هَلْ الدِّينُ وَالإنْسَانِيَّةُ مَفْهُومَانِ مُتَضَادَّانِ؟ وَهَلْ الدِّينُ مَصْدَرُ شَقَاءِ الإِنْسَانِ؟

S. s. h/: هَلْ إِنَّ الدِّينَ وَالاِنْسَانِيَةَ مَفْهُومَانِ مُتَضَادَّانِ؟ وَهَلْ يُعْتَبَرُ الدِّينُ مَصْدَرَ شَقَاءٍ لِلإِنْسَانِ؟

: اللجنة العلمية

      عَلَى الرُّغْمِ مِنْ تَهَافُتِ السُّؤَالِ وَعَدَمِ تَرَابُطِهِ - سَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَ عَدَمِ التَّرَابُطِ - نَقُولُ فِيهِ: 

      أَوَّلًا: أنَّ المَفَاهِيمَ فِيمَا بَيْنَهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ المَصَادِيقِ يُمْكِنُ أَنْ تَتَوَافَقَ، فَمَثَلًا: مَفْهُومُ الفَقِيرِ هُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ سَنَتِهِ، وَمَفْهُومُ الإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، فَالمَفْهُومَانِ مُتَبَايِنَانِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي خَالِدٍ الفَقِيرِ.

      وَثَانِيًا: الدِّينُ مَفْهُومًا هُوَ: عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعَةٍ مِنْ المَفَاهِيمِ وَالأَحْكَامِ وَالسِّيَاسَاتِ لِتَنْظِيمِ حَيَاةِ الإِنْسَانِ وَمَا يُحِيطُ بِهِ مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وجَمَادٍ.

       وَالإِنْسَانِيَّةُ مَفْهُومًا هِيَ: عِبَارَةٌ عَنْ القِيَمِ وَالمَبَادِئِ وَالأَخْلَاقِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ - بِحَسَبِ ذَاتِهِ - الإِتِّصَافُ بِهَا.

      وَعَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّضَادُّ بَيْنَ المَفْهُومَيْنِ.

      ثَالِثًا: مِنْ بَيَانِ مَفْهُومِ الأَمْرَيْنِ  "الدِّينِ وَالإِنْسَانِيَّةِ" يَتَّضِحُ الجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي، فَإِنَّ الإِنْسَانَ طَامِحٌ لِأَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ كَرِيمَةً هَادِئَةً وَادِعَةً، وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْ المُنغِّصَاتِ وَالآلَامِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَا يَدْعُوا إِلَيْهِ الدِّينُ.

      فَمَثَلًا: مِنْ الأُمُورِ الَّتِي تُنَغِّصُ عَلَى الإِنْسَانِ حَيَاتَهُ وَتَجْعَلُهَا مُضْطَرِبَةً الكَذِبُ وَالظُّلْمُ وَسَلْبُ حُقُوقِ الآخَرِينَ، وَالدِّينُ فِي تَعَالِيمِهِ يَنْفِي وَيَمْنَعُ عَنْ العَمَلِ بِهَا.

      قَالَ الإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): نَحْنُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَمِنْ فُرُوعِنَا كُلُّ بِرٍّ، فَمِنْ البِرِّ: التَّوْحِيدُ، وَالصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَكَظْمُ الغَيْظِ، وَالعَفْوُ عَنْ المُسِيءِ، وَرَحْمَةُ الفَقِيرِ، وَتَعَهُّدُ الجَارِ، وَالإِقْرَارُ بِالفَضْلِ لِأَهْلِهِ.

      وَعَدُونَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ، وَمِنْ فُرُوعِهِمْ كُلُّ قَبِيحٍ وَفَاحِشَةٍ، فَمِنْهُمْ: الكَذِبُ وَالبُخْلُ وَالنَّمِيمَةُ، وَالقَطِيعَةُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَتَعَدِّي الحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ، وَرُكُوبُ الفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَكُلُّ مَا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْ القَبِيحِ، فَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَعَنَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفُرُوعِ غَيْرِنَا.

      أفبَعْدَ هَذِهِ التَّعَالِيمِ يَكُونُ الدِّينُ شَقَاءً لِلإِنْسَانِ.

      وَهَذَا هُوَ وَجْهُ عَدَمِ التَّرَابُطِ بَيْنَ السُّؤَالَيْنِ، فَالدِّينُ بِمَفَاهِيمِهِ يَنْسَجِمُ مَعَ القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ ضِدًّا لَهَا أَوْ مُسَبِّبًا لِشَقَائِهَا!