لِماذا رُمِيَ الحاكِمُ صاحِبُ (المُسْتَدْرَكِ) بِالتَّشَيُّعِ؟

جواد / إيران: اختلفَتِ الأقوالُ في الحاكمِ صاحبِ (المستدرَكِ)، فبعضٌ يقولُ: سُنِّيُّ المذهبِ، وآخرُ يقولُ: شيعيُّ المذهبِ؟ أرجو إجابةً واضحةً ومحدَّدةً.

: اللجنة العلمية

  الأخُ جوادٌ المحترمُ، السَّلامُ عليْكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.

  لوْ أتعبْنا أنفسُنا قليلاً وعمِلْنا بحثاً بسيطاً في محرِّكِ البحثِ، وكتبْنا كلمةَ (رافضيٍّ) ومشتقّاتِها، أوْ (شيعيٍّ) ومشتقّاتِها لَوَجَدْنا العجبَ العُجابَ، ولَرَأيْنا جامِعاً مشتركاً بينَ جميعِ مَنْ يطلقونَ هذِهِ الأوصافَ عليْهِ مِنْ عُلمائِهِمْ ومحدِّثِيهِمْ مَهْما كانتْ درجتُهمْ ومقامُهمْ وفضلُهمْ عندَهمْ!

فَها هوَ الشّافعيُّ نراهُ كثيراً ما يشكو مِنِ اتِّهامِهِ بأنَّهُ رافضيٌّ لمجرَّدِ محبَّتِهِ لأهلِ البيتِ (ع)، وعدمِ عملِهِ وتفاعُلِهِ معَ السُّلطاتِ الغاصِبَةِ والنَّواصِبِ في زمانِهِ.

ولوْ نظرْنا في تراجِمِ كثيرٍ منْ رُواةِ حديثِهِمْ وخصوصاً الأعمَّ الأغلبَ منَ الكوفيِّينَ لَوَجَدْناهم يَرْمُونَهمْ بالتَّشيُّعِ والرَّفْضِ مَهْما كانَ ذلكَ الشَّخصُ مُهِمّاً، ويعتمدونَ عليْهِ وعلى أحاديثِهِ كيْ يمكنَهمْ بعدَ ذلكَ تكذيبُ أيَّةِ روايةٍ يرويها في فضلِ أهلِ البيتِ (ع) أوْ ذمِّ أعدائِهمْ!

فَتَراهُمْ مثلاً يَرْمُونَ أمثالَ الحاكمِ والنَّسائيِّ وعَبْدِ الرَّزّاقِ وغيرِهمْ منْ أساطينِ المحدِّثينَ ومؤلِّفي موسوعاتِ الإسلامِ الحديثيَّةِ الكبيرةِ، والتي لا غِنى لهمْ عَنْها بأنَّهمْ كانوا شِيعةً أوْ رافِضَةً!

قالَ الذَّهبيُّ عنِ الحاكمِ النَّيسابوريِّ الإمامِ: (قالَ ابنُ طاهرٍ: سألتُ أبا إسماعيلَ الأنصاريَّ عنِ الحاكمِ فقالَ: ثقةٌ في الحديثِ رافضيٌّ خبيثٌ. ثمَّ قالَ ابنُ طاهِرٍ: كانَ شديدَ التَّعصُّبِ للشِّيعةِ في الباطِنِ، وكانَ يُظْهِرُ التَّسنُّنَ في التَّقديمِ والخلافةِ، وكانَ مُنْحَرِفاً عنْ معاويةَ وآلِهِ، متظاهراً بذلِكَ ولا يعتذرُ منْهُ). [تذكرةُ الحُفّاظِ 3/ 1045]

وقالَ الذَّهَبيُّ أيضاً عنْ عبدِ الرَّزّاقِ الإمامِ المصنِّفِ صاحبِ (المصنّفِ): (قالَ ابنُ عَدِيٍّ: حدَّثَ بأحاديثَ في الفضائلِ لمْ يوافقْهُ عليْها أحدٌ، ومَثالِبَ لِغَيْرِهِمْ مَناكيرَ، ونَسبوهُ إلى التَّشيُّعِ). ثمَّ قالَ الذَّهبيُّ: (العقيليُّ، سَمِعْتُ عليَّ بنَ عبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ الصَّنعانيِّ يقولُ: كانَ زيدُ بنُ المبارَكِ لزِمَ عبدَ الرَّزّاقِ فأكثرَ عنْهُ، ثمَّ خَرَقَ كُتُبَهُ، ولزِمَ محمَّدَ بنَ ثورٍ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ: كُنّا عندَ عبدِ الرَّزّاقِ فحدَّثَنا بحديثِ ابنِ الحَدَثانِ، فلمّا قرأَ قولَ عمرَ لعليٍّ والعبّاسِ: فجئتَ أنتَ تطلبُ ميراثَكَ منِ ابنِ أخيكَ، وجاءَ هذا يطلبُ ميراثَ امرأتِهِ منْ أبِيها، قالَ عبدُ الرَّزّاقِ: انظرْ إلى هذا الأنْوَكِ يقولُ: مِنْ ابنِ أخِيكَ، مِنْ أبِيها! لا يقولُ: رسولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالَ زيدُ بنُ المبارَكِ: فقمْتُ فلمْ أعُدْ إليْهِ، ولا أروي عنْهُ) [ميزانُ الاعتدالِ 2/ 610]

وقالوا عنِ النَّسائيِّ ومِحْنَتِهِ منْ أجلِ عدمِ اعتقادِهِ بوجودِ فضيلةٍ لمعاويةَ، بلْ ذَمَّهُ، فنقلَ الذَّهبيُّ أيضاً أنَّهُ: (روى أبو عبدِ اللهِ بنُ مَنْدَهٍ، عنْ حمزةَ العَقبيِّ المصريِّ وغيرِهِ أنَّ النَّسائيَّ خرَجَ منْ مِصْرَ في آخرِ عمرِهِ إلى دمشقَ، فسُئِلَ بِها عنْ معاويةَ وما جاءَ في فضائِلِهِ، فقالَ: لا يرضى رأساً برأسٍ حتّى يُفضِّلَ؟ قالَ: فما زالوا يدفعونَ في حِضْنَيْهِ [خُصْيَتَيْهِ] حتّى أخْرِجَ منَ المسجدِ، ثمَّ حُمِلَ إلى مكَّةَ فتُوُفِّيَ بِها) وقالَ فيهِ: (ولمْ يكنْ أحدٌ في رأسِ الثَّلاثِ مئةِ أحفظَ منَ النَّسائيِّ، هوَ أحذقُ بالحديثِ وعِلَلِهِ ورِجالِهِ منْ مسلمٍ، ومنْ أبي داودَ، ومنْ أبي عيسى، وهوَ جارٍ في مضمارِ البُخاريِّ وأبي زُرْعَةَ إلّا أنَّ فيهِ قليلَ تشيُّعٍ وانحرافٍ عنْ خُصُومِ الإمامِ عليٍّ، كمعاويةَ وعَمْرٍو، واللهُ يُسامِحُهُ). [سيرُ أعلامِ النُّبَلاءِ14/ 133]

ونختمُ بِما قالَهُ الذَّهبيُّ أيضاً في (ميزانِ الاعتدالِ1/ 5) في ترجمَةِ أبانَ بنِ تغلبَ وأقرَّهُ عليْهِ أيضاً الحافظُ بنُ حجرٍ في (لسانِ الميزانِ 1/ 9)، وجعلوهُ ضابطةً لِرُواةِ الحديثِ وقبولِ رِواياتِهِمْ: (البدعةُ على ضَرْبَينِ: فبدعةٌ صغرى كغلوِّ التَّشيُّعِ أوْ كالتَّشيُّعِ بِلا غلوٍّ ولا تحرُّفٍ، فهذا كثيرٌ في التّابعينَ وأتباعِهِمْ معَ الدِّينِ والوَرَعِ والصِّدْقِ، فلوْ رُدَّ حديثُ هؤلاءِ لَذَهَبَ جملةٌ منَ الآثارِ النَّبويَّةِ، وهذِهِ مَفْسَدَةٌ بَيِّنةٌ، ثمَّ بدعةٌ كبرى كالرَّفضِ الكاملِ، والغلوِّ فيهِ، والحطِّ على أبي بكرٍ وعُمَرَ، والدُّعاءِ إلى ذلكَ، فهؤلاءِ لا يُقبلُ حديثُهُمْ ولا كرامةَ).

عِلْماً أنَّهمْ يُوَثِّقُونَ النَّواصبَ الذينَ يَسُبُّونَ ويلعنونَ أميرَ المؤمنينَ (ع) بأعلى دَرَجاتِ التَّوثيقِ كحَرِيزِ بنِ عثمانَ والجَوْزَجانيِّ وغيرِهِما، ولمْ يقولوا عنْهُمْ: لا نروي عنْهمْ ولا كرامةَ، معَ أنَّ رسولَ اللهِ (ص) قدْ قالَ في عليٍّ (ع) دونَ غيرِهِ: (لا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ)!! والمنافقُ قدْ وصفَهُ رسولُ اللهِ (ص) بقولِهِ: (إذا حدَّثَ كَذِبَ)! فإنّا للهِ وإنّا إليْهِ راجِعُونَ.

وَدُمْتُمْ سالِمِينَ.