الزَّواجُ أهوَ اختيارٌ أمْ بالقسمةِ؟

محمَّد مدلول النّاجي‏: ما معنى القسمةِ؟ وهلِ الزَّوجةُ قسمةٌ كما يقولُ بعضُهُمْ؟

: اللجنة العلمية

الأخُ محمَّد المحترمٌ، السَّلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.

الزَّواجُ أمرٌ اختياريٌّ، ولا يوجدُ فيهِ أيُّ جبرٍ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقدْ دلَّتْ جملةٌ منَ الأحاديثِ الشَّريفةِ على استحبابِ اختيارِ المرأةِ العفيفةِ، ذاتِ المنبتِ الطَّيِّبِ، وأنْ تكونَ وَلوداً، بمعنى أنْ تلاحظَ قرائِنَها منْ أهلِها هلْ فيهِنَّ صفةُ كثرةِ الولاداتِ أمْ لا.

فقدْ جاءَ عنْ رسولِ اللهِ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ - قولُهُ: (اخْتارُوا لِنُطَفِكُمْ؛، فَإنَّ الْخالَ أَحَدُ الضَّجِيعَيْنِ).

وقالَ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ -: (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ؛ فَإنَّ الْعِرْقَ دَسّاسٌ).

وقالَ- صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ -: (تَزَوَّجُوا بِكْراً وَلُوداً، وَلا تَزَوَّجُوا حَسْناءَ جَمِيلةً عاقِراً، فإنِّي أُباهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيامَةِ).

وجاءَ عنِ الإمامِ جَعْفَرٍ الصّادِقِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: (قامَ النَّبيُّ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ- خَطِيباً، فقالَ: أيُّها النّاسُ، إيّاكُمْ وَخَضْراءَ الدِّمَنِ. قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، وَما خَضْراءُ الدِّمَنِ؟ قالَ: المَرْأةُ الحَسْناءُ في مَنْبِتِ السُّوءِ).

       ونَجِدُ أحاديثَ مثلَها في اختيارِ الزَّوْجِ أيضاً، قالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ -: (إذا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ).

فمِنْ مجموعِ هذِهِ الأحاديثِ الشَّريفةِ نفهَمُ أنَّ الزَّواجَ هوَ بالاختيارِ لا بِالجَبْرِ، وَعَلى الإنسانِ أنْ يختارَ الطَّرَفَ الآخرَ بالصِّفاتِ التي حَثَّ عليْها الشَّرْعُ.

نَعَمْ، بَعْدَ الاختيارِ وحُصُولِ الزَّواجِ يصِحُّ أنْ نُسمِّيَ هذا الزَّواجَ مِمّا قسَمَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ وقضاهُ، وهذا الأمرُ لا دَخَلَ لهُ بالاختيارِ، بلْ هوَ يدخلُ في العلمِ الإلهيِّ، أيْ إنَّ اللهَ سُبْحانَهُ يعلمُ بأنَّ فُلاناً سيتزوَّجُ فلانةَ مستقبلاً، وهذا العلمُ الإلهيُّ لا مدخليَّةَ لهُ في حُصُولِ الزَّواجِ في الواقعِ، ولا يوجدُ جبرٌ حتميٌّ يُفقِدُ الإنسانَ إرادتَهُ في اختيارِ شريكِ حياتِهِ، بلِ الإنسانُ مختارٌ في قراراتِهِ، وهوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةَ اختياراتِهِ، إذْ لوْ كانَ الأمرُ جبراً لبطلَ الثَّوابُ والعِقابُ، بلْ لبطلَ التَّكليفُ مِنْ أساسِهِ، ولا أحدَ يقولُ بذلكَ. 

وَدُمْتُمْ سالِمِينَ.