هل الإنسان بحاجة إلى الدين؟ ولماذا يحظى بهذا القدر من الاهتمام والبحث؟

: اللجنة العلمية

 

لقد خلق الله الإنسان من قبضة طين، ونفخة روح، وجعل لكلّ منهما احتياجاته ومتطلباتها, وطبعهِ على الميل لما يحفظ ذاته من غذاء وكساء, ولما يحفظ نوعه من زواج واجتماع, وكرّمه عن سائر المخلوقات, قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}(1)، وأنّه خلقه في أحسن تقويم, قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(2), ووَهبَه العقلَ الذي يعدّ القوة الموجهة له ليفكر، ويتفكّر به فيحقق الغاية الّتي خُلِقَ من أجلها.

والإنسان المخلوق الوحيد الذي كلفه الله عزّ وجلّ بعمارة الأرض, قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾(3)، ولم يتركه هائماً على وجهه في هذا العالم، بل جعل له منظومة قوانين من العقائد, والمفاهيم, والأحكام, والأخلاق, التي تندرج جميعها تحت مسمّى (الدين)، لتنتظم بها دنياه, وتصلح على ضوئها آخرته.

يقول بارتيلمي سنات هيلير: هذا اللغز العظيم الذي سيحث عقولنا، ما العالم؟ ما الإنسان؟ من أين جاء؟ من ضعهما؟ من يدبرهما؟... ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا؟ أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة.

وقال شاشاوان: مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر علمياً وصناعياً واقتصاديا واجتماعياً ومهما يكن اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة العملية والتنافس في سبيل معيشتنا... وهذه المسائل الأزلية لِمَ وكيف كان وجودنا ووجود هذا العالم وإلى التفكير في العلل...

ويقول هنري برجسون: لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة.

إذن الدين له ارتباط وثيق في وجود الإنسان في هذه النشأة الدنيوية فلابد من الدين المنظم لحياة هذا الإنسان(4).

فالعقائد: تمثل أساس الإيمان والتي ينبغي التوصل إليها بالفكر, والبحث, والبرهان, حيث إنّها تعتبر هي أساس الدين, وتندرج تحت اسم العقائد الأصول الخمسة: 

التوحيد, العدل, النبوة, الإمامة, المعاد.

وأمّا المفاهيم: فهي تمثل مواقف الإنسان من القضايا الحياتية المطروحة, فتتحدد بها رؤيته, وتنفعل لها أحاسيسه, ليجسدها في الواقع متحركا في سلوكه, وممارساته:

مثل: موقف الدين من العلم, والعمل, والجنس, والمرأة .. الخ.

وأمّا الأحكام: فهي تمثل نظام الحياة للإنسان, حيث توثق علاقته بخالقه وبمجتمعه, وتنظم له حياته العامة والخاصة من جميع نواحيها الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.

 والأحكام في المصطلح الفقهي تندرج تحت مسمّى العبادات والمعاملات.

وأمّا الأخلاق: فتمثل القواعد والآداب الّتي تبني العلاقات السليمة والصالحة بين الأفراد على أساس المحبّة، والثقة والاحترام المتبادلة بينهم.

إذن فــ(الدين) ينظم حياة الإنسان، ويحقق له الغاية من خلقه, ويكفل له روحاً نقية, وعقلاً راجحاً وضميراً صالحاً.

وعلى ما تقدم، فإنّ الدين يعد أحد أهم مقومات شخصية الإنسان، وتفكيره، وسلوكه، وتعامله مع نفسه ومع مَنْ حوله, ومن هنا تكون حاجة الإنسان إليه أعظم من حاجته إلى ما سواه من ضروريات الحياة.

وإذا كان الإنسان مدنياً بالطبع, بمعنى أنّه لا يستطيع أن يعيش منفردًا معزولًا عن المجتمع، فهو -أيضاً- متدين بفطرته وطبعه, أي أنّه لا يستطيع أن يعيش بغير دين وأن يحيا بدون إله يعظمه ويقدسه؛ لأنّه مجبول على الحاجة إلى أن يُؤمن ويُقدِّس.

فالإيمان مركوز في طبع الإنسان وفطرته، وليس أدل على ذلك من لجوئه إلى الله عز وجل حال الشدّة والاضطرار، إذ يجد نفسه في الأزمات والشدائد مدفوعاً بطريق لا شعوري إلى التعلق بقوة مطلقة عليا, يقول سبحانه:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(5).

وفي رواية أنّه سئل مولانا الصادق(عليه السلام) عن الله? فقال للسائل: يا أبا عبد الله, هل ركبت سفينة قط ? قال: بلى. قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك, ولا سباحة تغنيك? قال: بلى. قال: فهل تعلّق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك? قال: بلى. قال الصادق: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي, و على الإغاثة حين لا مغيث(6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإسراء/70.

(2) التين/4.

(3) هود/61.

(4) اقتباس من مقالات كتبة عن أهمية الدين.

(5) العنكبوت/65.

(6) بحار الأنوار/ج64 /ص 137.