اللهُ، وَبِنَا خَتَمَ، وَيَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبٌ لِلخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ المُحْتَرَمَةِ مُعْلِنٌ بِالفِسْقِ، وَمِثْلِي لَا يُبَايِعُ لِمَثْلِهِ، وَلَكِنْ نُصْبِحُ وَتُصْبِحُونَ وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالخِلَافَةِ وَالبَيْعَةِ) [بِحَارُ الأَنْوَارِ 44: 325].

     وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَيْضاً فِي خِطَابِهِ لِلحُرِّ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَرَادُوا مَنْعَهُ مِنْ دُخُولِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: مَنْ رَأى سُلْطَاناً جَائِراً مُستَحِلّاً لِحَرَمِ اللهِ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالإثْمِ وَالعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كَانَ حَقًّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ) [تَارِيخُ الطَّبَرِي 4: 304 ].

     إِذَنْ: مِنْ حَيْثُ حُصُولُ المُوَاجَهَةِ بَيْنَ الإِمَامِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَيَزِيدَ هِيَ أَمَرٌ حَتْمِيٌّ لِوُصُولِ الأُمُورِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إِلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ لَا وِفَاقَ فِيهِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِقَولِهِ: (أَلَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ تَرَكَنِي بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، أَبَى اللهُ لَنَا ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ) [الإحْتِجَاجُ 2: 24].  انْتَهَى. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.