هَلْ يُعَدُّ بُرهَانُ النَّظمِ دَلِيلَاً صَحِيحَاً عَلَى وُجُودِ ٱللهِ؟

Moses/أَمرِيكا: سُؤَالِي بالنِّسبَةِ لِبُرهانِ النَّظمِ: بمَا أَنَّهُ لُو خُلِّيَ ونَفسُهُ لَمْ يكُنْ دَلِيلاً مِن رَأْسٍ بلْ نَحتاجُ أَنْ نُثبِتَ قَبلَهُ واجِبَ الوُجودِ حتَّى يَصُحُّ الٱستِدلالُ بهِ فمَا مَعنَى حِينها التَّفَكُّرُ في خَلقِ ٱللهِ؟ وهَلْ يَصُحُّ أَنْ يَبقَى ويُسَمَّى بُرهَاناً؟.

: اللجنة العلمية

الأَخُ المُحْتَرَمُ، عَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

يَبدو أَنَّ هُناكَ ٱشْتِباهَاً في فَهمِ بُرهانِ النَّظمِ عندَ السَّائلِ، وحتَّى يَتَّضِحَ ذلكَ لا بُدَّ مِن شَرحٍ مُبَسَّطٍ لِبُرهانِ النَّظمِ.

يقومُ البُرهانُ عَلَى مُقَدِّمَتَينِ:

الأُولى: يقومُ على رَصدِ النِّظامِ الدَّقيقِ الَّذي يَكتنِفُ هذا الكَونَ، سَوآءُ كانَ رَصْدَاً حِسِّيَّاً بَسِيطَاً أَو كانَ رَصْدَاً عِلمِيَّاً تَجرِيبِيَّاً، كما هُو حالُ العُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتي تَتحدَّثُ بِدَهشَةٍ عن دِقَّةِ هذا النِّظامِ، وهُناكَ دِراسَاتٌ عِلمِيَّةٌ مُفَصَّلَةٌ في شَتَّى الحُقولِ والمَجالاتِ تَتحدَّثُ عن هذا النِّظامِ الكَونِيّ، وعَليه يَقومُ البُرهانِ على بَداهةِ هذا النِّظامِ في الكَونِ.

الثَّانِيَةُ: دَلِيلُ العَقلِ على أَنَّ كُلَّ مَعلُولٍ لا بُدَّ لهُ مِن عِلَّةٍ، فبَعدَ التَّأكِيدِ على وُجودِ هذا النِّظامِ والتَّسلِيمِ بهِ، يأتِي العَقلُ؛ لِيَحكُمَ بِضَرُورَةِ وُجودِ مُنَظِّمٍ لِهذا النِّظامِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ المُستَحِيلِ عَقلاً القولُ بِوُجودِهِ عن طَريقِ الصُّدفَةِ.

وهكذا تَكتَمِلُ الشُّرُوطُ الأَساسِيَّةِ لِلبُرهانِ، وحتَّى يكونَ مُلزِماً لِلأٓخَرِ لا بُدَّ أَنْ نُبطِلَ التَّسَلسُلَ والدَّورَ، وهذا ما يَتكفَّلُ بهِ عِلمُ المَنطِقِ الَّذي حَكَمَ بِبُطلانِهِما، وعَليهِ يُصبِحُ بُرهانُ النَّظمِ صَالِحاً للإِستِدلالِ بهِ على مُنكِرِ ٱللهِ؛ لِأَنَّهُ يُثَبِّتُ وُجودَ إِلهٍ قادِرٍ عَلِيمٍ ذِي إِرَادَةٍ وقَصْدٍ. ولِذلكَ نَجِدُ القُرآنَ قد لَفَتَ ٱنتِباهَ الإِنسَانِ في كَثيرٍ مِنَ الآياتِ لِهذا النِّظامِ، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فُصِّلَت 53)

وقَدِ ٱسْتَخدَمَهُ الأَئِمَّةُ (سَلامُ ٱللهُ عَليهم) في التَّدلِيلِ على وُجودِ ٱللهِ كما قال أَميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ (عَليهِ السَّلامُ): (أَلَا يَنظُرونَ إِلى صَغيرِ مَا خُلِقَ؟! كيفَ أُحكِمَ خَلقُهُ وأُتقِنَ تَركِيبُهُ، وفُلِقً لهُ السَّمعُ والبَصَرُ، وسُوِّيَ لهُ العَظمُ والبَشَرُ؟، أُنظُروا إِلى النَّملَةِ في صِغَرِ جُثَّتِها ولَطَافَةِ هَيأَتِها لا تَكادُ تُنالُ بِلَحظِ البَصَرِ ولا بمُستَدرَكِ الفِكَرِ، كيفَ دَبَّتْ على أَرضِها وصَبَّتْ على رِزقِها؟، تَنقُلُ الحَبَّةَ إِلى جُحرِها وتُعِدُّها في مُستَقَرِّها، تجمَعُ في حَرِّها لِبَردِها وفي وِرْدِها لِصَدْرها.. فالوَيلُ لِمَنْ أَنكرَ المُقَدِّرَ وجَحَدَ المُدَبِّرَ...)(1) .

وهكذا يكونُ بُرهانُ النَّظمِ دَلِيلاً مُستَقِلاً غَيرَ مُتَوَقِّفٍ على ٱفْتِراضِ واجِبِ الوُجُودِ كما تَوَهَّمَ السَّائِلُ. 

 وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.

____________________  (1) نهج البلاغة الخطبة 185