الحَدِيْثُ الجَّيِّدُ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ شُرُوْطِهِ.

سَيف /الأُرْدُن/ : السَّلَامُ عَلَيْكُم. لَدَيَّ سُؤَالٌ يَتَعَلَّقُ بِأَقْسَامِ الحَدِيْثِ، فَالمَعْرُوفُ أنَّ العُلَمَاءَ قَسَّمُوا الحَدِيثَ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: القِسْمُ الأَوَّلُ: الحَدِيْثُ الصَّحِيْحُ ، وَالقِسْمُ الثَّانِي: الحَدِيْثُ الحَسَنُ، وَالقِسْمُ الثَّالِثُ: الحَدِيْثُ الضَّعِيْفُ، فَكَانُوا يُحْكُمُونَ عَلَى الحَدِيْثِ المُعَيَّنِ طِبْقَاً لِشُرُوطِهِ، فَإِذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الصِّحَّةِ حَكَمُوا بِصِحَّتِهِ، وَإذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الحُسَنِ، حَكَمُوا بِحُسْنِهِ، وَإِذَا فَقَدَ الحَدِيثُ بَعْضَاً مِن شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَو الحُسْنِ حَكَمُوا بِضَعْفِهِ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الأحْيَانِ نَجِدُ كَثِيْرَاً مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ كَالذَهَبِيِّ وَابْنِ حِجْرٍ العَسٍقَلَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، يَحْكُمُونَ عَلَى بَعْضِ الأَحَادِيْثِ بِأنَّ إسْنَادَهَا جَيِّدٌ؛ فَهَلْ لِلْحَدِيثُ الجَيِّدِ قِسْمٌ آَخَرُ مِنْ أَقْسَامِ الحَدِيْثِ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَا هِيَ شُرُوْطُهُ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ سَيْف المُحْتَرَم،

السَّلَامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

إنَّ المَعْرُوفَ بَيْنَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، أنَّ الحَدِيْثَ الجَيِّدَ هُو قِسْمٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ وَالحَدِيْثِ الحَسَنِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ المِثَالِ التَّالِي: 

قَالَ أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بن أَبْي كَثِيْرٍ عَنْ أَنَسٍ عَن النَّبيِّ (ص): قَال: (كَذَا وَكَذَا).

وَنُؤَكِّدُ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ أنَّهُ لَا بُدَّ ِلكُلِّ بَاحِثٍ أَنْ يَعْرِفَ أنَّ عُلَمَاءَ الجَّرْحِ والتَّعْدِيْلِ يَسْتَعْمِلُونَ أَلْفَاظَاً مُعَيَّنَةً يَصِفُونَ بِهَا الرُّوَاةَ كُلٌّ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَمِنْ خِلَالِ هَذِه الألْفَاظِ الَّتِي يُوْصَفُ بِهَا الرُّوَاةُ عُمُوْمَاً سَيَتَبَيَّنُ لَنَا حِيْنَئِذٍ أنَّ هَذَا الرَّاوِيَ حَدِيْثُهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيْحِ أَوْ مِنْ قِسْمِ الحَسَنِ أَو مِنْ قِسٍمِ الضَّعِيْفِ. فَمَثَلاً لَوْ وَجَدْنَا عُلَمَاءَ الجَّرْحِ والتَّعْدِيْلِ قَدْ وَصَفُوا أَحَدَ الرُّوَاةِ بِأنَّهُ ثِقَةٌ، فَالْمَعْرُوفُ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ أنَّ الرَّاوِيَ المَوْصُوْفَ بِأنَّهُ ثِقَةٌ يَكُوْنُ حَدِيْثُهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيْحِ، وأمَّا إِذَا وَجَدْنَا عُلَمَاءَ الجَّرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ قَدْ وَصَفُوا رَاوياً آَخَرَ بِأَنَّهُ صَدُوْقٌ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ ، فَالْمَعْرُوْفُ أنَّ هَذَا الرَّاوِيَ المَوْصُوفَ بِأَنَّهُ صَدُوْقٌ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ يَكُوْنُ حَدِيْثُهُ مِنْ قِسْم الحَسَنِ ، وَأَمَّا إِذَا وَجَدْنَاهُم قَدْ وَصَفُوا رَاوياً ثَالِثَاً بِأَنَّهُ ضَعِيْفٌ أَو مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ أَو سَيِّءُ الحِفْظِ  أَو نَحْوَ ذَلِكَ ، فَحَدِيْثُهُ سَيَكُوْنُ مِنْ قِسْمِ الضَّعِيْفِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ،  فَإذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ: فَهُنَا نَعُوْدُ إلَى المِثَالِ أَعْلَاهُ لِمَعْرِفَةِ الحُكْمِ الَّذِي يَجِبُ أنْ يُوصَفَ بِهِ هَذَا الحَدِيْثُ، فَنَقُولُ: بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى كَلِمَاتِ أَهْلِ الجُرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ وَجَدْنَا أنَّهُمُ حَكَمُوا عَلَى أَحْمَدَ بن حَنْبَل بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَحَكَمُوا عَلَى يَحْيَى بن سَعِيْدٍ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ ، وَهَكَذَا الحُكْمُ وَجَدْنَاهُ عَلَى كُلٍّ مِن سُفْيَانٍ الثَوْريِّ  وَيَحْيَى بن أَبِي كَثِيْرٍ، وَهَذَا يَعْنِي أنَّ حَدِيْثَ هَؤُلَاءِ سَيَكُونُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَكِنْ بَقِيَ لَدَيْنَا أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الإِسْنَادِ، وَهُوَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، حَيْثُ وَجَدْنَا ثَلَاثَةً مِن عُلَمَاءِ الجَّرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ يَصِفُهُ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ وَجَدْنَا اثْنَيْنِ مِنْهُم يَصِفانهِ بِأنَّهُ صَدُوقٌ أَو لَا بَأْسَ بِهِ. فَهُنَا طِبْقَاً لِمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ سَيَكُوْنُ حَدِيثُ عَبْدِ المَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَان عِنْدَ قِسْمٍ مِنَ العُلَمَاءِ صَحِيْحَاً بِنَاءً عَلَى وَصْفِهِ بِأنَّهُ ثِقَةٌ، وَعِنْدَ قِسْمٍ آَخَرٍ مِنْهُم سَيَكُوْنُ حَدِيْثُهُ حَسَنَاً بِنَاءً عَلَى وَصْفِهِ بِأنَّهُ صَدُوقٌ أَو لَا بَأْسَ بِهِ، فَأَصْبَحَ أَمْرُهُ مُحِيِّرَاً كَمَا تَرَى؛ وَلَكِنَّ بَعَضَ العُلَمَاءِ وَجَدَ حَلّاً لِرَفْعِ هَذِهِ الحِيْرَةِ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِيْنَ وَثَّقُوهُ هُمُ أَكْثَرُ عَدَدَاً مِمَّنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ صَدُوْقٌ أَو لَا بَأْسَ بِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الحُكْمِ عَلَيْهِ بِوَصْفٍ يُنَاسِبُ أَقْوَالَ جَمِيْعِ العُلَمَاءِ فِي هَذَا المَقَامِ، فَلِذَا نَحْكُمُ عَلَى حَدِيْثِهِ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ، وَذَلِكَ لأنَّ وَصَفَ الإسْنَادَ بِالجَّيِّدِ هُوَ وصفٌ دُوْنَ الصَحِيْحِ وَفَوْقَ الحَسَنِ طِبْقَاً لِأَقْوَالِ عُلَمَاءِ الجَّرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ فِي حَقِّهِ.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.