تَوضِيحٌ لِعَقِيدَةِ البَدَاءِ عِنْدَ الشِّيعَةِ.

غَالِبُ عَلِيّ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. جَزَآكُم ٱللهُ خَيرَاً لِمَا تُقَدِّمُونَهُ لَنَا مِنَ المَعرِفةِ الَّتِي تُنِيرُ عُقُولَنَا.. مَا هُوَ البَدَاءُ الأَعظَمُ الَّذِي يؤمن بِهِ علمائنا الشِّيعَةُ (حَفِظَهُمُ ٱللهُ)؟ وَمَا هِيَ الأَمْثَالُ التَّأرِيخِيَّةِ عَلَيهِ وَالحَوَادِثُ؟ إِنْ أَمْكَنَ التَّوضِيحُ:

: اللجنة العلمية

الأَخُ غَالِبُ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ

عَقِيدَةُ البَدَاءِ عِنْدَ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ تَعنِي أَنَّ ٱللهَ سُبْحَانَهُ يُغَيِّرُ الآجَاَلَ والأَرْزَاقَ حَسَبِ الأَعمَالِ الَّتِي تَصدُرُ مِنَ العَبدِ فِي بَعضِ الأَحيَانِ كالدُّعَاءِ والتَّصَدُّقِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ وَنَحوِهَا.

وَهَذَا المَعْنَى نَصَّتْ عَلَيهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ الَّتِي تَقُولُ: ﴿يَمحُو ٱللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ﴾ الرَّعْد:39.

فَهُناكَ لَوحُ المَحوِ وَالإِثبَاتِ عِندَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي يَجرِي فِيهِ البَدَاءُ، وَاللَّوحُ المَحفُوظُ الَّذِي هُوَ أُمُّ الكِتَابِ. 

وَقَد وَرَدَت عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنً الرُّوَايَاتِ الَّتِي تُشَابِهُ قَولَ الشِّيعَةِ فِي البَدَاءِ، كَهَذِهِ الرُّوَايَةِ الَّتِي يَروِيها التِّرْمِذِيّ فِي سُنَنِهِ عَنِ الصَّحَابِيِّ سَلمَانَ الفَارِسِيِّ (رَضْوَانُ ٱللهِ عَلَيهِ) أَنَّ رَسُولَ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾، قَالَ: ﴿ لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمُرِ إِلَّا البِرُّ ﴾. [سُنَنُ التِّرْمِذِيّ 3: 304]

فَهَذِهِ الرُّوَايَةُ تُطابِقُ تَمَامَاً عَقِيدَةَ الشِّيعَةُ فِي البَدَاءِ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ ٱللهَ يَزَيِّدُ ويُنَقِّصُ فِي الآجَالِ والأَرزَاقِ بِحَسَبِ مَا يَصْدُرُ مِنْ أَعمَالِ العبد، وَلَا يَنسِبُ الشِّيعَةُ الجَهلَ إِلَى ٱللهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَم يَكُن يَعلَمُ بِصُدُورِ هَذَا الفِعلِ مِنْ عَبدِهِ مِنْ حَيثُ التَّصَدُّقِ أَوِ الدُّعَاءِ فَيِطِيلُ فِي عُمُرِهِ أَو يَدفَعُ البَلَاءَ عنْهُ، فهذا لا تَقُولُ بِهِ الشِّيعَةُ مُطلَقاً ولَا يُوجَدُ مَصْدَرٌ شِيعِيٌّ وَاحِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُونَ يُوجَدُ عِندَهُ سُبْحَانَهُ لَوحٌ ٱسْمُهُ لَوحُ المَحوِ وَالإِثْبَاتِ كَمَا نَصَّتْ عَلَيهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ يُغَيِّرُ فِيهِ الآجَالَ وَالأَرْزَاقَ بِحَسَبِ الأَعْمَالِ الصَّادِرَةُ مِنَ العَبدِ كالدُّعَاءِ وَالتَّصَدُّقِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا أَنَّهَا تُطِيلُ الأَعمَارَ وَتَزِيدُ فِي الأَرْزَاقِ [ رَاجِعْ:  المُسْتَدْرَكَ لِلحَاكمِ 1: 493، شُعُبَ الإِيمَانِ لِلبَيهَقِيّ 3: 214].

 وَإِذَا كَانَ مَحِلُّ التَّشْنِيعِ هُوَ كَلِمَةَ (بَدَا) الوَارِدَةُ فِي بَعضِ الرُّوَايَاتِ عِندَنَا وَالَّتِي يُستَفَادُ مِنْهَا لُغَوِيَّاً الظُّهُورَ بَعْدَ الخَفَاءِ الَّذِي يَلزَمُ مِنهُ الجَهْلَ، فَهَذَا المَعنَى لَا تُرِيدُهُ الشِّيعَةُ مُطْلَقَاً، بل المقصود هُوَ المَعنَى الَّذِي بيناه في أعلاه.

وَقَدْ تَقُولُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ الشِّيعَةُ يَقصُدُونَ مِنَ البَدَاءِ المَعنَى اللُّغَوِيَّ، الَّذِي هُوَ الظُهُورُ بَعْدَ الخَفَاءِ، فَلِمَاذا أَطلَقُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ (البَدَاءَ) عَلَى هَذِهِ العَقِيدَةِ ؟!

الجَوَابُ: هَذِهِ التَّسْمِيَةُ هِيَ نَوعٌ مِنَ المَجَازِ والمُشَاكَلَةِ اللغوية، أَيْ ذِكْرُ الشَّيءِ بِلفَظِ غَيرِهِ؛ لِوُقُوعِهِ فِي صُحبَتِهِ، وَالقُرَآنُ الكَرِيمُ مَلِيءٌ بِهَذا النُّوعِ مِنَ المَجازِ والمُشاكَلةِ، فَالقُرآنُ الكَرِيمُ يَنسِبُ إِلَى ٱللهِ تَعَالَى: "المَكْرَ" وَ"الكيد" وَ"الخديعة" وَ "النِّسْيَانَ" وَ"الآسَفَ" عَلَى نَحوِ المُشَاكَلَةِ؛ إِذْ يَقُولُ عَزَّ مَنْ قَائِلَ: ﴿ يَكِيدُونَ كَيدَاً وَأَكِيدُ كَيدَاً ﴾

﴿ وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنَا  مَكْرَاً ﴾.

﴿ إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم ﴾.

﴿ نَسُوا ٱللهَ فَنَسِيَهُم ﴾

﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا ٱنْتَقَمْنَا مِنهُم ﴾.

وَنَحوُها مِنَ الآيَاتِ الكرِيمَةِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ هِيَ صِفَاتُ نَقصٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِهَا المَولَى سُبْحَانَهُ حَقِيقَةً، بلْ يَكُونُ المُرَادُ مِنْهَا هُوَ المَجَازُ وَالمُشَاكَلَةُ اللُّغَوِيَّةُ، الَّتِي تَعنِي ذِكْرَ الشَّيءِ بِلَفظِ غِيرِهِ؛ لِوُقوعِ فِي صُحبَتِهِ.

وَالغَرِيبُ أَنَّ إِخوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ يَروُونَ رُوَايَاتٍ صَرِيحَةٍ وَفِي أَصَحِّ كُتُبِهِم الحَدِيثِيَّةِ لَفظُ (البَدَاءُ) وَيَسْتَسِيغُونَهُ وَلَا يُشَنِّعُونَ عَلَى أَنفُسِهِم فِيهِ كَمَا يَهرِج ُ بَعضُهُم مَعَ الشِّيعَةِ، فَهَا هُوَ البُخَارِيّ، يَروِي فِي صَحِيحِهِ ج4 ص 144 كِتَابُ بَدءِ الخَلقِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النبيُّ﴿ﷺ﴾، قَالَ: "ثَلَاثَةٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبرَصُ وَأَعمَى وَأَقرَعُ بَدَا لله ﴿ﷻ﴾ أَنْ يَبتَلِيَهم إِلَى آخِرِ الرُّوَايَةِ".

فَهُنا نَجِدُ البُخَارِيّ قَدْ أَورَدَ كَلِمةَ ( بدا ) عَنْ َأبِي هُرَيرَةَ  فِي رُوَايَتِهِ بِشَكلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ، فَهَلْ كَانَ المَقصُودُ مِنْهَا  أَنَّ ٱللهُ ﴿ﷻ﴾ قَدْ ظَهَرَ لَهُ  بَعْدَ خَفَاءِ الأَمرِ عَلَيهِ أَنْ يَبتَلِيَ هَؤُلاءِ الثُّلَاثةَ ؟!!

فَهَذا التَّشْنِيعُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ حَولَ عَقِيدَةِ البَدَاءِ عِنْدَ الشِّيعَةِ هُوَ فِي الوَاقِعِ مِنْ ضَعفِ الخُصُومِ وَجَهلِهِم، حِينَ لَمْ يَجِدُوا شَيئَاً يَنْبِزُونَ بِهِ أَتبَاعَ أَهْلِ البَيتِ ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾، فَذَهَبُوا إِلَى هَذِهِ السَّفَاسِفِ يَنْبِزُونَهُم بِهَا، وَلَكِنَّ العِلمَ وَالوَاقِعَ كَشَفَا جَهلَهُم وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ