سُؤَالُ زَكَرِيَّا فِي طَلَبِ الْوَلَدِ مِن رَّبِّهِ.

خَبِيرٌ: لِمَاذَا زَكَرِيَّا عِنْدَمَا دَعَا رَبَّهُ وَنُودِيَ بِالْإجَابَةِ سَأَلَ: إنَّهُ كَيْفَ يُعْطَى غُلَاماً وَامْرَأَتُهُ عَاقِرٌ وَهُوَ كَبِيرٌ، إذَنْ، مَاذَا كَانَ يَظُنُّ عَنْ كَيْفِيَّةِ إعْطَائِهِ الْوَلَدَ غَيْرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً • يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً • يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً • قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم].

: اللجنة العلمية

 الْأخُ الْمُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

 لَمْ يَكُنْ زَكَرِيَّا (عَلَيْهِ السَّلَامِ) فِي مَقَامِ الشَّكِ فِي قُدْرَةِ اللهِ مِنْ إعْطَائِهِ الْوَلَدَ عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ وَشَيْخُوخَتِهِ وَكَوْنِ إمْرَأتِهِ عَاقِراً، كَمَا يُوحِي إلَيْهِ ظَاهِرُ الْإسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ)، فَهَذَا الشَّكُ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ، لأنَّ الْأنْبِيَاءَ يَعْلَمُونَ بِقُدْرَةِ اللهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ تَحْتَ عَالَمِ الْإمْكَانِ، وَمَا طَلَبَهُ زَكَرِيَّا هُوَ وَاقِعٌ تَحْتَ عَالَمِ الْإمْكَانِ جَزْماً، وَأيْضاً لَيْسَ جَدِيداً أنْ يُسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا دُعَاؤهُ وَهُوَ بِنَفْسِهِ صَرَّحَ قَائِلاً: (وَلَمْ أكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِّياً).. فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ إذَنْ مِنْ هَذَا الْإسْتِفْهَامِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؟!!

  قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي إعْطَاءِ الْوَلَدِ مَعَ عَدَمِ تَوَفُّرِ عَوَامِلِ الْإنْجَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لِكِبَرِ سِنِّ الزَّوْجِ (يُقَالُ: حِينَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ بِهَذَا الدُّعَاءِ كَانَ عُمُرُهُ تِسْعَةَ وَتِسْعِينَ سَنَةً)، وَكَوْنُ الزَّوْجَةِ عَاقِراً لَمْ تُنْجِبْ أبَداً (وَيُقَالُ: كَانَ عُمُرُهَا ثَمَانِيَةَ وَتِسْعِينَ سَنَةً).

 فَمَعَ هَذِهِ الْحَالِ يَسْألُ زَكَرِيَّا: كَيْفَ سَيَكُونُ الْإنْجَابُ يَا رَبِّي.. هَلْ سَتُرْجِعُنَا شَابَيْنِ، كَمَا أرْجَعْتَ زُلَيْخَا لِشَبَابِهَا بِدُعَاءِ نَبِيِّ اللهِ يُوسُفَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).. أمْ تُزَوِّجُنِي بِامْرَأةٍ أخْرَى تُنْجِبُ لِي وَلَداً.. أمْ تَمْنَحُنِي الْوَلَدَ مِن زَوْجَتِي هَذِهِ عَلَى عُقْمِهَا؟!! 

  هَذِهِ هِيَ الْإسْتِفْهَامَاتُ الَّتِي يُمْكِنُ تَصَوُّرُهَا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي سُؤَالِ نَبِيِّ اللهِ زَكَرِيَّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) (أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ).

  فَأجَابَهُ اللهُ تَعَالَى: (قَالَ كَذَلِكَ)، أيْ سَأُعْطِيكَ الْوَلَدَ عَلَى مَا تَقُولُ مِنْ كِبَرِ سِنِّكَ وَعُقْمِ امْرَأتِكَ، وَ(هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) هَذَا الْخَلْقُ لِلْوَلَدِ فِي رَحْمِ امْرَأةٍ عَاقِرٍ، فَقَدْ خَلَقْتُكَ أنْتَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُنْ شَيْئاً.

 

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.