القُرْآنُ الكَرِيمُ يُثْبِتُ إمْكَانَ أنْ يَعْلَمَ الأنْبِيَاءُ الغَيْبَ.

حَميد الرِّكابي/: إنَّ الأنبِياءَ والأوصِياءَ لا يَعلمُونَ الغَيبَ هذا صَحِيحٌ...... إنَّ الأنبِياءَ والأوصِياءَ غَيرُ مَعصُومِينَ بنُصوصٍ، منها: (همَّتْ به وهمَّ بها)...... قصة موسى (عليه السلام): (ودَخلَ المدِينةَ على حينِ غَفلةٍ مِن أهْلِها فَوجدَ فيها رَجُلَينِ يَقتَتِلانِ)....... (وقُلنا يا آدمُ اسْكُنْ أنتَ وزَوجُك الجنَّةَ)....... أما الأوصِياءُ: عن الصَّادقِ (عليه السلام): "لا تُؤمِنِّي مَكْركَ و لا تُقنِطنِي مِن رَحمتِكَ"......وحَديثٌ آخرُ: "اللَّهمَّ اردُدْ إلى جَميعِ خَلقِك مَظالِمَهم التي مِن قِبَلي، صَغِيرَها وكَبِيرَها ما لم تَبلُغْه قُوَّتِي وما لم تَسَعْه ذاتُ يَدِي..... 

: اللجنة العلمية

   الأخ حميد المحترم .. السلام عليكم ورحمة الله بركاته.

    لقد أثْبتَ القُرآنُ الكَرِيمُ إمكانَ أنْ يَعلَمَ الأنبِياءُ الغَيبَ، قَال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ) الجن 26، 27.. ومِن حيثُ الوُقوعُ دلَّتْ الرِّواياتُ عندَ الفَريِقيْنِ (السُّنة والشِّيعَة) على عِلمِ رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) بما كانَ وما هو كَائِنٌ إلى يومِ القِيَامةِ، وقد تَلَونا عليْك قِسماً منها.. نعم، هذا العِلمُ ليس هو على نحوِ الموجَبةِ الكُلِّيةِ، فقد يَكُون اطِّلاعُ كلِّ نبيٍّ بِحسَبِه كما هو المسْتفَادُ مِن قِصَّةِ مُوسى والخِضرِ (عليهما السلام)؛ إذ كانَ الخِضرُ يَعلَمُ عِلماً لم يَكنْ يَعلَمُه مُوسى، وكذلِك كانَ مُوسى يَعلَمُ عِلماً لم يَكنْ يَعلَمُه الخِضرُ، كما أشارَ إليه ابنُ كَثيرٍ في تَفسِيرِه. 

     أما عِصمةُ الأنبِياءِ فقد أثبَتْنا عِصمَتَهم بِدَليلٍ عَقلِيٍّ قَطعِيٍّ، ومع وُجودِ الدَّليلِ العَقلِيِّ القَطعِيِّ يُصارُ إلى تأويلِ كلِّ دَليلٍ لَفظِيٍّ ظَاهِرُه خِلَافُ الدَّليلِ العَقلِيِّ، لأنَّ ظَواهِرَ الألفَاظِ ظَنِّيةٌ، وإذا خَالفَ الظَّنُ القَطعَ يُصارُ إلى تأوِيلِه.. وعلى سَبيلِ المثَالِ قَولُه تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، لا يَكُون المرَادُ به أنَّ يُوسُفَ (عليه السلام) همَّ بالمعْصِيةِ، بل يُرادُ به مَعنى آخرُ نَستفِيدُه مِن سِياقِ الآيةِ نَفسِها.

     جاءَ في (أخبَار عُيُونِ الرِّضا (عليه السلام)): قَال المأمُونُ للإمامِ الرِّضا (عليه السلام): ألسْتُم تَقولُونَ: إنَّ الأنبِياءَ مَعصُومونَ. فأخبِرْني عن قَولِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): (ولَقدْ همَّتْ به وهمَّ بها لولا أنْ رأى بُرهانَ ربِّه)؟!!

 فقَال الإمامُ الرِّضا (عليه السلام): لقد همَّتْ به ولولا أنْ رأى بُرهانَ ربِّه لهمَّ بها كما همَّتْ، لكنَّه كانَ مَعصُوماً، والمعْصومُ لا يَهمُّ بِذَنبٍ ولا يَأتِيهِ، ولقد حَدَّثنِي أبي عن أبِيه الصَّادقِ (عليه السلام) أنَّه قَال: همَّتْ بأنْ تَفعلَ وهمَّ بأنْ لا يَفعلَ.

 فقَال المأْمونُ: للهِ درُّكَ يا أبا الحَسنِ. انتهى.

     ودُمتُم سَالِمينَ.