مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَمَرْنَا مُتْرَفيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا).

الْحُقُوقِيُّ أحمَدُ الْكِنَانِيُّ: س ع .. أرجو مِنَ الْمَرْكَزِ أنْ يُبَيِّنَ لَنَا مَقَاصِدَ الآيةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ سُورَةِ الإسراءِ رَقْمَ ١٦ [ يَعْنِي قَرْيَة گاعدة وَمُسْتَقِرَّة وعايشيين عيْشَة سَعِيدَة تَجِي تُؤُمِّرُ مُتْرَفِيهَا يَفْسُقُونَ بِيَهَا حَتَّى تُعَذِّبُهَا!!! مَا عَرَفتْ شَنُّو الْفَلْسَفَةِ بالموضوع؟ يَا رَيْت أَحَد يِفتهِمْ يَفْهِمنَا، بَس بِلَا تَرْقيعَاتِ غَيْرِ مَنْطِقِيَّةٍ]. هَذَا مَا وَرَدَ فِي أَحَدِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ رَاجَعَتُ كِتَابَ الْمِيزَانِ والأَمثَلِ يُرَكِّزُونَ أكثَرَ عَلَى الطَّبَقَةِ الْمُتْرَفَةِ وَهَذَا يُثِيرُ شَكَّ الْكَثِيرِينَ جَعَلَنَا اللهُ وإيّاكُم مِنْ خَدَمَةِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ..

: اللجنة العلمية

الأخ المحتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَصَوَّرَتَ أَخِي الْكَرِيم، فَفِي الْآيَةِ جَانِبَانِ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُمَا:

الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْخِطَابِ قَدْ وَرَدَ بِتَقْديرِ مَحْذُوفٍ، أي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَحْذُوفٌ، وَتَقْديرُهُ يُعْرَفُ بِقَرِينَةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَالْمُتَكَلِّمُ هُنَا (وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ) لَا يَأْمُرُ بِالْفِسْقِ وَلَا الْمُنْكَرِ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الطَّاعَةُ، وَيَكُونُ سِيَاقُ الْآيَةِ هَكَذَا: أَمَرْنا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ فَفَسَقُوا فِيهَا.

قَالَ السَّيِّدُ الْمُرْتَضَى فِي " الْأمَالي":( وَقَوْلُهُ تَعَالَى*(أَمَرْنا مُتْرَفِيها)*

الْمَأْمُورُ بِهِ مَحْذُوفٌ وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْفِسْقُ وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ، وَيَجْرِي هَذَا مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ أَمَرتُهُ فَعَصَى وَدَعَوْتُهُ فَأَبَى وَالْمُرَادُ إِنَّنِي أَمَرْتُهُ بِالطَّاعَةِ وَدَعْوَتُهُ إِلَى الْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ).

اِنْتَهَى[ الْأمَالي 1: 2]

الثّاني: الْوَجْهُ فِي إِهْلَاَكِ الْقَرْيَةِ عِنْدَ فِسْقِ الْمُتْرَفِينَ؟

تُشِيرُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ إِلَى جِهَةٍ غَالِبَةٍ فِي السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا عِلْمُ الإجتماعِ، وَأَكَّدَتْهَا الْمَنْقُولَاتُ التَّأْرِيخِيَّةُ، وَهِي أَنَّ النَّاسَ يَتْبَعُونَ كُبَراءَهُم غَالِبًا، فَيَسْلُكُونَ سُلُوكَهُمْ، وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ إِلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي آياتٍ عَدِيدَةٍ ، مِنْهَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ:( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) الْأحْزَابُ: 67.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{ وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَآءُ لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} ابراهيم: 21.

فَالنَّاسُ، بِشَكْلٍ عَامٍ، يُطِيعُونَ الْمُتْرَفَيْنَ وَالْكُبَرَاءَ، فَيَضِلُّوهُمُ السَّبِيلَ، فَيَحقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ وَالْهَلَاكَ بِلِحَاظِ هَذَا الإتِّباعِ، هَذَا هُوَ مُفَادُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.